
ما حدث مساء يوم الإثنين الفائت 22 كانون أول/ ديسمبر الجاري، في مدينة حلب، من تصعيد خطير أقدمت عليه قوات سورية الديمقراطية(قسد)، المتحصنة في حيي الشيخ مقصود والأشرفية، ذهب ضحيتَه مدنيون أبرياء، ذلك بالتزامن مع نفاذ المدة الزمنية التي كان متفقاً عليها لتنفيذ اتفاق العاشر من آذار/ مارس الموقع بين أحمد الشرع الرئيس المؤقت للجمهورية العربية السورية والسيد مظلوم عبدي قائد قوات (قسد) الأمر الذي يطرح أسئلة مهمة تشغل عموم السوريين تتعلق بمستقبل سورية وما يحاك لها وضدها، من أطراف عديدة اقليمية ودولية بحوامل محلية.
وما لا يخفى على أي مراقب، أو متابع، أن هذا العدوان السافر يدخل في إطار محاولات استفزاز الدولة السورية للتملص من الاتفاق الذي ينتظر الجميع تطبيقه في إطار بسط الدولة لسيطرتها وهيمنتها على كامل أراضيها، وكان عدد من قادة (قسد) طالبوا بشكل وقح بتعديلات جذرية تتعلق بشكل الدولة ونظام الحكم فيها، وبالمحاصصة التي يرغبون فيها للثروة والسيادة.
غير بعيد، في هذا الشأن، ما تقوم به أيضاً ميليشيات (المجلس العسكري) التابعة لحكمت الهجري في محافظة السويداء، جنوب سورية، التي تكشف آخر المعلومات الدولية، ذات المصداقية، عن تلقيهم رواتب شهرية من دولة الكيان الصهيوني وهي التي قامت بإدخال السلاح لهم فور سقوط النظام البائد، الأمر الذي تكرر حتى الآن عدة مرات، ما يوضح بجلاء أن ما جرى ويجرى في السويداء أبعد بكثير من القضايا المطلبية التي يدعونها من اختطفوا المحافظة ليقيموا دولة (الباشان) كما يرغب حلفاؤهم (القسديون)، آنفي الذكر، في الشمال الشرقي بإقامة (روج آفا)!
وإذا ما أردنا الإحاطة بكافة المخاطر والتحديات لا يمكننا الا الإشارة إلى ما يفعله (الفلول) في منطقة الساحل السوري، وبدعم مباشر من رموز النظام البائد وتمويله، كما أفادت تقارير ومعلومات صحفية من العاصمة الروسية/ موسكو.
اليوم، كلُ السوريين حيارى تجاه المستقبل وما يخبئه من سيناريوهات لبلدهم، وكيف لهم ولحكومتهم، أو الإدارة الجديدة للبلاد، مواجهة ذلك، رغم فرحهم وابتهاجهم غير المسبوق في الذكرى السنوية الأولى للتحرير والنصر، وتخلصهم من كافة العقوبات التي كانت مفروضة عليهم بسبب سياسات النظام البائد (الأب والابن)، وآخرها إزالة قانون قيصر الذي أعاق فرص التنمية وإعادة الإعمار وإطلاق دورة الحياة، في السنة الأخيرة.
إن ما تواجهه سورية اليوم من مخاطر وجودية حقيقية تضع الجميع أمام مسؤولياتهم الوطنية، في ظل عدم وضوح الموقف الدولي، وتحديداً الأميركي، من مختلف القوى الخارجة على القانون، وميليشيات ما قبل الدولة في الشمال والجنوب، ومناطق أخرى، رغم التصريحات والمواقف العلنية الداعمة لوحدة سورية أرضاً وشعباً.
أمام التحديات الكبيرة التي تواجهها سورية وفي ظل الاعتداءات الصهيونية المتكررة، واليومية، منذ سقوط نظام الأسد البائد وحتى الآن، وتوغل قوات الاحتلال وانتهاكها للسيادة الوطنية، فعدا عن كون ذلك اختراقاً وتجاوزاً للقانون الدولي، يعد عاملاً معطلاً لتعافي الدولة السورية ومحرضاً لكل أصحاب المشاريع ما دون الوطنية، ما يصبح معه من الضرورة بمكان وحدة الصف الوطني وتعزيز التلاحم بين كافة القوى والتجمعات والشخصيات الوطنية المؤمنة بوحدة سورية أرضاً وشعباً، وتحييد التناقضات الكثيرة الناشئة لأسباب مختلفة، مع الإدارة الجديدة، وبالطبع هذا لا يعني غض الطرف عن الأخطاء والسلبيات الواقعة، والحاصلة، في واقع الممارسة اليومية وفي سياقات معروفة، ومفهومة، وهذا، لا شك، لا يعفي الإدارة الجديدة من السماع للرأي الآخر ممن يقفون في جبهة المواجهة مع المتربصين بسورية ومستقبلها المأمول.
من الأهمية بمكان أن تُدار أوسع الحوارات الوطنية في عموم سورية وبين مختلف قواها، التاريخية والناشئة، وعبر كافة الوسائل والطرق الممكنة، والمتاحة، وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، المنصات الإعلامية، المراكز الثقافية، المنتديات… الخ، لمناقشة أفضل سبل مواجهة التحديات المعيقة لإعادة بناء سورية، وتعافيها، ووحدتها.
إن الملايين التي خرجت في عموم سورية، في أكبر مدنها وأصغر قراها قوة شعبية هائلة يجب الاستفادة منها وتأطيرها في معركة التحدي والبناء، فهي لم تخرج فقط للفرجة والغناء والأهازيج بقدر ما تحمل من رسائل للداخل والخارج، يجب أن يعيها الجميع.
أخطار اليوم تتطلب من الجميع تأجيل، أو تحييد، ما هو ثانوي أمام ما هو جوهري وأساسي.






