هل تعود تركيا إلى حلفائها.. أم تواصل اللعب مع الأفاعي؟

إننا في ملتقى العروبيين، كثوار سوريين وطنيين لنا تحفظات كثيرة، وملاحظات أكثر على توجهات أنقرة السياسة في سورية، لا سيما في السنوات الأربع الأخيرة، ولكننا حين تكون المعركة الحالية بين نظام الأسد وتركيا، فلا نملك إلا أن نجمد تحفظاتنا وملاحظاتنا، وننحاز الى الجانب التركي لسبب بسيط، هو أن هجوم عصابات الأسد على ادلب لا هدف له سوى مواصلة سياسة الأرض المحروقة، والمزيد من الإبادة والفتك بمن بقي من شعبنا، ومطاردة من هاموا على وجوههم، وفروا إلى العراء والمجهول طلبًا للنجاة من عصابات، لا تحركها سوى شهوة الانتقام ومتابعة التطهير العرقي للسكان، بكل أدوات القتل والتهجير والتدمير.

وإذا كان بعض المراقبين والمتابعين العاجزين عن فهم الحالة السورية وتطوراتها المعقدة، يعتقدون أن المعركة الدائرة، إنما تدور بين جيش احتلال تركي، وجيش سوري يمثل الدولة السورية، مما يفرض علينا الوقوف مع هذا الأخير، فإننا نوضح لهم أن ما يسمى في وسائل الاعلام (قوات النظام السوري) ليست في الواقع سوى قوات مرتزقة أجنبية، بكل ما تعنيه الكلمة، ترتدي لباس جيش النظام، وترفع شاراته وأعلامه لإخفاء حقيقتها عن أعين العالم.

وهي الحقيقة التي نشاهدها بوضوح، نحن وسائر جموع اللاجئين والنازحين الذين يفرون من القوات المذكورة، بعد أن اختبروها، واختبروا سلوكها الوحشي الذي ينشر الرعب والذعر حيثما حلت. إن هذه القوات المهاجمة تتشكل بنسبة ثمانين في المائة من قوات ايرانية نظامية، وميليشيات لحزب الله، والحشد الشيعي العراقي، وأفغانستان، وباكستان، فضلًا عن مرتزقة (فاغنر) الروسية، وهي تزحف على مدننا وقرانا كقوات معادية تطبق استراتيجيتها تحت الغطاء الجوي الروسي، ولا تتحرك إلا بأوامر من حميميم والجنرالات الروس.

إن الموقف الوطني للسوريين من جولة القتال الحالية في شمال سورية تحدده الحاجة الماسة لحماية مليون ونصف لاجئ سوري هجرتهم الميليشيات المذكورة في الشهور الأخيرة، ومن يصد هجومها البربري المتواصل.

بناء على هذا الموقف الوطني نطالب الضامن التركي بالتحرك وفقًا لما تحتاجه حماية أبناء شعبنا المشردين والنازحين، وحماية ما بقي من محافظة ادلب المحررة، وإيقاف الهجوم العدواني الارهابي الروسي – الايراني – الأسدي، والعمل على تسليح وتمكين وتعزيز قوة الفصائل السورية الوطنية المسلحة للدفاع عن نفسها، وإنهاء سيطرة تنظيم الجولاني الارهابي الذي لا يمثل شعبنا إطلاقًا، ولا يخدم وجوده سوى أعدائنا.

ونعتقد أن على القيادة التركية الصديقة مراجعة سياستها في سورية جذريًا، والاعتراف بأخطائها الاستراتيجية التي ارتكبتها بعد قمة اردوغان – بوتين في موسكو 10 اغسطس 2016 التي وضعت أساس التحالف بينها وبين المحتلين الروسي والايراني، العدوين الرئيسيين لشعبنا. ومراجعة كل ما انبنى وترتب على نشوء هذا التحالف غير المبرر، وغير المفهوم، وخاصة السير في مساري آستانا وسوتشي اللذين أنشأتهما روسيا، ومكنا الغزاة والمحتلين الروس والايرانيين من تحقيق مشاريعهم وأهدافهم على حساب شعبنا، وأفشلا مسار (جنيف الأممي) للحل السياسي برعاية الأمم المتحدة وفق وثيقة جنيف1. ونحن نفترض أن القيادة التركية بعد تجربة آستانا وسوتشي الخائبة اقتنعت بأن هذا المحور المعادي لا يقبل الحل السياسي الأممي بالمطلق، بل يسعى لفرض حل عسكري يستهدف إعادة الشرعية لعصابة قاتلة أجمعت غالبية دول العالم على فقدانها الشرعية منذ عام 2011 بالبطش والارهاب.

إن أي قارئ للتاريخ البعيد والقريب يعلم أن روسيا وإيران عدوان لدودان لتركيا وللشعب السوري، وأن التعاون معهما يشبه اللعب مع الأفاعي والذئاب، أو التعاون مع اللصوص والمجرمين على نشر الفضيلة وتحقيق العدالة.

وندعو كعروبيين ومسلمين القيادة التركية الصديقة إلى العودة إلى قواعد سياستها التقليدية والتاريخية، بالوقوف مع الدول الديمقراطية في العالم، والتعاون مع العالم العربي الذي يتعرض لغزو همجي وشامل من قبل إيران واسرائيل وروسيا والولايات المتحدة.

 إن مهمة تركيا المثالية ودورها الكبير في هذا العصر أن تكون منارة وقلعة للديمقراطية في الشرق الأوسط، بدل أن تتحالف مع أعداء الحرية والديمقراطية لقتل الشعوب وتدمير العالم العربي.

إن تهديدات تركيا بالانتقام لجنودها الذين قتلتهم عصابة الأسد يجب أن تتحول سياسة مبدئية ثابتة ومستمرة، لا عملية ثأر محدودة، وهو ما يستدعي دعم ثوار سورية ضد العصابة وحلفائها والميليشيات المرتزقة، وبناء علاقة مبدئية استراتيجية تقوم على التكافؤ والتوازن، لا على الاملاء والتبعية، وعلى التعاون مع القوى الوطنية الثورية، لا القوى ذات الاتجاه الاسلامي فقط، فهؤلاء لا يمثلون كل شعبنا، والاعتماد عليها، لا يحقق مصالحنا الوطنية وأهداف ثورتنا.

إن ما يحدث الآن ليس حدثًا سوريًا، أو صراعًا بين نظام الأسد وتركيا، ولكنه حدث دولي من الدرجة الأولى، ستمتد آثاره حتمًا إلى الداخل التركي أمنيًا وقوميًا، وستترتب عليه تداعيات كبيرة، الأمر الذي يؤكد أن الشرق الأوسط يمر بعاصفة نارية وزلزال جيوسياسي عنيف، ستكون لهما آثار شاملة في العلاقات والاصطفافات الدولية والاقليمية نأمل أن يستخلص منها صانع القرار العبرة، ويرى أخطاءه العديدة التي وقع فيها، وأن يستنتج منها ضرورة العودة الى مواقف تركيا الايجابية التي تبنتها في بداية ثورات الربيع العربي، وأن تقف مع الشعوب، لا مع أحقر دول وأنظمة العالم في هذا العصر.

 بدون ذلك ستعزز تركيا اتجاهاتها الخاطئة، وتفقد حلفاءها الموضوعيين والتقليديين في المنطقة والعالم، وتتحول في سورية لاعبًا مثل اللاعبين الآخرين، الإيراني والروسي والأميركي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى