قراءة في رواية: الدالية

أحمد العربي

رعد الرحبي روائي سوري متميز. رواية.. الدالية الصادرة عن دار نرد للنشر والتوزيع هي أول عمل أدبي أقرأه له.

تكاد تكون رواية الدالية أقرب لسيرة ذاتية لبلدة الدالية المتواجدة على ضفاف الفرات وهي كذلك أقرب للسيرة الذاتية لمراد الشخصية المركزية في الرواية.

يبدأ السرد الروائي على لسان الراوي منذ ما بعد عام ١٨٥٠م. متحدثا عن قرية الدالية وأهلها حيث تقع القرية على ضفة الفرات. يعمل أهلها في الزراعة وتربية المواشي. يشتهرون بزراعة الأشجار المثمرة وخاصة الكرمة “العنب” المتميز فيها بجودته العالية. كما يعتمد أهلها لسقاية أراضيهم على نضح المياه من نهر الفرات الذي يسكنون جواره عن طريق آلة اسموها “الغراف” تعتمد على جهد حيوان يدور بشكل مستمر ليستخرج المياه إلى الأرض المجاورة للنهر ليستفيد منه بالسقاية…

الدالية قرية عريقة تعود الى الآلاف قبل الميلاد اكتشف فيها الكثير من الآثار بما فيهم ألواح تحمل اللغة المسمارية مدون عليها قوانين حمورابي المعتبرة أول قوانين تضبط حقوق الناس مدونة في التاريخ.

قرية الدالية في ذلك التاريخ تابعة للسلطنة العثمانية. وهي تابعة لولاية الفرات. تواجد بها طفلان عبد القادر ومراد  هم اولاد عم. اباؤهم من وجوه القرية. وهما يتميزان بالعقل الراجح والوعي. تعلموا القراءة والكتابة وحفظ القرآن على يد شيخ القرية. كانا يقضيان اوقات لعبهما ورعاية غنم أهلهما بجوار الغراف الذي يستخرج المياه من الفرات للسقاية. ومن متابعتهم الدائمة للغراف وطريقة عمله. فكروا بطريقة أكثر جدوى وفائدة ووصلا الى فكرة الناعورة المعتمدة على نضح المياه وتحويلها إلى اليابسة معتمدة على قوة جريان النهر. وهي أقرب لفكرة نواعير حماة. واخبروا اهلهم وعملوا بشكل دؤوب ليصنعوا ناعورة صغيرة لاقناعهم. ومن ثم شجعوهم لصناعة اكثر من ناعورة تنضح المياه بشكل دائم أدت الى زيادة المياه وقلة التكاليف وزيادة المزروعات والانتاج.

كان مراد وعبد القادر نابهين الى درجة جعلتهم يطلبون من اهلهم ان يرسلوا عبد القادر للتعلم في ولاية الفرات في مدارسها المقسمة الى ابتدائي واعدادي وثانوي. وهكذا ذهب عبد القادر وتفوق ولفت نظر معلميه. بحيث دفعه مع مراد لاقناع الاهل بإرسال أبناء آخرين بالقرية للتعلم في المدرسة في ولاية الفرات. وكانت الدولة العثمانية تقدم كل المساعدة المطلوبة. من إقامة للطلاب وتأمين تكاليف معيشتهم مع مصاريف شخصية لهم.

استمر الحال هكذا إلى أن غرق عبد القادر في الفرات وتحول اهتمام مراد ان يكون وفيا لصديقه وسعى مع أهل القرية ومعهم المسؤولين في الولاية وادارة التعليم الى بناء مدرسة وجامع ومبنى حكومي لدوائر الدولة وتخطيط وتنمية عمرانية للقرية. وسعى مراد كذلك أن يتواصل مع التجار لتسويق منتوجات القرية.

 وهكذا بدأت القرية تدخل في ازدهار على كل المستويات ليتم تحويلها من قرية الى ناحية رسميا.

مراد يرعى غنم العائلة وهو العقل المحرك لأغلب التطورات على حياة الدالية، صديقه الكتاب كل الوقت مسكون بحلم ان يدخل في الجيش العثماني. تقدم بطلب للالتحاق بالجيش العثماني. وخضع للاختبار ونجح بتفوق. انتقل الى اسطنبول وهناك خضع الى دورة  لستة أشهر تفوق. تخصص في المحاسبة التي تفوق بها مما ادى لان يحوّل و يكون محاسبا في قصر السلطان عبد العزيز الأول. وهناك كسب ثقة السلطان والمسؤولين وصار واحدا من لجنة محاسبة السلطنة. وتمر الايام ويحصل على فيلا كبيرة هدية من السلطان عندما أخبره بنيته الزواج. وتعرف على طبيبة من البوسنة كانت تعيش مع جدتها، البوسنة التي كانت تابعة للسلطنة، وبعد تعارف وحصول ود متبادل تزوجا. وعاش حياة هانئة مع زوجته التي أنجبت له ثلاثة أبناء الاول اسماه على اسم والده وثم ابنة اسماها على اسم امه والثالث طفل اسماه على اسم صديقه عبد القادر.

لقد كان التواصل مع أهل مراد في الدالية معدوم بداية ثم أصبح يحصل عن طريق البريد العسكري. ثم أصبح يحصل بشكل عادي بتوالي السنين والتطور . وهكذا عاد يتعرف على أوضاع أهله وبلده.

تمر السنين ويكبر الأولاد ويعلم مراد بوفاة والدته بعد سنوات على مغادرته ثم وفاة والده. وهكذا بمرور السنين يتوفى اغلب كبار العائلة والبلدة . هي سنة الحياة.

يكبر اولاد مراد ويذهب بصحبتهم مع زوجته وجدتها الى البوسنة لزيارة عائلة زوجته. حيث يستقبلونهم بترحاب ومودة ويعيش بينهم فترة ، ثم يعود وعائلته الى اسطنبول حيث يتابع هو عمله مع السلطنة التي يتغير فيها السلاطين وهو في عمله مستمر حتى عصر السلطان عبد الحميد الثاني. ويكبر الأولاد ويدخلون الجامعة تباعا. الأول تخرج طبيبا ويتخصص في القلب. والثانية تدرس العمارة والثالث يتابع دراسته الجامعية ليعمل مدرسا  للطب.

مضى اكثر من اربعين عاما على مغادرة مراد بلدته الدالية وها هو في عمر الستين وخرج الى التقاعد حوالي عام ١٩١٠م. وحنّ الى بلدته الدالية والى ما تبقى ممن يعرفونه ويعرفهم. لذلك قرر أن يسافر بصحبة ابنه الاكبر الى الدالية ليطل على أحوالهم ويزور قبور والدته ووالده . كان الأمر ممكنا فما كان يتطلب اشهرا للانتقال من الدالية الى اسطنبول مع المشقة صار يحصل بوقت أقل وبسهولة نسبية. ذهب إلى الدالية بصحبة ابنه. وهناك وجدها قد كبرت وتوسعت وأصبحت أقرب الى مدينة. وبنيت فيها مدارس ابتدائية واعدادية. وسعى بعد وصوله أن يتم بناء مدرسة ثانوية فيها. التقى بمن بقي من مجايليه وتفاعل معهم وقام بواجب التوجيه والنصح والدعم المادي. وقبل انتهاء زيارته قدم منحة دراسية على حسابه لعشرين من أبناء بلدته لمتابعة دراستهم كاملة…

عادل مراد الى اسطنبول وهو راض عن نفسه ودوره في الحياة.

هنا تنتهي الرواية.

في التعقيب عليها اقول:

اننا امام رواية تسجيلية تفصيلية جدا. تكاد تكون مدرسية تربوية. وهذا يعتبر ميزة لها.

كما أن الرواية تتحدث عن قرية الدالية تأريخا لنصف القرن التاسع عشر والتغيرات التي حصلت عليها وتحولها من قرية صغيرة الى مدينة كبيرة وتزايد سكانها وتحسين أعمالها وإنتاجها الزراعي و الماشية. وتخريج الأعداد الكثيرة من ابنائها في الفروع العلمية المتنوعة.

الرواية تنتصر للعلم والبحث الدؤوب عن الأفضل والطموح الذي لا يمنعه إلا التكاسل وعدم الثقة بالنفس.

تنتصر الرواية الى قيم الترابط الاجتماعي والتكافل والتعاضد العائلي وان اي عمل جماعي مخلص و مدروس وعلمي ينتهي الى النجاح دوما…

الرواية ممتلئة لذلك تتطلب قراءتها .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “الدالية” للروائي السوري “رعد الرحبي” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الرواية أقرب لسيرة ذاتية لبلدة الدالية المتواجدة على ضفاف الفرات وهي كذلك أقرب للسيرة الذاتية لمراد الشخصية المركزية في الرواية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى