عن مكتبة الأسرة العربية في اسطنبول صدر كتاب قصة نجاح “ارهى حمدناكا” – من أدغال الثورة في افريقيا الى قبة البرلمان السويدي. للكاتب عمر زراي.
تبدأ القصة من طفولة “ارهى حمدناكا” في إحدى قرى إرتريا وذلك في خمسينيات القرن الماضي. حيث كانت ارتريا تحت حكم الاستعمار الإثيوبي. حمدناكا والد ارهى كان يعمل في شركة ايطالية لم يستطع التدرج بها صعودا لعدم تعلمه. يدرك أن أفضل طريقة لتحسين حياة ابنه ارهى هو أن يدفعه نحو التعلم في المدارس مهما كانت الصعوبات.
وهكذا دفعه للذهاب الى المدرسة المتوفرة في قريته وتعلم باحدى اللغات الارترية المتعددة حسب المقاطعات. وبعد ذلك نقله الى مدرسة اخرى في تعلم فيها من خلال لغة اريترية أخرى. ثم ادخله احدى مدارس الجاليات الايطالية وتعلم فيها اللغة الايطالية…
كبر ارهى وكبر معه وعيه لواقع الاحتلال الإثيوبي لبلاده ومع بداية نضجه بدأ يدخل في نفسه التفكير بأن يلتحق باحدى الجبهتين اللتين تناضلان ضد الاستعمار الاثيوبي. وأصبح قريبا من الثوار رغم صغر سنه. واصبح يقوم بادوار تناسب سنّه. ومع مضي الزمن علمت اجهزة المستعمر الامنية بانتماء ارهى للثوار فاعتقلوه لفترة صغيرة. لاقى بها التعذيب وعندما خرج عاد لنشاطه مع الثوار. وحاول المستعمر اعتقاله مرة اخرى فهرب واعتقل والده مكانه وتلقى التعذيب الشديد حتى يسلم ارهى نفسه لكن ارهى كان قد اتصل بالثوار وأخبرهم عن حاله. ونقلوه عبر المسير لثلاث ايام في مقاطعات ارتريا، يتم تسلمه من رسول إلى آخر حتى وصل الى مناطق تواجد معسكرات الثوار. وهناك استفادوا من خبراته وعلمه بالعمل في الأمور المحاسبية والمكتبية. ثم وبعد فترة انتقل مع كوادر من الثوار الى السودان التي كانت مناصرة للثورة وتدعمها في مطالبها وعلى كل المستويات. وهناك كان لا بد له أن يتعلم اللغة العربية. وقام بذات الدور مع الثوار في الأعمال المكتبية والمحاسبية. ثم تم نقله إلى مدينة جدة في السعودية حتى يقوم بذات الدور لصالح الثوار. وبعد فترة من الزمن حصلت متغيرات في جدة جعلته بحاجة للخروج منها. فلجأ إلى أحد أصدقائه من الأوروبيين ممن تعرّف عليهم ضمن مناشط الثورة. وساعده للانتقال إلى فرنسا. ومن هناك انتقل إلى هولندا ثم السويد وهناك استقر…
حصلت متغيرات في الثورة الارترية بحيث انحلت الجبهة التي انتمى إليها ارهى. وسيطر على واقع الثورة جبهة أخرى كانت نموذجا استبداديا وامنيا وتعامل الشعب مثل المستعمر.
لذلك بدأ ارهى يفكر كيف يطور نفسه ومعارفه وعلومه ليخدم قضية شعبه حتى وهو خارج بلاده. كان قد التقى بفتاة ستكون زوجته. واحبا بعضهما وتزوجا. وانجبا الاولاد. وعندما استقر في السويد بعث إلى زوجته واحضرها هي ايضا الى السويد وبدأ حياة جديدة هناك…
عندما استقر ارهى وعائلته في السويد أخبر المسؤولين عنه في مكتب اللجوء. إنه يود أن يعمل هو وزوجته. وأنه لا يريد أن يكون عالة على دولة السويد المضيفة. وأنه يريد متابعة تعلمه الدراسي. وكان أهم خطوة قام بها وهي تعلمه اللغة السويدية. التي اتقنها بالتواصل مع الآخرين. حيث عمل في النظافة في مترو في ستوكهولم واستمر بالتواصل مع الآخرين. والتفاعل معهم. كذلك بدأ رحلة التعلم بحيث دخل العديد من الدورات التي زادت خبراته ومهاراته. ولم يدخل الجامعة لأنها تحتاج التكاليف التي لا يملكها وكذلك التفرغ الغير ممكن. وهو يعمل نصف وقت مع زوجته ليستطيع العيش. وهكذا تدرج ليصبح له حضوره في نشاطات البلدية. ومن ثم بدأ يلفت إليه النظر من خلال نشاطه بين أوساط الشباب وخاصة المهاجرين. وكان لقتل احدى الفتيات من المهاجرين على يد اهلها لانها تزوجت من خارجهم. منعكس عليه فقرر أن ينشئ منظمة تحمي الفتيات وتقوم بالتوعية في أوساط المهاجرين.
كما كان معجبا بادولف بالما رئيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي كان متضامنا مع الفلسطينيين وكان نموذجا انسانيا. وبدأ ارهى يكبر داخل الحزب بأدواره في أوساط المهاجرين. مما لفت نظر الدولة والمنظمات المدنية اليه. وبدؤوا بالتعاون معه والاستفادة من خبراته ودوره بأوساط الشباب المهاجرين. وهكذا كبرت منظمته وتوسعت ووجدت الدعم من الدولة التي بدأت تعطيه حقه من الحضور وتظهره في وسائل الاعلام والتلفزيون. حتى وصل الى وقت جعله أحد الوزراء من الحزب الديمقراطي الاشتراكي مستشارا له. ومن بعد ذلك طلبوا منه ان يقوم باجراء محاضرات في احدى الجامعات تطال موضوع المهاجرين وظروفهم الحياتية. استمر ذلك لسنوات. وزادت شعبيته وحضوره. ولم يكن قد مضى عليه أقل من عقدين من الزمان في السويد. حتى جاء من طرح عليه أن يرشح نفسه للبرلمان السويدي عن حزبهم وفي مدينة استكهولم التي يسكن فيها. كان ذلك مفاجئا له وفوق توقعاته. لكن المحيطين به شجعوه. وخاض الانتخابات ونجح في دورة عام ٢٠١٠م. حيث تابع أدواره التي بدأها في أوساط الشباب وفي المنظمة التي أسسها من داخل البرلمان. وأعاد ترشحه لانتخابات عام ٢٠١٤م مرة اخرى ونجح بها واستمر في البرلمان حتى عام ٢٠١٨م. حيث نهاية الولاية البرلمانية…
لم ينقطع دور ارهى تجاه وطنه الأم إريتريا حيث استمر يتابع تطورات أحوالها. واستقلالها عن اثيوبيا. موقفه المعادي من الجبهة التي استلمت الحكم. وأصبحت استبدادية تذيق الناس ويلات ظلم تشابه ما عاشوه أيام المستعمر. وبقي يدافع عن حقوق الاريتريين في المحافل الدولية حيث وصل ليكون عضوا في إحدى المؤسسات الدولية ممثلا مع آخرين دولة السويد.
كما لم ينقطع عن متابعة واقع القرن الأفريقي وخاصة الصومال التي احتضنه أبناءها من اللاجئين قبله الى السويد. و استمر يتواصل مع إحدى الدول الصومالية. وذهب الى هناك وقام بادوار انسانية مطلوبة لأهلها وشعبها…
وهكذا وبعد عمر أمضاه ارهى راكضا وراء حلم صناعة حياة ناجحة ممتلئة بالإنجازات منذ طفولته حتى دخل في عقده السادس من العمر بدأ يتفرغ لأسرته. وبدأ يجهز ابنته لتقوم بمتابعة مسار ابيها في النشاط السياسي وخدمة القضايا العادلة والانسانية المتعلقة بالمرأة والهجرة في السويد التي أصبحت وطنا بديلا لارهى و موطنا اصليا لابنته التي ولدت هناك واكتسبت الحنسية واصبحت مواطنة سويدية اصيلة…
في التعقيب على قصة نجاح ارهى حمدناكا أقول ان الانسان عندما يحمل في داخله العزيمة والإصرار ويعمل لتحقيق الأفضل له ولمجتمعه. ويستمر في ذلك فإنه يحصل على نتائج باهرة جدا. فمن طفل تائه في بلد إفريقي مستَعمر. فقير ومغمور. يندفع بكل طاقته. يتحدى الظروف ويصر على التعلم ويلتحق بثورة بلده وهو طفل، وينتقل من بلد الى آخر، يحمل جمرة الثورة واصرار ان ينجح لتنجح قضيته. وعندما وصل إلى السويد صنع من نفسه نموذجا انسانيا. وكان يجد القضايا التي ينتصر من خلالها لانسانية الانسان و يكون بطلا كل الوقت…
كذلك أن قصة النجاح هذه هي قصة نجاح دولة السويد الديمقراطية العريقة التي صنعت نفسها عبر ماض لم يكن مقبولا لاهلها. لكنها غيرته، فأصبحت نموذجا للدولة الديمقراطية العادلة. التي تجعل شعبها وحتى اللاجئين إليها يعيشون في مستوى حياتي مقبول مع فتح الآفاق لكل مجدّ مجتهد ليصعد في السلم الاجتماعي والسياسي في بلد استوعب الافريقي اللاجئ وجعله في برلمانه منتخبا عن الشعب. ثم في منتدى دوليا ممثلا عن دولة السويد…
هل هناك مجد أعظم من هذا المجد..؟.
هكذا تنتصر الدول عندما تحترم انسانها وتعطيه حقه من الحرية والعدالة والكرامة الانسانية والديمقراطية وفرص العيش الأفضل وإمكانية التقدم على كل المستويات…
نعم يستحق كل ذلك؛ الإنسان: المخلوق الأكرم عند رب العالمين .
قراءة في “قصة نجاح: ارهى حمدناكا “من أدغال الثورة في افريقيا الى قبة البرلمان السويدي” للروائي الأرتيري “عمر زراري” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي للكاتب “احمد العربي” الرواية تتحدث عن “ارهى حمدناكا” الذي ولد في إحدى قرى إرتريا في خمسينيات القرن الماضي ومسيرة حياته تحت الإحتلال الأثيوبي لأرتيريا ومرحلة التحرير.