قراءة في كتاب: العصبيات وآفاتها – ٢ من ٢ هدر الأوطان واستلاب الإنسان

أحمد العربي

نتابع قراءة كتاب العصبيات وآفاتها – هدر الأوطان و استلاب الإنسان. ل د مصطفى حجازي. ٢ من ٢…

سادسا: الاستبداد الهدر والاستلاب

يتوسع د. حجازي في الحديث عن الاستبداد بصفته منظومة اجتماعية تبدأ من العائلة واستبداد الاب والاخ الاكبر والام على بناتها، والمعلم والمدير والسلطة السياسية المستبدة الغير ديمقراطية، بحيث تستلب إنسانية الإنسان فردا أو جماعة، وتشيئه وتحوله الى مجرد اداة في منظومة المستبد، أو بعضا من خططه ومراميه.

وعند التحدث عن الاستبداد السلطوي فنحن نتعرف على حقيقة استبداد السلطات العربية بكل تنوعات الحكم بها، هذه السلطات التي استباحت البلاد والعباد لتحقيق مصالح فئة قليلة من اهل الحكم، وذلك عبر تقاسم مغانم البلاد و إستلاب خيراتها لمصالحهم وعبر استغلال البلاد والناس على كل المستويات، وكيف تتحالف الدول المستبدة مع المستعمر السابق او الدول المهيمنة عالميا، سواء لتصريف موارد البلاد لها، كالبترول مثلا، او لتحمي كراسيها وعروشها، خوفا من الصراعات البينية بينها، او من ثورات الشعوب، كما حصل في الربيع العربي، وكيف ساعد الغرب والصهاينة سلطات دول الربيع العربي لإسقاطه و عودة المستبدين للحكم، أو دفع البلاد لحروب أهلية و خراب مستدام.

كما أن هناك نماذج مستحدثة عن الاستبداد المغطى بحداثة ديمقراطية مُدعاة. مثل الأحزاب السياسية اوالبرلمانات والانتخابات والمجالس المحلية… الخ. لكنها كلها وهمية ومزيفة، ترعاها السلطات المستبدة وادواتها الامنية وتنتهي بوصول ذات الفئة المستبدة الى مواقع السلطة والفعل في البلاد واستمرار نهب البلاد وهدر حياة العباد. سورية والعراق ومصر نماذج سابقة ومستمرة للآن على ذلك.

سابعا: العصبيات والاستبداد وسؤال المواطنة.

ينتقل د. حجازي للتحدث عن بدائل للانتماء إلى العصبيات، انها المواطنة، انتقال الإنسان العربي، من أن يكون فرد من اي عصبية قبلية او طائفية او اجتماعية، او ضحية دولة مستبدة تعامله على انه جزء من قطيع دولتها التي تستثمره على طول الخط، ليكون مواطنا من دولة المواطنة الديمقراطية.

بهذا الشكل تكون المواطنة جزء من الانتماء للوطن وللشعب المتساوي بالحقوق والواجبات وأمام القانون، وعبر الدستور، الذي يحكم ديمقراطيا عبر انتخابات حرة، وان يكون هناك برلمانا منتخبا، وحكومة أغلبية ورئيس منتخب لفترات محددة، وأن يكون هناك قضاء مستقل وعادل، وصحافة حرة ناقدة… كل ذلك مطالب المواطنة التي تعني كل انسان كفرد ومصلحته المباشرة، وتعني كل الناس بصفتهم مواطنين احرار متساوين في دولتهم الديمقراطية.

ثامنا: نموذجان في التحول الحضاري.

ينهي د.حجازي كتابه بطرح نموذجين صنعا الحياة الافضل على مستوى العالم، للعبرة والتعلم.

١. النموذج الغربي الأوروبي الذي بدأ مشروعه الحضاري الذي صنع من نفسه النموذج الأنجح والذي يقود العالم الآن. لقد اعتمد الغرب على اركان اساسية أدت الى بناء تقدمه وحياته الافضل. كان أولها الثورة العلمية التي بدأت مع اكتشافات فرانسيس بيكون و تتوجت بجاذبية نيوتن، والتي أدت -لاحقا- لفهم علمي للكون والطبيعة والحياة، والتي ساعدت على اعادة استثمار الطبيعة وادت للثورة الصناعية، و اطاحت بالحكم الاقطاعي و سيطرة الكنيسة وفهمها للحياة، وانتصر التفكير العلمي و حصلت الثورات الفكرية على كل المستويات وبنيت الجامعات وظهر المفكرين والعلماء والمبدعين على كل المستويات، بحيث أعادوا بناء الحياة وصنعوا التقدم الذي سخر لهم الطبيعة و جعلهم يبنون حياة الرخاء والوفرة والسعادة أيضا. كل ذلك اقترن مع تحجيم للكنيسة ووصلت عبر ثورة البروتستانتية والتجديد الديني لإبعاد هيمنة البابا والكنيسة، والوصول الى العلمانية كفصل بين السلطة الدينية والدولة، وبدأت بإنتاج المجتمع المدني عمال و ارباب عمل ومهن اخرى متنوعة، وظهرت بوادر الفكر الليبرالي العلمي، وفُرضت الديمقراطية كنموذج للحكم وبناء السياسة كخدمة لمجموع الناس.

٢. النموذج الياباني الذي صنع مجده ودولته المتقدمة سواء ما قبل الحرب العالمية الثانية او بعدها، عبر نموذج العمل الجماعي و الإيمان بالعلم وقيم العمل والانتماء للأمة اليابانية والمواظبة والعمل وخلق تطور علمي هائل في فترة قياسية، وبناء جيل متعلم ومنتج ومواظب جعل من بناء اليابان بعد الحرب العالمية الثانية حيث خرجت مهزومة امام امريكا، ومن تحت أنقاض قنبلتين ذريتين، خرجت اليابان كعملاق صنع ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد امريكا، عبر عقود قليلة في بلاد مواردها قليلة، صنعت مجدها المستمر للآن.

٠ ينتهي الكتاب في استلهام د. حجازي نموذجا الغرب واليابان لبناء التقدم العربي.

في تحليلنا للكتاب نقول:

نحن أمام استمرار عظيم في مشروع د. مصطفى حجازي التنويري في مجاله علم النفس الاجتماعي الذي يطال الإنسان العربي والمجتمع العربي. وتظهر أهمية الكتاب بسبب معاصرته الربيع العربي وتداعياته، فهو كتاب ابن اللحظة، حيث ينتصر الكاتب والكتاب لمطالب الربيع العربي، ويعتبر ان ما حصل هو انتصار لطاقات الحياة التي لاتموت تحت ضغط العصبيات بانواعها، او تهدر بتأثير الاستبداد والقمع ودوامه، ولكنها تنتظر الفرصة السانحة لتخرج طاقة الحياة والحق بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والبحث عن الحياة الافضل، لقد ظهر الربيع العربي انتصارا لهذه الحقوق في مواجهة الاستبداد الذي هيمن على كل شيء، حيث استفاد الشعب العربي وشبابه من وسائل التواصل الاجتماعي لصنع ثورته ولتنتصر، والاهم ان مفكرنا يفهم الردة على الثورات العربية، و أنها ستواجه مجددا بثوارات متتالية على شكل موجات، فالحقوق ستؤخذ كاملة ولو بعد حين.

الكتاب طرح بتوسع واقع الربيع الليبي وتحدث عن العراق، كشف واقع لبنان بدقّه، لكنه سكت عن الحالة السورية كنموذج للعصبيات وهدر الإنسان، والثورة السورية النموذج، وكيفية هدرها ووئدها، ليس عن جهل لكن عن تقية برأيي، فهو الادرى بواقع سورية ولبنان وهو ابن لبنان.

 سوريا التي انتصرت الدولة الاستبدادية فيها عبر صناعة العصبية الطائفية العلوية السياسية متلبسة البعث كحزب ، وتغلغلت في بنية الدولة عبر الجيش والأمن وكذلك كل مفاصل الدولة، و التي هدرت سوريا وقتلت شعبها، واستعانت بالمستعمر الايراني والروسي لقتل الشعب وتشريده وتدمير سورية، و ما لجوء بعض الشباب السوري الى الاصولية الاسلامية الى رد على اصولية النظام الطائفية والاستبدادية القاتلة، وان كان تطرف بعض السوريين والعراقيين وغيرهم من العرب ليكونوا جزء من القاعدة وداعش والنصرة إلا مزيدا من الضياع في هذه العصبيات التي تبادلت مع النظام المستبد، هدر البلاد والعباد وانتقال سورية لتكون دولة مجزأة ومحتلة ومسكونة في حرب اهلية مستدامة، تنتظر موجة ثورية اخرى، تخرجها من دوامتها وتلئم جرحها، ستحصل حتما بعد حين.

أما مصر فلم يقترب منها المفكر بالمباشر، رغم أنه ألمح الى كون الدول الغربية المستعمرة قد استخدمت كل قوتها لاعادة الانظمة المستبدة التابعة لها الى حكم بلاد الربيع العربي، وان لم تنجح ساعدت على خلق حروب أهلية بصناعة أطراف متصارعة وتقديم كل الدعم لها ليستمر الصراع وتضيع الأوطان ويقتل الانسان.

اخيرا نقول: ان العصبيات بأنواعها نحتاج لتزول من حياتنا الى أن ينتصر الإنسان العربي على الاستبداد بكل أنواعه وخاصة استبداد الانظمة القمعية، ونحتاج الى الوعي العلمي الذي يجعلنا أبناء للعصر ونحتاج للتنوير الديني الذي يجعل إيماننا الديني منبع راحة نفسية ودور لبناء حياة الخير والفضيلة للبشر جميعا. وتجعلنا جميعا ورشة عمل دؤوب لننتصر في ربيعنا الذي لن يموت لأن ارادة الحياة في الإنسان والشعوب لا تموت.

ننتصر لانساننا وحقوقه بالكرامة والحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل.

هذا هو الطريق.

.٦/١/٢٠٢٠.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بالقسم الثاني من قراءة كتاب “العصبيات وآفاتها – هدر الأوطان واستلاب الإنسان” للكتاب “د.مصطفى حجازي” وبقراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” يستمر بالعناوين سادسا: الاستبداد الهدر والاستلاب، وسابعا: العصبيات والاستبداد وسؤال المواطنة، وثامنا: نموذجان في التحول الحضاري.

زر الذهاب إلى الأعلى