
ثمة حالة واضحة من الصمت الأميركي السابق على ما كانت ما تفعله إيران في المنطقة العربية، وذلك منذ عقود عديدة، حيث تمارس في المنطقة العربية والإقليم دور (الفزاعة الإيرانية) التي تهدد أمن الخليج العربي، وكذلك الدول العربية المحيطة، حتى باتت عبر أطماعها واستحضارها للتاريخ، أخطبوطًا مخيفًا يبتز الغرب عبرها ومن خلال تحركاتها المتروكة والمسكوت عنها، كل الدول العربية التي تريد أمنًا وأمانًا وبقاء لسلطاتها.
كما كانت إيران تعبث في الواقع العربي أيما عبث، وهي الدولة الضرورية (كما يبدو) كوجود عسكري يتمدد ويهيمن على أربع عواصم عربية، ناهيك عن الأحواز العربية، حتى باتت إيران تخيف الجميع بلا استثناء، وأحيانًا أكثر من الخوف الموجود أصلًا عبر خطر المشروع الصهيوني السرطاني في المنطقة العربية برمتها.
لكن إيران اليوم وعندما تجاوزت الخطوط الحمر المرسومة لها، وحاولت أن تبني لنفسها امبراطورية فارسية تطال بأطماعها المنطقة، وقد تهدد إسرائيل والكيان الصهيوني، عبر صراع المصالح المتحرك، سرعان ما تحركت على عجل واستوقفتها الاستراتيجيات الأميركية والغربية، لمنع هذه التجاوزات ومن ثم المبادرة إلى ضربها والإجهاز بالضرورة على المفاعل النووي الإيراني، المتوقع امتلاك القدرة بعد حين على إنتاج القنبلة النووية المفترضة، حيث يُمنع قيامه في المنطقة العربية والشرق الأوسط لغير إسرائيل، وهي التي يعتبرونها المؤتمنة الوحيدة على مشاريع الغرب والأميركان في الشرق الأوسط، وليس سواها من الدول الاقليمية.
لقد اتكأت إسرائيل على ما جرى في 7 تشرين أول/ أكتوبر عام 2023أي حالة (طوفان الأقصى) فدمرت جل المقاومة في قطاع غزة والضفة الغربية، وقتلت ما يقرب من 60 ألف فلسطيني في القطاع، ومازالت تعيث فسادًا وإبادة وقتلًا في الديمغرافيا الفلسطينية المناقضة بالضرورة لهيمنتها واحتلالها، ثم ثنَّت ذلك بالقضاء على (حزب الله) وقياداته في لبنان، ثم بعدها انهار نظام المقتلة الأسدية متأثرًا بما آلت الأمور في المنطقة الشرق أوسطية ، وفائض القوة المهيمن على الجميع، واللجم لتحركاتهم، وعجز المليشيا الإيرانية واللبنانية والعراقية التي استقدمتها إيران إلى سورية عن حماية بشار الأسد، وكذلك قدرة وتصميم الشعب السوري على متابعة كفاحه ضد الطغيان الأسدي، فتم كنس الوجود الاحتلالي الإيراني من كل الجغرافيا السورية، ضمن سياسات وموافقات وتفاهمات دولية وإقليمية، بإنهاء وجود إيران في سورية، وبالفعل تم تقويض كل الوجود الإيراني في المنطقة العربية، وقطع الطريق على المشروع الإيراني وتمدداته، الذي بدأ من طهران، وقد لا ينتهي على طريق بغداد دمشق بيروت .
كل هذه التغيرات الدراماتيكية في المنطقة العربية والشرق أوسطية، ساهمت في تضخم وانتفاخ الدور الإسرائيلي، والعسكريتاريا الاسرائيلية المتطورة، المتكئة بكل وضوح على تقانة الأميركان وتطورهم العسكري، وتحجيم القوة الإيرانية، التي لم يعد لها أي لزوم أميركيًا حيث أدى إلى ما أدى إليه من انهيارات كبرى، حتى داخل جغرافية إيران السياسية، فظهرت إيران عاجزة عن مواجهة إسرائيل عسكريًا وتقنيًا، ومعها أميركا، كداعم كبير لها، وصولًا إلى التدخل الأميركي المباشر في الحالة الإيرانية لاجتثاث ذاك النووي من مواقعه الثلاثة.
صحيح أن العرب وليس السوريين فقط، كانوا سعداء وهم يتابعون صراع الثيران بين (تل أبيب) و (طهران) إلا أن ما يجب قوله وإدراكه كذلك بكل صراحة ووضوح وموضوعية، أن (العصر الإسرائيلي) بات على الأبواب، وأن تضخم فائض القوة لدى إسرائيل، وحجم الدعم اللامحدود للكيان الصهيوني أميركياً يشي بأن رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط باتت واقعًا ملموسًا، وأصبحت نظرية أو فكرة (إسرائيل العظمى) واقعًا جديًا وقريبًا جدًا، وهو الذي سوف سيؤدي مع الأيام إلى كثير من حالات النكوص والانحدار والفوات العربي وقد تكون بعض الهرولة بعد حين إلى كسب ود الإسرائيليين، ومعهم الأميركان من أجل حماية النظام الرسمي العربي، والاحتماء بالدولة العظمى المفترضة، لتكون هناك بوادر جديدة لعصر إسرائيلي قادم، وقريب جدًا من التحقق، وسوف يشكل ذلك عاجلًا أم آجلاً، وعينا ذلك أم لم نعيه، خطرًا محدقًا وكبيرًا، ليس على القضية المركزية للعرب قضية فلسطين فحسب، بل على مجمل قضايا العرب، وكل أقطار الوطن العربي الكبير، الذي لا يملك أي مشروع جدي وحقيقي ومتوازن، في مواجهة هذا الخطر الإسرائيلي الماثل أمام الجميع، وهو الذي لم يمتلك بالأصل مثل هذا المشروع في مواجهة الخطر الإيراني في سنوات وعقود الهيمنة و(الفزاعة الإيرانية) في المنطقة العربية وعليها.
لا يوجد اليوم أدنى شك من أن نهارات وحيوات العرب، لن تكون سهلة أو سلسة أو مريحة، في ظل تصاعد امتدادات الهيمنة والعربدة الإسرائيلية، وهي بالضرورة ستعيش أصعب أيامها في ظل وجود حكومات إسرائيلية متطرفة ذات طابع صهيوني بزعامة (بنيامين نتنياهو) الغارق مع فريقه في حقده وعدوانه على العرب والمسلمين كافة، في وقت لاوجود فيه لأي دولة أو كيان إقليمي أو عالمي يمكن أن يوقفه عند حده حيث يتابع حرب الإبادة ضد أهلنا في فلسطين، ويتطاول على كل دول المنطقة، وسط صمت عربي غريب ومريب، وفرجة إسلامية عالمية غير مفهومة ولا تفسير لها أبدًا.
قد يرتاح العرب جراء ما يجري اليوم في المنطقة في حرب إيران وإسرائيل لفترة زمنية ما، وتبتعد عنهم تعديات المشروع الإيراني السابقة، بعد أن ضعفت إيران وانهارت قواها وقوتها وأدواتها العسكرية الداخلية والخارجية، وقد تتوقف إيران لفترة ما، مرغمة فيها وليست مقتنعة، عن التدخل في حيثيات ومسارات وأوضاع المنطقة العربية، وخاصة بلاد الشام والخليج العربي، لكن الجميع أي جميع العرب والمنطقة معه، لن يكونوا في حالة ارتياح أو استقرار، في ظل انتشار وسيادة العصر الإسرائيلي الصهيوني القادم على عجل، حتى يستيقظ العالم العربي من رقاد طال أمده، إذ لابد من أن يستيقظ كل العرب ويعيدوا بناء مشروعهم الملح الآن، لتكون لهم استراتيجياتهم وحيواتهم، بعيدًا عن سياسات التابعية أو الهيمنة الإسرائيلية، والعصر الإسرائيلي المقبل، وسط حالة من الضعف والهوان العربي غير مسبوقة.
المصدر: مجلة الوعي السوري