اليف شافاق: روائية تركية متميزة، قرأنا لها قواعد العشق الاربعون لقيطة اسطنبول، تمس القضايا الانسانية والوجودية عموما، وترتبط مع عمقها التركي .
.في هذه المذكرات، نحن امام كتابه من نوع مختلف، فهي ليست رواية، وليست مذكرات بالمعنى التسجيلي لوقائع الحياة عند الكاتبه، هي أقرب إلى المعايشة الوجدانية لتجربه شخصيه وعامه ايضا. انها الانوثه الأمومة والحمل والانجاب، هي جولة في حالة المرأة عموما، وفي حالة اليف شافاق نفسها، هي شهادة شفافه جدا وشاملة حول المرأة وما لها وما عليها.
.تبدأ اليف من قراءة نفسها والحياة المحيطة بها وخياراتها بالحياة، فهي ابنة عاشت وحيدة عند امها وجدتها لأمها ، تربت في جو ديني متزمت مليئ بالوصايا والزواجر، تلمست من طفولتها طريقة محاربة الوحدة بالتكلم مع نفسها حكايات مخترعة دوما، اعطتها امها بعض ما تقرأ وايضا دفاتر لتكتب، لعلها تعالجها من خوف ان لابنتها مشكلة نفسية ما، اليف تجد ذاتها بالقراءة والكتابة ايضا ، تبحرت بالقراءة كثيرا وكانت الروايات محطتها الاحب، وعبرت عالم التصوف وتشبعت به عبر جلال الدين الرومي والتبريزي، بدأت متدينه متزمتة، ثم لا إدارية (من لا أدري) ، ثم صوفيه بالمعنى الانساني الرسالي العام كخير وعدل وقيم انسانية. عاشت شغفها الروائي وكتبت قواعد العشق الاربعين، واصبحت من خلالها من أهم الروائيات التركيات، اعتبرت اليف انها وجدت نفسها عبر القراءة والكتابة، فهي قارئة نهمة جدا ، تكاد تكون موسوعية، وذلك يتبين من كثافة الشواهد التي تبثها عبر مذكراتها هذه، وترى انها مندورة لهذا العمل عمرها كله، في تصرفها بعض الرسالية، والبحث عن الدور في الحياة، ومحاولة الخلود عبر الانتاج الروائي الباقي بعد زوال صاحبه.
.اليف تتخبط أمام نفسها حول موضوع المرأه ودورها في الحياة، بحثت كثيرا ، فاختارت اسمها اولا واعلنته، ورفضت بداية دورها النسوي للزواج والإنجاب، واعتقدت انها عصية على الحب واحتمال الارتباط والانجاب، واستندت لتجارب كثيرة، ورؤى لكثير من الروائيات اللواتي وجدن أن دورهم النسوي كامهات وربات منزل يلغي دورهم الإبداعي ككاتبات، تمر أليف في رحلة بحثها على عدد كبير من الروائيات في العالم، وتدرس مواقفهم من انوثتهم ونسويتهم ودورهم بالحياة، وذلك عبر تفاعل موضوع المرأه بكونها تتعرف على ذاتها وتطالب بحقوقها عبر قرن من الزمان. في داخل اليف اصوات نسائية متعددة تتصارع ، فهذه الاديبه ، وتلك المتصوفة، والعملية، والثائرة، والام، والأنثى الباحثة عن المتعة، وكلهم داخل اليف يتنازعنها، وهي تسكت هذا الصوت وتدعم ذاك، وفي كل الاحوال تجد نفسها تتطور اول باول. سينتصر الحب عليها، فتلتقي بحبها ايوب وتتعايش معه ثم تتزوج منه، وتنتصر فيها الامومه فيكون حملها الاول، سنعيش معها رحلة الحمل ومتاعبه كاملة، وكذلك رحلة الإنجاب و متاعبه النفسية والجسدية، سيتصارع داخلها واقع الأمومة مع هاجس الروائية والدور الذي رسمته لحياتها، لكنها في كل مرة تخرج منتصرة لإنسانيتها. فهاهي تحب وتتزوج و تنجب شهرزاد وامير اولادها ، وهاهي تنجب أيضا كتاباتها التي جعلتها في قمة العطاء الفكري، الذي احست عبره بدورها وأسس لخلودها مستقبلا.
.في المذكرات إيقاعات مختلفة للسرد، فالبعض تتحدث به عن نفسها لتكتمل صورتها أمام قارئها، والبعض ابحار في عالم روائيات وروائيين كثر، لننهل معها من تجاربهم الروائية و مواقفهم الحياتيه عموما؛ بما يتعلق بالمرأة والامومة تحديدا ، ستتصالح اخيرا مع ذاتها ، عبر مصالحتها مع اصواتها الداخلية كأنثى وأم ومثقفه وصوفيه وثائرة وصاحبة رسالة وروائيه مبدعه.
.انها ترسم صورة الإنسان كما يجب ان يكون؛ وهي نموذج لذلك.
.ما احوجنا كلنا أن نكون تلاميذ في مدرسة اليف شافاق.
٢١ /٢ /٢٠١٨
مذكرات “حليب أسود” للروائية التركية “اليف شافاق” قراءةجميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” إنها ليست رواية، ولا مذكرات بالمعنى التسجيلي لوقائع الحياة عند الكاتبه، إنها المعايشة الوجدانية لتجربه شخصيه وعامه. انها الانوثه الأمومة والحمل والانجاب، هي جولة في حالة المرأة عموما .