الموقف العربي من الثورة السورية

د- عبد الناصر سكرية

يتساءل كثير من السوريين عن أسباب امتناع العرب عن تأييد ثورتهم والوقوف إلى جانبها، الأمر الذي يخلق لديهم شعورًا بالحسرة والمرارة من ” تخلي ” إخوتهم العرب عنهم وتركهم فريسة لنظام مجرم وقوى أجنبية طامعة حاقدة تدخلت فاحتلت سورية حيث تتقاسمها فيما بينها وتبقي نظامًا مشوهًا مملوكًا لأجهزتها تتخذ منه غطاء وواجهة لتدمير سورية وتهجير أهلها وتقسيمها ونهب مواردها.

مما لا شك فيه أنها تساؤلات مشروعة وموضوعية.. كما أن ما تتسبب به من خيبة ومرارة مبرر وموضوعي أيضًا. ولبيان واقع الأمر نحتاج إلى توضيح مآلات الثورة وواقع الحال القائم في سورية راهنًا.

ينقسم الأمر إلى شقين. يتعلق الأول بالوضع السوري ذاته. والثاني يتعلق بالوضع العربي.

أولًا – في واقع الثورة السورية:

ثمة معضلات تواجه ثورة الشعب السوري لم تستطع تخطيها حتى الآن. وهي معضلات تضعفها بلا شك كما تبلبل صورتها أمام كل من هو غير سوري وما يعنينا هنا الوضع العربي.

١ – التشتت:

على الرغم من مرور عشر سنوات من عمر الثورة؛ وعلى رغم التضحيات الهائلة التي قدمها الشعب السوري فداء لثورته، وعلى الرغم من الإصرار المتدفق المتميز للشعب السوري على الاستمرار في الثورة دونما تراجع أو وجل؛ إلا أن القوى الشعبية الثائرة ومعها النخب الثورية ؛ لم تستطع حتى الآن بلورة هيكل تنظيمي واضح المعالم محدد الأهداف يمثل تطلعات الشعب السوري بصدق ويقود حركاته وينسقها وفق برامج عمل مرحلية – ميدانية.

لم تتبلور قيادة موحدة أو أقله جبهة وطنية واحدة؛ تعبر بأمانة عن الشعب وتقود الثورة.. تطرح رؤيتها للناس وللآخرين وتشرح الوقائع وتفسر الأحداث حتى تتضح معالم الموقف الثوري وحتى تتخذ مواقف التأييد أو التخلي، منه وعلى أساسه.

وعلى الرغم من وجود أعداد كثيرة من النخب الثائرة والناشطة وتكتلها في عشرات التجمعات المتنوعة؛ إلا أنها لم تبلور جبهة وطنية واحدة تضم الجميع إلى بعضهم ليشكلوا قوة وطنية ثورية تصبح دليلًا وفيصلًا وبوصلة للآخرين حيال الثورة وعلى أساسها يطلب التأييد ممن يعلنون تأييدهم لها أو ممن يفترض أن يكونوا في خندق واحد مع الشعب السوري وتحديدًا القوى الشعبية العربية الحرة المستقلة.

اللافت في هذا الجانب أن طروحات كل هذه التشكيلات الناشطة متقاربة جدًا إن لم تكن متطابقة ولا يستطيع أحد الخروج عنها لأنها صارت ملتصقة بالوجدان الشعبي الحر الثائر.

ومع ذلك لا يشكلون جبهة ائتلافية موحدة.. وهو أمر مستغرب وليست له مبررات موضوعية عميقة يصعب تجاوزها.

هذا الأمر بالتحديد ترك آثارًا سلبية كثيرة سمحت لقوى الثورة المضادة التسلق على جدران الثورة وتخريب صفوفها وصولًا إلى اختطافها تمامًا وسوقها إلى منعطفات فئوية ومصلحية خاصة بعيدة عن تطلعات الشعب السوري.

٢ – “مؤسسات” الثورة والمعارضة.

مما لا شك فيه أن قيادات وطنية كثيرة بذلت جهودًا كبيرة منذ بدايات الثورة لبلورة مؤسسات تعبر عنها وتوحد طاقاتها الحرة. إلا أن أسبابًا متنوعة أزاحت هؤلاء عن الواجهة وفرضت أسماء أخرى لا تمت للثورة بصلة لا بل إن بعضها أو كثيرها ينتمي إلى القوى المعادية للثورة بما فيها النظام ذاته. وقد لعب المال دورًا رئيسيًا في استبعاد القيادات المستقلة لصالح تقديم متسلقين على الثورة من الانتهازيين أو المرتهنين لنفوذ أجنبي هنا أو هناك. فكانت النتيجة أن تم اختطاف المؤسسات التي كان مفترضًا لها أن تعبر عن الثورة، فإذا بها تصبح من معوقات الثورة ومخربي صفوفها وسارقي أموالها ومشوهي صورتها وهذا هو البند الأخطر الذي ستكون له انعكاسات سلبية عميقة على صعيد التأييد الشعبي العربي، وحتى على انخراط كثير من السوريين أنفسهم في أي نوع من الحراك الثوري هربًا ممن خطفوا مؤسسات الثورة وحولوها إلى مطية لمصالح حزبية أو فئوية أو شخصية.

نجحت القوى التي استولت على مؤسسات الثورة، أن تختطف الثورة ذاتها وتحيلها إلى ” معارضة ” تساوم القوى الأجنبية لتحقيق مكاسب هنا أو مشاركات وظيفية هناك؛ الأمر الذي أثار اشمئزاز كثيرين من أبناء الشعب السوري وبالتالي الرأي العام الشعبي العربي.

٣ – الفصائل العسكرية:

الحاجة الماسة للدفاع عن النفس في مواجهة الأعمال العسكرية الإجرامية للنظام ضد الناس والشعب المنتفض وعموم الأهالي؛ وضعت آلاف الشباب الحر في وضع حرج صعب. فكان الدخول في العمل العسكري المسلح خيارًا مفروضًا لا بديل عنه. في البدايات شكل الجيش الحر إطارًا مناسبًا لاستيعاب وضبط كل الأنشطة المسلحة دفاعًا عن الثورة والناس والشعب. وكان مقدرًا له أن يكون إطارًا عسكريًا يحمي الثورة ويدافع عن الشعب. إلا أن التدخلات الخارجية أضعفته وشكلت فصائل أخرى أكثر استجابة لضغوطها ومتطلبات مساوماتها الدولية… وبرزت الحاجة إلى السلاح ومن ثم إلى التمويل فكان أن تدخل أصحاب المال في مجريات الأحداث لخدمة أهدافهم الخاصة وليس أهداف الشعب السوري. وكان باب التسليح أخطرها منفذًا لفرض تشكيلات مرتهنة للممولين تأتمر بأمرهم وتنفذ برامجهم ومصالحهم في سورية.. فكان أن أخرجوها من إطارها الثوري الوطني لتصبح أدوات للضغط والمساومة فيما بين الدول الخارجية المتدخلة طمعًا في تحقيق مكاسب خاصة بها. استغل الممولون حاجة الشباب إلى التسلح فشكلوهم في فصائل تستغل شعارات الثورة وجدرانها فأصبحت إعاقة لها وعالة عليها ساهمت بدور أساسي كبير في تحريف مسارها وخطفها واستخدامها في لعبة المساومات الدولية لتمرير أهداف الدول الأجنبية الطامعة وتغطية وتبرير احتلالها لسورية وتقاسمها ونهب مواردها الكثيرة.. (وكان استيراد النصرة واختراع داعش الطامة الكبرى) …ثم الإبقاء على النظام كواجهة لكل هذه الأطماع العدوانية.

وهكذا بدت الثورة في كثير من فصولها ومشاهدها صراعًا دوليًا على سورية وحربًا ضد فصائل ميليشيوية تكفيرية مرتهنة للخارج ولا تمثل الشعب السوري. فساهم هذا بفعالية في حجب التضامن الشعبي العربي مع الثورة، أقله حركيًا عملانيًا.

٤ – الإعلام:

باتت واضحة تمامًا الحماية الدولية للنظام في سورية. وهي حماية عمادها وأساسها أميركية – صهيونية. ولما كان هذا الغطاء الدولي للنظام يملك الإعلام العالمي بمعظمه ويؤثر فعليًا فيما تبقى؛ فقد تم توظيف الإعلام لتشويه الثورة ونسف مقوماتها ومبرراتها والتعمية على مساراتها المتعددة. وهكذا تم تسويق فكرة أن ما يجري في سورية إنما هو مواجهة عالمية ضد قوى تكفيرية إرهابية مشبوهة. وأنها هي الخطر الحقيقي على المنطقة والعالم. أما مسارات الثورة الفعلية وما فيها من تدمير وتهجير واعتقالات وتعذيب وكيماوي وقصف المدنيين والمستشفيات والمدارس والشهداء والصمود الجبار وتحدي الموت وسواها فلم تحظ بأي اهتمام إعلامي ولم تكن يومًا قضية رأي عام عربي أو عالمي لتغييبها المتعمد عن الإعلام والتواصل والاهتمام.

فكان للإعلام دور أساسي فعال جدًا في تشويه الثورة وتعميد مضاداتها الحيوية التي اختطفتها وتتاجر بها. الإعلام اتخذ من الانتهازيين الذين شوهوا وسرقوا ورهنوا مؤسسات الثورة ويتاجرون بها؛ عنوانًا لها وجعل منهم ” معارضة ” تستجدي نفعًا هنا أو دورًا هناك. أما القوى الشعبية الحرة فليس لها إعلام يشرح واقعها ورؤيتها.

فساهم كل هذا في تكريس الصورة المشوهة وإخفاء الصورة المشرقة للثورة.. مما زاد في إحجام الكثيرين عن إظهار التضامن والتأييد للثورة السورية. حتى من السوريين أنفسهم.

٥ – تسلق أحزاب دينية إسلامية على واقع حال الثورة واحتياجاتها ومؤسساتها. وعلى الرغم مما قد تكون قدمته من تضحيات ومشاركات في بعض مراحل الثورة؛ إلا أن فكرها الحزبي الفئوي المتزمت وارتباطها بقوى إقليمية ذات مشاريع خاصة بها، جعل منها عالة على الثورة تحاول فرض رؤيتها وتفسيرها وتطلعاتها المذهبية منهجًا وحيدًا للثورة وممرًا إجباريًا للاعتراف بالآخر والقبول بالمشاركة والتفاعل والتنسيق.

فكان لهذه الفئة الفئوية المذهبية أثر بيِّن واضح في انصراف كثيرين عن تأييد الثورة السورية نظرًا لما تشكله تلك الفئة من استفزاز ونفور للكثيرين من الوطنيين المخلصين في كل ساحة عربية.

# # خلاصة:

كان لهذه العوامل الخمسة مجتمعة الدور الأساس في إضعاف التأييد الشعبي العربي للثورة السورية. والحقيقة أن التضامن العاطفي الشعوري، والمادي أيضًا، قائم وموجود ويترجم من خلال التعاطي الإيجابي لأبناء البلاد العربية مع النازحين إليها من السوريين. وما مبادرة شعب فلسطين الداخل في أول أيام عيد الأضحى المبارك بإرسال ((٤٠٠٠)) أضحية للمهجرين النازحين في الشمال السوري إلا دليلًا حيًا على مشاعر الأخوة والتضامن والتأييد الشعبي العربي للشعب العربي في سورية.

ثانيًا: الموقف الرسمي..

الموقف النظامي الرسمي محكوم بالاعتبارات المصلحية المباشرة الخاصة بكل نظام على حدة. والحق يقال إن بعض البلدان العربية التي أعلنت تأييدها للشعب السوري، قدمت مساعدات كثيرة ومتنوعة. وساهمت في تشكيل مؤسسات تتحدث باسمه ودعمتها.. وكثير منها استقبلت أعدادًا كبيرة من السوريين وسهلت لهم الإقامة والعمل.

ظهرت سلبيات التعامل الرسمي حينما حاولت بعض القوى فرض رؤيتها وتسخير أشخاص بعينهم لخدمة مصالحها في الوسط السوري ومؤسسات الثورة.. مستغلة ما تقدمه من مساعدات وتمويل لهذا الغرض. فكان أن نجحت في فرض من يمثلها هي واستبعاد من يمثل الشعب السوري.. مما زاد في البلبلة بلة وفي خلط الأمور وتكريس الصورة الفئوية المصلحية التي باتت معها مؤسسات الثورة ألعوبة ومادة وأداة للمساومات الدولية والحزبية والفئوية. وهذا ما أضر بالثورة وساهم في خفوت صوت التأييد العربي لها.

كما أن لغياب أية فكرة واضحة عن وحدة المصير العربي وترابط الأحداث كلها وأن أمن كل بلد مرتبط بأمن الكل وأن ما يجري في سورية لن ينجو من آثاره أحد، أثر واضح في تحديد الموقف الرسمي والتعاطي النظامي مع الثورة.

# # – في ذات الوقت فقد أخافت جذرية الثورة السورية وأصالتها المجتمعية – التاريخية، جميع قوى الأمر الواقع وهيمنة الركود وبيروقراطية التعود النمطي، وفي مقدمتها القوى النظامية ومن يدور في أفلاكها، حتى تلك القوى الحزبية والنقابية التي استسهلت حياة الركود والاسترخاء ودينامية الكسل والقعود، مما أبعدها عن الثورة بل جعل بعضها يدخل في عداد ثورتها المضادة.

## خلاصة:

إن من لا يستطيع دفع ثمن التغيير الإيجابي وتحمل تبعاته لن يقف إلى جانبه ولن يكتفي بالتفرج والانتظار بل يقف ضده ويحاربه متهمًا إياه زورًا بما يجد فيه مبررًا لتقاعسه عن الحركة الإيجابية، ولركونه إلى الأمر الواقع وما فيه من بيروقراطية العيش والحياة.

وكان هذا سببًا إضافيًا في امتناع الكثيرين عن التفاعل الإيجابي الحر مع الثورة السورية خوفًا وهربًا من التغيير الجذري الذي ستفتح أبوابه في عموم المنطقة فيما لو انتصرت. فلا يقدر على دفع ضريبة الدم غير الذين يقدرون شرف الحياة. أما من يرتضون ذل الحياة فلن يكونوا يومًا روادًا للحرية والعزة والكرامة.

البعض الآخر لم يكتف بالهروب السلبي إلى الخلف؛ بل لجأ للهروب إلى الأمام فاتخذ موقف العداء للثورة والدفاع عن النظام بحجج واهية وأعذار بائسة شتى؛ كمثل رفض سقوط الدولة وانهيار الجيش والمؤسسات وسوى ذلك من الحيثيات اللا واقعية والتي كانت في الأصل والأساس من مطالب الثورة الشعبية. حيث أرادت ولا تزال، إعادة الدولة المختطفة إلى دورها الوطني السليم، كما استعادة الجيش العربي السوري من مغتصبيه ومشغليه في خدمة أغراضهم الدنيئة وأحقادهم الدفينة وارتباطاتهم المشبوهة.

ثالثًا: الأحزاب والنقابات.

كان من المفترض أن تلعب الأحزاب الوطنية دورًا هامًا في تحريك الشارع العربي وصولًا إلى تأييد عملاني متصاعد للشعب السوري؛ إلا أن ما أصابها من ترهل بفعل عوامل ذاتية خاصة بها، وأخرى عامة متصلة بمتغيرات العولمة وسطوة النظام الرأسمالي المتوحش المفترس وتداخلاته العميقة في كل الشؤون والمجالات؛ جعلها غير قادرة على الفعل الجماهيري حتى أن بعضها قد فقد أية صلة له بالجماهير الشعبية وصار مجرد أصوات إعلامية تعبر عن رؤية رموزها المتخشبة العاجزة عن التطور والتجديد ومواكبة الأحداث.

أما تلك الأحزاب التي استوعبتها أنظمة المال ورأس المال وأجهزة الأمن وقوى النفوذ الأجنبي فقد دخلت في عداد معوقات التجديد والتغيير والثورة والنهضة في كل أرض عربية. وغدت أدوات لقوى الثورة المضادة ضد التطلعات الشعبية الحرة؛ مهما رفعت من شعارات.

وما مصير النقابات الوطنية المحلية أو العربية العامة، إلا أصبح بأيدي أصحاب السلطة والسلاطين ففقدوا أية قدرة على التفاعل الإيجابي الحر مع الناس وآمالهم وتطلعاتهم بل باتوا وبالًا عليها وعبئًا.

رابعًا: الاستنزافات المحلية..

تغرق البلدان العربية بمئات المشاكل والتحديات والهموم المحلية التي تطال كل مقومات الحياة فيها وأركانها جميعا.. خلافات حدودية وصراعات فئوية ومحاور ذات خلفيات مصلحية اعتبارية؛ وتدخلات أجنبية في كل شأن تصل حد الهيمنة ومصادرة كل قرار أساسي أو سيادي؛ فساد كبير وهدر للطاقات، جميعها عوامل تستنزف طاقات اغلب الأقطار وتجعل اهتماماتها ذات طابع محلي – وطني، لا تبقي لها إمكانيات التصدي للمشكلات العربية العامة. وليس بين القادة من يطرح نفسه رمزًا عربيًا ليتصدى لحمل مسؤوليات عربية.

أما المواطن العربي فهو في العموم مستغرق في تأمين متطلبات الحياة وأساسياتها، منهك مقموع خائف على مستقبله ومصيره لا بل على وجوده ذاته؛ تعصف به أمواج الغزوات والحروب والاعتداءات المحلية والإقليمية والدولية، عدا عن غزو الإعلام وحروبه النفسية.. فأنى لهذا الإنسان المستهدف المنكوب المشلح، أن يكون في صف الثورة السورية ميدانيا!!!

لقد فرضت التدخلات الإقليمية والدولية في عمق الحياة العربية؛ مع ما رافقها من عوامل محلية سهلت لها وأتاحت الفرص الكبيرة للنجاح وفي طليعتها فشل الموقف النظامي في حماية البلاد ومشاركة الناس وقصور تصوراته الإستراتيجية وعجزها عن الرد والمواجهة – هذا إذا توفرت الإرادة لذلك -، فرضت مئات القضايا المحلية واليومية التفصيلية على الإنسان العربي مما يحد من قدرته على التفاعل الحر الإيجابي مع قضايا المصير العربي. وتأتي الثورة السورية في طليعتها.  أما الإعلام العربي فليس إلا امتدادًا للإعلام العالمي وصورة مشوهة عنه.

خامسًا: خلاصة.

لم يتوقف التأييد العربي للشعب السوري وثورته. مظاهره كثيرة من أول التعاطف الروحي والمعنوي والتأييد العاطفي الشعوري مرورًا بكل أنواع الدعم والمشاركة والتضامن الإيجابي العيني والمادي والاجتماعي، ولكنها الحرب على العروبة وفي مقدمتها عروبة سورية والمشرق ومجتمعات الطوق العربية، التي تستهدف ترسيخ صورة الانتماء السلبي إلى العروبة لنسف مقوماتها العملانية كهوية ورابطة وجودية تترجم وحدة المصير العربي.

إن ضغوطًا كبيرة تمارس لزرع فكرة التخلي العربي عن الشعب السوري وصولًا إلى تخليه هو ذاته عن العروبة وهو أحد أهم أهداف الحرب المضادة على الشعب السوري.. فما أن تنتفي العروبة ويتخلى الشعب السوري عن قناعته بها؛ تسقط سورية كوطن ويبرر للتقسيم العرقي والمذهبي والمناطقي. تمامًا كما حصل مع الشعب الفلسطيني حيث نظمت حروب إعلامية وثقافية وتسويقية ضخمة لزرع فكرة تخلي العرب عنه، لا بل تواطؤ العرب عليه.. دون تمييز بين عربي رسمي أو شعبي. وهو ما يعاني منه كثير من الفلسطينيين حتى الآن.

سادسًا: ما العمل.

المدخل الحقيقي السليم لتنشيط الدعم العربي للثورة السورية؛ وتحديدًا التأييد الشعبي ليصبح أكثر وضوحًا وفعالية وديناميكية؛ يتمثل في تنظيم صفوف القوى الشعبية المتمسكة بأهداف الثورة ولا تزال تضحي وتقدم أثمانًا غالية في سبيلها، وهي كثيرة ومتوزعة في طول سورية وعرضها وفي خارجها أيضًا ..هذه القوى، سواء كانت أفرادًا أو ناشطين أو جمعيات أو منتديات أو تشكيلات وطنية وإغاثية وثقافية وحقوقية ومدنية؛ هي التي تمثل الثورة السورية وتشكل جسمها الأساسي الذي يحتاج إلى عقل يخطط وينسق ويدبر ويوجه ويقود؛ فيما القلب ما يزال ينبض بالثورة ويضخ دماء غزيرة في الجسد المختطف المطعون.

مطلوب من جميع التشكيلات الوطنية على تنوعها وتعددها واختلافها تشكيل جبهة وطنية واحدة تقول أنا الثورة والثورة أنا؛ تعبر عنها وتقودها.. ترسم لها ملامحها المستقبلية وآفاقها الممكنة وتستثمر طاقات الضخ الثورية في برامج عمل مرحلية متصاعدة.. وتكون معيارًا لتأييد الثورة والوقوف مع الشعب السوري؛ وتستعيد مؤسسات الثورة من مختطفيها المأجورين. وما لم يحصل هذا في أقرب وقت ستبقى لعبة المتاجرة والمساومة على ظهر الثورة ونهجها؛ وسيبقى الانتهازيون واجهة يقدمون للناس على أنهم الثورة وما أسوأهم من واجهة وممثلين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى