فواز العلو روائي سوري متميز، ينتمي للثورة السورية. روايته وأد القيامة أول عمل أدبي أقرأه له.
وأد القيامة رواية ترصد واقع المتغيرات التي حصلت في مدينة دير الزور بعد أكثر من سنة على اندلاع الثورة السورية ربيع عام ٢٠١١م. من خلال متابعة حياة كمال وعائلته الأستاذ في مدارس دير الزور، الشخصية المحورية في الرواية، ومن خلال متابعة التطورات على حياة كمال نتابع تطورات الحدث السوري عبر سنوات.
تعتمد الرواية أسلوب السرد بلغة المتكلم ، كل الوقت، في متابعة كل شخصيات الرواية، وكأننا أمام فيلم سينمائي نتابعه صوت وصورة وحوار وتفاعل بين شخوص الرواية ومع كل عناصر الحياة. وهذه اول رواية اقرأها تعتمد هذه التقنية السرديّة. بحيث تجعلني كقارئ دائم الحضور في الحدث الروائي وكأني جزء منه. وتجعل الحدث الروائي “طازجا” كل الوقت…
تبدأ الرواية وحديث يجري بين كمال وزوجته سلمى، وهما من سكان دير الزور، وذلك في صيف عام ٢٠١٢م. حيث قامت الثورة السورية. وأصبحت دير الزور من المدن الثائرة والتي خرجت بها المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام والمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية للشعب السوري. وكان النظام قد قرر القضاء على الثورة السورية باستعمال العنف المسلح، بحق المدن والبلدات الثائرة، بقصف الطائرات بالبراميل المتفجرة التي يذهب ضحيتها الشعب الأعزل دون تفريق بين امرأة أو طفل او كبير بالسن…
كمال وسلمى كانوا قد أرسلوا ولداهما خارج سوريا قبل وقت بعدما اصبحوا ملاحقين امنيا لمشاركتهم بالمظاهرات السلمية. وقرروا أن يخرجان من دير الزور باتجاه اي مدينة آمنة، وقد يلحقان بولداهما خارج سورية…
لكن برميل متفجر سقط على بيت كمال اودى بحياة زوجته سلمى. فما كان منه إلا أن واراها الثرى وغادر دير الزور باسرع وقت بعدما اصبح الموت يحصد اهلها…
وصل كمال إلى الحسكة السورية التي كان قد سيطرت عليها وحدات حماية الشعب الكردية وال ب ي د التابعة لحزب العمال الكردستاني. وذلك بتوجيه من النظام السوري. حيث ساعدوا في القضاء على الحراك السلمي الثوري وكان من رموز الحراك مشعل تمو الذي اغتاله النظام…
لقد كان نزوح كمال نموذجا عن نزوح عام من سورية كلها، بحثا عن الأمان وحفاظا على الحياة. لذلك التقى كمال في حركته الدائبة بأبناء بلده دير الزور واغلبهم من معارفه وطلابه وهو المدرس المعروف…
تعرّف كمال على “سيدة” المرأة الارمنية ابنة الحسكة وخريجة علم الاجتماع، من خلال اصدقائه الذين سبقوه إلى هناك. وتوطدت العلاقة بينهما. حتى قررا الزواج. وهكذا تزوجا و ربطا مصير حياتهما مع بعضهما…
لم يستطع كمال وسيدة التأقلم مع أجواء مدينة الحسكة. وخاصة أن النظام مازال مسيطرا على زمام الامور هناك. وإن فعل حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي الـ ب ي د وأفعالهم العنصرية و التشبيحية بحق العرب والأكراد المختلفين عنهم سياسيا وكل الناس جعلتهم يفكروا بالمغادرة الى الرقة…
الرقة التي كانت قد تحررت من سيطرة النظام. وصل كمال وسيدة الى هناك وتلقفهما شبكة أصدقائهما. وهناك عرفوا حقيقة ما حصل في الرقة. حيث سلم النظام مدينة الرقة عمليا إلى المجموعات الاسلامية التي كانت قد حضرت من العراق ومن بلدان كثيرة، هذا غير السجناء الإسلاميين من بقايا القاعدة الذين أفرج عنهم النظام. وتولدت داعش الدولة الاسلامية، سرعان ما سيطروا على مدينة الرقة. و شكلوا فيها دولة إسلامية تعتمد البطش والإعدام والتصفيات. لقد علم كمال أن الحاكم الحقيقي للرقة هو المخابرات التابعة للنظام. وهي تنفذ أجندة النظام عبر القاعدة وداعش. لذلك كان الحل ان يقرر كمال وسيدة السفر الى تركيا…
غادر كمال وسيدة الرقة إلى اورفا المدينة التركية على أن تكون محطة للانتقال الى اسطنبول ومن هناك يبحثوا عن طريق يؤدي إلى أوروبا…
لم تكن مشاعر سيدة وكمال ايجابية تجاه تركيا، فما زالت ذاكرة سيدة ممتلئة بما حدث مع الأرمن أيام نهاية الحكم العثماني. انها ممتلئة بمظلومية أصبحت في ذمة التاريخ في مقدار مصداقيتها. خاصة أن هناك روايات مختلفة حول تلك المرحلة الحساسة من تاريخ تركيا…
سرعان ما انتقل كمال وسيدة الى اسطنبول وهناك تلقفهما ايضا اقرباء واصدقاء. لقد بهرت اسطنبول كمال وسيدة. لقد اذهلتهما بكبرها. وتنظيمها وعمقها التاريخي وتنوعها الحضاري. واستيعابها لكل قادم اليها. و لقبولها تنوعها المجتمعي، علماني وملتزم ديني. ونجاح الدولة بإدارتها. لقد تعايشوا مع اسطنبول في شارع الاستقلال و”تقسيم” والتقى فيها بالسياح واللاجئين مثلهم من كل بقاع الدنيا…
لقد عاش كمال وسيدة كل الوقت حياتهم الذاتية بكل امتلاء. فلم يمنعهم مصابهم بموت زوجة كمال السابقة سلمى ولا تشردهم. من يعيشوا هو وزوجته سيدة حياة مريحة نسبيا. لقد كان وزوجته سيدة يمتلك المال ليأكل ما يشتهي ويسكن في بيوت مقبولة وليعيش حياة حميمية مع زوجته، صباح يقترن مع القهوة. وليال يضفي عليها الشراب الروحي امتلاء نفسيا و إشباعا جسديا وقبولا وراحة…
لقد علم كمال أن أولاده قد حصلوا على فرصة اللجوء إلى كندا بعد تخرجهما من الجامعة. لقد كان سعيدا لكونهما سيصلا إلى بلد يؤمن لهم العيش الكريم والكفاية وفرص العمل…
كان كمال حريص حين لقائه بأي ناشط أن يعرف منه واقع الحراك الثوري في مناطقه. علم أن واقع الحراك السلمي وبعد ذلك الثورة والتدخلات التي أثرت على الحراك الشعبي والقمع واستعمال العنف والقصف والتهجير، يكاد يكون هو ذاته نهجا اعتمده النظام في كل سورية…
كما اطلع على واقع المنشقين عن النظام من الجيش ضباط وأفراد…
لم يتوسع الكاتب في الحديث عن بنية النظام الطائفية العلوية التي احتلت اجهزة الدولة السورية في مفاصلها المركزية وخاصة الجيش والامن. والتي تصرفت في مواجهة الثورة بكل عنف طائفي لم يشفع لأي أحد حتى القيادات البعثية الغير علوية من الاعتقال والتنكيل والقتل…
كما تحدث كمال عن المعتقلات من خلال شهود التقى بهم في سياق رحلة لجوئه. لم يرحم الامن اي معتقل. اغلب من كان يعتقل يتلقى التعذيب الذي يؤدي للموت أو لحصول العاهات المستديمة جسديا ونفسيا…
لقد كان قرار كمال وسيدة ان يلجؤوا الى اوروبا. و كانوا يتفاوضون مع المهربين ليحصلوا على أفضل السبل. لقد تولدت لأجل تهريب السوريين الفارين من الموت الحتمي ذلك شبكة مافيا دولية تحصل على آلاف الدولارات عن كل انسان لتنقله من الحدود التركية عبر بحر ايجه أو برا في الغابات إلى الحدود اليونانية وغيرها من الدول الاوربية المجاورة لتركيا…
لقد كان نجاح العبور مرتبطا بمدى قدرة اللاجئ المادية فمن كان يمتلك القدرة فيمكن أن يسافر بالطائرة إلى أوروبا. وقد يسافر بالبلم ويغرق أو ينجو. وكان نصيب كمال وسيدة السفر بسفينة كبيرة. لكونهم دفعوا مبلغا اكبر. واستطاعوا الوصول إلى البر اليوناني…
تنتهي الرواية عندما يتوجه كمال وسيدة الى الشرطة لتسجيل أنفسهم كلاجئين ويحس كمال انه انتزع من جذوره ووطنه بشكل كامل…
في التعقيب على الرواية اقول:
انني تفاجأت بأسلوب السرد الروائي الأقرب الى السينمائي الذي ينقل حاضرا دائما. حدث وحوار ومشاعر انتقال في الزمان والمكان. طريقة جديدة في السرد. نجحت ان توصل ما أردت توصيله لي كقارئ…
كذلك وإن اختلفت في بعض النقاط مع الرواية، لكن اؤكد توافقي مع الخط العام لمسار الرواية المجتمعية والسياسية والتحليلية…
ما توقفت عنده:
الموقف المتشنج من تركيا . فإن كان الحديث عن التاريخ، ان بيننا وبينهم مشتركات أكثر مما بيننا من اختلاف. وإن كان القصد الحكم الاستبدادي العثماني. فقد كان المستعمر الفرنسي والانكليزي في بلادنا اسوأ بكثير.
وإن كان الحديث عن تركيا وموقفها من السوريين الذين توافدوا إليها لجوء بعد الثورة السورية. فقد كانت الدولة الأفضل وليست الأكمل بين كل دول الجوار لاستيعاب السوريين وإدخالهم في دورة الحياة، العمل والدراسة وتوطين الأعمال الصناعية والتجارية والاقامات وأذون العمل وحتى التجنيس. فلم تكن الاردن ولا لبنان ولا العراق افضل من تركيا. كما نقدر أن تركيا كدولة ديمقراطية تحكمها اللعبة السياسية. فقد استخدمت قضية السوريين في بعض مراحلها بشكل سيء…
لبنان الآن يهدد السوريين بالطرد ويطردهم والأردن يزرعهم في مخيم الزعتري بعيدا عن كل الشروط الإنسانية وكذلك العراق…
اما اوربا بلاد الاحلام. فلم تمد يد العون للسوريين إلا من يصل إليها ؟.. ممن دفع الاف الدولارات. أو لم يمت في البحار في رحلة لجوء مأساوية…
نعم كل الدول كانت تفكر بمصالحها وكنا نحن السوريين وحياتنا وما حصل معنا آخر همهم…
تركيا لم تكن استثناء وكانت الافضل…
كذلك الموقف الغير عادل من الإسلام . احترم الخلفية اليسارية للكاتب التي تظهر في ثنايا الرواية. واحترم نمط العيش والسلوك. ولكن ليس كل تدين تخلف او يؤدي الى سلوك داعشي. ويكون غير علمي وضد التطور…
هذا ظلم للإسلام وحضوره المجتمعي في قيم الناس وفي اندفاعهم يطالبوا بحقوقهم التي يعتقدون حسب إيمانهم انها مقدسة من الله تعالى…
نعم هناك تدين تقليدي. وفقهاء سلطان وهناك إرهابيين مثل داعش يلبسون ثوب الاسلام. ونعلم ان للأنظمة المستبدة ودول الغرب دور في صناعة هذه الظاهرة منذ افغانستان و”الجهاد” لتحريرها من السوفييت…
كما نعلم ان هناك علمانيين ويساريين كانوا ومازالوا يسبحوا بحمد النظام المستبد السوري ويصلون له للآن…
اذا الموضوع ليس نوع العقائد بل ما يهدف حاملوها. هل خدمة الناس وحقوقهم أم خدمة الظالمين ؟.
كذلك عدم توسع الرواية بالحديث عن الدخول على خط الثورة السورية والتدخلات فيها وضدها. كما دخلت داعش والقاعدة وال ب ك ك وال ب ي د الكردية. كيف دخلت إيران وحزب الله والميليشيات الطائفية. وكذلك روسيا راعية البراميل المتفجرة، وامريكا حامية ال ب ك ك وال ب ي د، ناهبة النفط والغاز السوري شرق الفرات…
كذلك كنت انتظر ان تطل الرواية على واقع السوريين الذين لم يكونوا يملكوا غير حياتهم المهدورة الموزعين في المخيمات على حدود الدول المجاورة لسورية. أو في داخل هذه الدول ويعيشون الجحيم يوميا سواء في هذه الدول أو بتهديدهم بنقلهم الى الجحيم السوري تحت حكم النظام وظلمه…
ولا بد من التأكيد أن الرواية نجحت إضافة لكثير من التوثيق. نجحت ان تعيد احياء القضية السورية وأنها لم تمت ولن تموت..
اخيرا نعم تهجرنا في بلاد الدنيا نحن السوريين. لكننا نزرع ذاتنا الخضراء ربيعا مثمرا حيث نصل، ونعتز بأننا انتصرنا لانسانيتنا عندما ثرنا، واننا حيث وصلنا عملنا ونعمل لتأكيد حقوقنا بالحرية والكرامة والعدالة وأن الديمقراطية مطلبنا حيث كنّا…
رواية “وأد القيامة” للروائي السوري “فواز العلو” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” رواية ترصد واقع المتغيرات التي حصلت في مدينة دير الزور بعد أكثر من سنة على اندلاع الثورة السورية ربيع عام ٢٠١١م، كان موقف الروائي غير عادل من الإسلام . مع إظهار يساريته في ثنايا الرواية. ونمط العيش والسلوك .