نعم، لقد هزمتني شخصياً يا سيادة الرئيس، كما هزمت كثيرين غيري، وذلك منذ قرأتُ تلك اللوحة الباردة التي كانت معلقة في غرفتنا الغربية ومحتواها “الجدران لها آذان” وتبين لي لاحقاً أن البلد كله يحفظ محتوى هذه اللوحة عن ظهر قلب.
هزمتني منذ رضعت الخوف من أمي مع الحليب، وعرفتُ أن كل أطفال البلد رضعوا نفس الخوف، وبدل أن يلعبوا في حدائق ويرقصون تمّ تدجينهم في حدائق طلائع البعث المسورة بالفكر العنصري البعثي وبقايا الكراهية القومية.
هزمتني منذ اكتشفت أن مخازن الرصاص والبارود التي احتلت معظم مساحات البلد أكبر بكثير من مخازن القمح والطحين. وأنّ البلاد التي تدير ظهرها للمحبة والديمقراطية والحريات مآلها الخراب. وأنّ البلاد التي تراقب الضحك والعشاق وتنسى مراقبة الفاسدين والمجرمين هي مكان للإجرام والتشرد ولا تصلح أن نطلق عليها وطن. هزمتني شخصياً منذ دخلت سوق العمل وأنا في عمر عشر سنوات بدلاً من أن ألعب وأمضي العطلة الصيفية في البحر وشواطئ البلد التي يحتلها الآن الإيراني والروسي وشبيحتك الصغار.
أعرف أنّي تأخرت كثيراً في إعلاني هذا، لكن ماذا أفعل وصوتي المخنوق احتاج لكل هذه العقود ليتحرر من الذعر، الذعر الذي تمّ تعميمه من قبلك ومن قبل والدك كأحد شروط البقاء لسلطتكم؟ هزمتني منذ غنّى والدي مواويل العتابا بانتظار الخلاص، حين كان ينتظر رغيف خبزه النظيف من عرق جبينه، بينما كانت ضباع البلاد وكلابها تأكل الأخضر واليابس.
كنتُ مقتنعاً ذات وهم مضى أن الكلمة في بلادي يمكن أن تسهم في تغيير القرار السياسي، ولكن منذ شاهدتُ كيف يتم تقطير العهر في قصركم المبارك من حبر اللغة تأكدتُ أنه لا مكان لي هنا. هزمتني كما هزمتني رئيسة التحرير وهي تسخر من زواياي الناقدة وكتاباتي الناقمة على كل شيء، وكانت تفضل منع كتاباتي ونشر إعلان صابون جديد بدلاً منها في الصفحة الأخيرة. ذات وقت مضى حلمتُ بأننا قادرون على تكسير الجدران برؤوسنا، فإما أن نفتح نوافذ أو تتكسر الجدران. واتضح أنك كنت مستعداً على تكسير كل شيء فوق رؤوسنا.
هزمتني منذ شعرت أن دمعتي وحزني بلا قيمة، وأنا كإنسان بلا قيمة، ومنذ تمت إهانة السوريين الهاربين من براميلك في لبنان وتركيا وغيرها من بلدان اللجوء.
هزمتني يا سيادة الرئيس منذ تمّ إقناعنا بالحديد والنار أن حزبك وجيشك انتصر في معارك الكذب المصيرية. ومنذ أن تمّ تزوير المفاهيم والمصطلحات على خادميك من كتاب وإعلاميين. هزمتني، منذ تم تعليمنا أن الكراهية وجهة نظر وذلك عبر قتل السؤال وأصحابه، وتغييب كل صاحب رأي.
هزمتني، وها أنا أعترف بعد عقود بأن كل كتاباتي في تلك الجريدة البائسة لم يكن ذا قيمة، لأن الخراب كان كبيراً جداً وكنا نحلم واهمين بتطويق الخراب عبر الكلمة.
كنتُ حالماً حين اعتقدتُ أنه يمكن أن نربي الحرية رويداً رويداً في بيوت البلاد وحاراتها الفقيرة، لكن تبين لي أن كلاب حراستك كانت مدربة جداً وكانت خبيرة في قتل الهواء في أي مقال حتى قبل أن يُنشر.
هزمتني صورك الكبيرة المعلقة في الشوارع والمؤسسات وصورك الصغيرة المعلقة في ميداليات العبيد الذين كانوا يعملون كعناصر أمن ومخبرين وقوّادين ووزراء.
هزمتني، منذ اضطررت إلى دفع الرشوة مرغماً لأحمي نفسي من بنادق جنودك وضباطك. هزمني إعلامُك وكميات الكذب فيه، ومحللوك وملمّعو البوط ولاعقوه. ولم أكن أتخيل يوماً أن المنجل والمطرقة يمكن أن يتحول إلى أداة للتصفيق لك ولتعبيد الطريق أمام بقائك.
منذ انتشر الفساد طولاً وعرضاً وتمّ إفقار الناس وتجويعهم لتغذية كلاب حراسة عرشك، ومنذ أن تمّ إخصاء اللغة واغتصابها وتحويلها إلى عاهرة لخدمة افتتاحيات الكذب المجيدة، كنتُ أنا ألملم خسائري وحقيبتي اليتيمة لأرحل.
كان يمكن لي أنا شخصياً أن أكون آخر سوري يمكن له مغادرة البلاد، لكن حتى مساحة غرفة من تراب لم يكن بمقدوري العيش فيها، مساحة غرفة خالية من الرعب والرقابة.
ومنذ أن تمّ تقسيم الناس إلى موالين وحياديين سلبيين أو إيجابيين عرفتُ أن البلاد ضاقت كثيراً. ربما أنت لا تعرف أن فقراء كثيرين اختارهم الفقر طبقياً لأن نظامك البائس أفقرهم عمداً وتمّ تطفيشهم خوفاً من الجوع أو الاعتقال. كانت ومازالت سوريا الأسد سجناً مسوراً بشعارات الكذب والكراهية. يمكنك أن تحتفل بانتصارك عليّ كما أعلنت انتصارك على غيري، فأنا إرهابي خطير أؤمن بالكلمة وبالأساليب السلمية للاحتجاج وبقدرة وتأثير الحبر والورد. يمكن لك أن تعلن انتصارك عليّ باعتباري إرهابياً خطيراً أوهَن نفسية الأمة.
لكن إياك أن تنسى قبل كل شيء أنك أيضاً رئيس مهزوم وانتهت صلاحيته السياسية منذ اخترت إطلاق الرصاص على الناس بدل الحوار وتقديم التنازلات لهم.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا
نعم هزم شعبنا منذ أن مارس التطويع المنهجي بعام 1970 ليحول الوطن الى سجن كبير يحيط به الأمن والشبيحة، ولكن ثورة شعبنا بآذار 2011 جعلتك أنت أيضاً رئيس مهزوم وانتهت صلاحيته السياسية، منذ اخترت إطلاق الرصاص على الناس بدل الحوار وتقديم التنازلات لهم.