
أحمد فال الدين كاتب وروائي وصحفي موريتاني مجد ومبدع له العديد من الروايات والكتب. قرأت منها . روايات الحدقي والشيباني و دانشمند وكتبت عنها كلها.
كتاب أحمد فال الدين: حجر الارض – صراع الغزاة والحماة في أفغانستان. هو أقرب إلى شهادة صحفية يوثق فيها ما رآه وعايشه في رحلته إلى أفغانستان عام ٢٠٢١م. يوثق بالصوت والصورة انسحاب القوات الامريكية من هناك، ويدون هذا الكتاب توثيقا ايضا .
يبدأ أحمد فال الدين شهادته بالتحدث عن غرابة ذهابه الى أفغانستان إبان انسحاب الامريكان من هناك بعد بقائهم هناك حوالي العقدين من الزمان. وخاصة أن كل من كان هناك من أجانب والكثير من الأفغان الذين كانوا يعملون مع الامريكان كمترجمين او امنيين او اي اعمال اخرى. وحتى الأفغان العاديين كانوا حريصين على ان يغادروا أفغانستان إلى أمريكا بلد الاحلام. وخوفا من حكومة طالبان التي بسطت هيمنتها على كامل التراب الأفغاني في وقت قياسي. نتذكر ملاحقة الجموع للطائرات الامريكية المغادرة. كنا نتابع ذلك في التلفزيونات كبث مباشر على الهواء ، والناس كالجراد يتعلقون بالطائرات المتحركة بأجنحتها ودواليبها والكل يبحث عن فرصة خلاص.
كان أحمد فال الدين ينزل من الطائرة وحيدا يتوغل في أفغانستان التي يهرب الكل منها مع الامريكان ذلك الوقت.
أفغانستان الذي احتلها الامريكان كأول ردة فعل عن ضربات الحادي عشر من ايلول عام ٢٠٠١م التي طالت مواقع في امريكا. والتي عملت طوال السنين التي تواجدت فيها هناك ان تخلق لها حكما متحالفا معها. خلقت سلطة وبنت جيشا أكثر من ثلاثمائة ألف مقاتل و حاولت ان تنشر رؤاها الليبرالية داخل المجتمع الأفغاني المسلم المحافظ.
لقد تفاجأ الكاتب أن يسقط الحكم الذي بنته أمريكا بجيشه وعتاده بوقت قياسي ويستسلم بالكامل لطالبان التي كانت قد أعادت لم شملها وبدأت بحرب استنزاف للأمريكيين أدت لهروبهم من مستنقع أفغانستان اخيرا.
يعود الكاتب الى تاريخ افغانستان القديم متحدثا عن طبيعتها الجغرافية العصيّة وانها كانت واقعة على طريق الحرير. وتجذر الإسلام فيها وخاصة بعدما أصبحت قبلة للمقاتلين المسلمين من جميع أنحاء العالم لكي تحارب التواجد الروسي “الملحد” بدعم أمريكي علني جعلها بعد ذلك بؤرة اسلامية للجهاد العالمي وانتجت تنظيم القاعدة فيها وتوسع ليصل الى اغلب دول العالم.
كما ان للشعب الأفغاني صفة الكرم واغاثة الملهوف واحتضان من يستجير بهم حتى لو كان عدوا. وهذا كان ديدنهم سواء كان بشكل فردي أو سياسي جماعي عام. فهم لم يخونوا الجهاديين ومنهم اسامة بن لادن، الذين جاؤوا إليهم ولم يسلموهم لأمريكا بعد احداث ايلول وضرب أمريكا. وتقبلوا ان تضربهم أمريكا وتحتلهم ولا يخونون من استغاث بهم واصبح جزء من بنيتهم الحياتية.
سمة أخرى يتحدث عنها الكاتب وهي أن أفغانستان ومنذ حقب التاريخ السابقة عصية على أي مستعمر. وأن الصراع مع المستعمر هو من دواعي الشرف والكرامة الشخصية لكل افغاني، وان المقاومة للمستعمر تورث لأولادهم جيل بعد جيل حتى يتحرروا ويبنون دولتهم كما يريدون.
لذلك لم يتقبل الأفغان الاحتلال الامريكي لهم وبدؤوا المقاومة منذ أول يوم حضروا به واستمر حتى فروا هاربين بكل ما تعني الكلمة بعد عقدين تحت ضربات المقاومة المستمرة.
لذلك لم يكن الحكم الذي اصطنعه الامريكان قادرا على الصمود بعد هروبهم. وحتى الجيش بمئات الآلاف كان جاهزا ليلتحق بكتلة طالبان العسكرية. لانهم هم ايضا افغان يرفضون أن يكونوا محتلين لاحد وان تكون إرادتهم رهينة لأي طرف حتى لأمريكا بكل جبروتها.
المجتمع الأفغاني قبائلي له عادات متوارثة حول العيش المشترك والتعايش والقبول المتبادل. وهم مسلمون محافظون جدا. لم تستطع الأفكار الليبرالية التحررية الغربية التي تحاول أن تعطي للمرأة حضورا ودورا وان تجعلها تنزل الى سوق العمل وتتعلم و ان تشارك في كل امور الحياة. لم تستطع هذه الافكار ان تنغرس في النسيج المجتمعي الافغاني، او للدقة هكذا ظهر.
كل ذلك لم ينغرس في وجدان الأفغان و عادوا سيرتهم الأولى وأن الدور الأساسي للمرأة انها زوجة وام ومسؤولة عن عائلتها وان علمها -أن تعلمت- يخدم ذلك. وعادت مظاهر اللبس النسائي الساكب عليها بالكامل “الشادور” ليكون هو السائد.
لا نعلم إلى أي مدى تتقبل المرأة الافغانية ذلك لكن هذا هو واقع الحال.
لقد استطاعت طالبان ان تعيد السيطرة على أفغانستان بالكامل بوقت قياسي، بعد الانسحاب الأمريكي. ولم تجد مقاومة تذكر. وخاصة أن البنية القبائلية لأفغانستان تجعل لزعماء القبائل أدوارا بأي حكم جديد.
اغلب اهل افغانستان سنّة واكبر قبيلة البشتون. وفيهم قبائل شيعيّة . ومع ذلك فهم متقبلين بعضهم بتنوعهم هذا ومنذ زمن بعيد.
نعم لقد استطاعت افغانستان تحت حكم طالبان ان تعيد حضورها وتنجح اقتصاديا واجتماعيا واستطاعت أن تستأصل زراعة الحشيش وغيره من المخدرات حيث كانت افغانستان اكبر مورد عالمي له. وعوضت للناس بزراعات أكثر فائدة ومردودية . واستطاعت طالبان أن تخلق توافقات مجتمعية.
صحيح انها دخلت في شبه عزلة. لكنها تعرف ان هذا واقعها التاريخي منذ آلاف السنين. بلاد تكتفي بذاتها. العالم يحتاجها ممر إجباري لكثير من الموارد نفط وغيره، ولوجود موارد طبيعية مهمة فيها. وهي تنتظر ان يتعامل معها العالم بنديّة وتعمل حتى تبني مستقبلها الأفضل وفق رؤيتها الخاصة.
فهل تنجح؟.
كتاب “حجر الارض” -صراع الغزاة والحماة في أفغانستان- للكاتب واروائي “أحمد فال الدين” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الكتاب عبارة عن شهادة صحفية توثق فيها ما رآه الكاتب وعايشه في رحلته إلى أفغانستان عام ٢٠٢١م. انسحاب القوات الامريكية من هناك،