![](https://arabiansforum.net/wp-content/uploads/2024/05/علاف-780x470.jpg)
منصور المنصور روائي سوري متميز. قرأت له رواية “ليس كما كان” وكتبت عنها…
“أحقاد رجل مرهوب الجانب” رواية منصور المنصور الجديدة يأتي سردها على لسان الراوي. واحداثها تبدأ في عام ١٩٥٨م في سورية. وتنتهي في تسعينيات القرن نفسه، وهي بذلك تغطي عقود من متابعة حياة شخصياتها الروائية المركزية وضمنا تغطي ما حصل في سوريا في تلك الفترة مجتمعيا وسياسيا وعلاقتها مع العالم…
في عام ١٩٥٨م ولد حازم ابوه أحمد وأمه صبحة. صادف ولادته ولادة جمال ايضا الذي سماه والده على اسم جمال عبد عبد الناصر أيام الوحدة المصرية السورية. أحمد والد حازم كان قد جاء الى تلك القرية وحيدا فقيرا ودون ان تُعرف قصته. القرية النموذج عن قرى سورية كلها حيث يملك الإقطاعيين اغلب اراضيها، وهم وجهائها ايضا، والاغلب من أهلها يملكون قطع أراضي صغيرة يعملون بها، والبعض الآخر لا يملك إلا قوة عمله، يقدمها ليحصل على الحد الادنى للمعيشة…
تغوص الرواية عميقا في أجواء القرية السورية النموذج، نمط الحياة والتراتب الاجتماعي، وكيفية الحصول على ما يسد الرمق لأغلب الناس…
بدأ احمد حياته بالعمل بأجر بخس عند من يحتاج جهده. ومع الوقت بدأ يقوم ببناء البيوت الحجرية المغطاة بالطين. حنّت عليه احدى نساء البلدة، واسكنته في جوار بيتها. وشجعته، ومع مضي الوقت زوجته ابنتها الوحيدة، وهكذا أصبح أحمد الفقير ابن القرية بالتبني، ولد له ابنه اسماه حازم، واستمر يعمل ليعيل عائلته. لكن حياته لم تستمر طويلا. كان في القرية احد الاقطاعيين المتنفذين والبخيل ايضا. طلب منه بناء بيت له في أراضيه الشاسعة، كان لا يعطيه أجره. أو يعطيه القليل جدا. انتهت حياة أحمد وهو يبني البيت أثر لدغة افعى. مات وهو يتذكر هروب أمه به متنقلة من مكان لآخر، لسبب لم يعلمه وكيف وصل الى هذه القرية أخيرا بعد وفاة والدته وبقائه وحيدا، حيث تزوج وأنجب وهاهو الآن يغادر الى عالم لم يدرك كنهه…
انتهت الوحدة وجاء هزيمة ١٩٦٧م أمام الصهاينة و احتلالهم الجولان السوري. كبر اثناءها حازم وأصبح يذهب للمدرسة. كان ضحية اضطهاد كل الوقت من ثائر ابن أحد وجهاء البلدة. كان دائم التعدي عليه لفظيا وجسديا. وكان حازم مغلوبا على أمره، ولا يجد من يناصره. أمه تعمل في بيوت القرية لتعيل ابنها وأمها التي كبرت في السن. وعندما يشتكي حازم لأمه وجدّته تحاول جدّته الذهاب لوالد ثائر لردع ابنه، لكن دون طائل…
كبر حازم في البلدة وكبر معه مجايليه بالسن والصف. ثائر وجمال والهام، ثائر الذي يسيء له اما جمال فقد كان ابن ضابط وانتقل مع والده إلى الجولان. والهام حفيدة أحد الوجهاء، ابوها طبيب وامها صيدلانية، تعلق قلب حازم بها، وزاد ذلك بدأ سن المراهقة عندهم، وكانت ام الهام قد ساعدت والدة حازم واحضرتها تساعدها في أعمال البيت، وكذلك حازم في صيانة الحديقة، وكان يدرس مع الهام أحيانا وهكذا تعلق قلب حازم بإلهام . لكنها لم تكن تراه إلا خادما يؤدي ما يطلبه أهلها منه. لذلك عندما صارحها بحبه، كان ردها قاسيا بحقه، مما شكل جرحا في نفسه، وأخفى حبه في قلبه…
مرت حياة حازم بكل مرارتها عليه. لقد زاد معاناته ما أشيع عن أمه وإن أحد الاقطاعيين قد اغتصبها. عندما كانت تخدمه في بيته. وان ذلك تكرر مرارا. وعندما فُضحت، هربت من البلدة ولم يعد يعرف عنها شيء. كان ذلك غصّة جديدة لحازم. فقر واذلال وعار، لم يكن أمامه من مخرج إلا حبه المستحيل لإلهام. وان يدرس ويتفوق. وهكذا حصل على الدرجة الأولى في بلدته في فحص البكالوريا. وسجل في فرع الحقوق. كما سجلت الهام ذات الفرع…
كان لا بد ان ينتقل حازم الى دمشق ليتابع دراسته، هكذا لجأت جدته لأحد الوجهاء لمساعدته في السكن والعيش هناك. فهو فقير الحال. وتم اعطاؤه سكنا مع غيره من الطلبة في بعض الشقق الملحقة بأحد المساجد في دمشق…
كانت الأحوال في سوريا في اواخر السبعينات واوائل الثمانينات موعودة مع تجدد الصراع بين التيار الإسلامي الحزبي والجهادي مع النظام السوري. وكانت تلك الشقق مكانا يعج بالكثير من الناشطين المنتمين لهذه التنظيمات. حاول احدهم جذب حازم وآخرين لهذه التنظيمات، بالصلاة والأحاديث الدينية والتوعية، لكن حازم كان خارج أي اهتمام سوى دراسته الجامعية ومحاولة التقرب من الهام حبيبته لعلها تحنو عليه…
حصلت اعتقالات طالت هذه الخلايا في جوامع دمشق، وبالصدفة كان حازم خارج الشقة، لجأ للشيخ الذي ساعده بالسكن هناك. ووعده أن يساعده للتملص من تهمة قد تودي به للسجن لعشرات السنين وحتى الموت، كما حصل وقتها مع الإخوان المسلمين والطليعة المقاتلة…
وهكذا وصل حازم إلى أحد الفروع الامنية والتقاه ضباط المخابرات، وبعد التهديد والوعيد. جنّده مخبرا ليتحدث عن كل ما يعلمه عن الطلاب وجميع أنشطتهم السياسية. وأعطاه مكتسبا ان جعله يسكن المدينة الجامعية. حيث كانت سكنا طلابيا، لا يحصل عليه الا اصحاب السلطة و المنتسبين لحزب البعث واعوانه…
في السكن الجامعي تغيرت حياة حازم، وهناك تعرف على أجواء جديدة مختلفة كليا عن الشباب الإسلامي في شقق المساجد سابقا. إنه هنا بين طلبة اغلبهم غير منتمي والبعض يحمل الفكر الشيوعي. في السكن الجامعي التقى بابن قريته وصديقه بالمدرسة جمال، الذي كان قد فارقه منذ الطفولة متنقلا مع والده الضابط الى الجولان الذي أصبح محتلا. وكذلك تابع علاقته بالهام لانهما يدرسان فرع الحقوق. وكذلك تعرف على آخرين وسرعان ما كان واحدا منهم يحمل معاناته السابقة وحبه وإصراره أن يصنع حياتا أفضل وتكون البداية بالتفوق الجامعي…
اقترب اكثر من أجواء شلّة جمال وأصدقائه الذين يحملون اغلبهم فكرا ماركسيا شيوعيا. وكانت حياتهم منفتحة. مختلطة صبايا وشباب. وكان أغلبهم له علاقة حب بين الشباب والصبايا. ينتظرون الفرص السانحة ليعيشون علاقة جسدية مفتوحة. وكانوا يشربون الخمر ويسهرون يغنون للشيخ إمام اشعار احمد فؤاد نجم و يحلمون بالثورة…
كان لإلهام ابن خالة يحبها وتحبه ويخططون أن يتزوجوا مستقبلا. لكن الانسجام بينهم كان معدوما. ابن خالتها متسلط وهي وجدت بشلة جمال بديل عن حياتها السابقة. وهكذا بدأت تعمل لطرد ابن خالتها من حياتها. نجت، لكن بعد تجربة إذلال حيث اغراها ابن خالتها بوعد حب وزواج هني وجعلها تشرب الخمر واغتصبها وفض بكارتها، وتخلى عنها بعد ذلك…
زاد امل حازم باستعادة الهام إليه بعد ابتعادها عن ابن خالتها، لكنها وجدت جمال حبيبها المطلوب مع الشلة الجديدة، وتطورت علاقتهم. ووصلت إلى الممارسة الجنسية. وحتى تزوج جمال وإلهام بعد ذلك حيث علم حازم بذلك ففقد الأمل بإلهام يئس من حبه زادت معناته، انكفأ مبتعدا عن المجموعة بالكامل وقرر أن يتفرغ للدراسة فقط…
في الجامعة تعرف حازم على زميلته منى التي طلبت مساعدته وساعدها. و ليكتشف بعد ذلك انها زوجة احد كبار ضباط المخابرات. حيث تعرفه على حازم وتدعمه عنده، ومن ثم جعله يتقدم متطوعا في سلك المخابرات بعد حصوله على شهادة الحقوق. وهكذا أصبح حازم ضابط مخابرات، وتغيرت حياته كليا…
لقد أصبح حازم مالكا مفاتيح السلطة والمال والسطوة والنساء. وداستمر وفيا لمنى التي فتحت له باب المجد…
في عمله ضابط مخابرات أعاد حساباته مع الحياة كاملة. حيث حاسب ذلك الذي اضطهده في طفولته واعتدى عليه و اغتصبه. وانتقم منه شر انتقام. كذلك انتقم من ذلك الإقطاعي الذي أكل تعب والده واعتدى على امه، أودعه المعتقل سنوات بتهمة مساعدة الاخوان المسلمين. وعندما خرج من المعتقل، جاء الى حازم في حفل خروجه من السجن وقدم له فروض ولاء الطاعة ومات بالسكتة القلبية أثناء الحفل…
وكان اقسى عقاب من حازم تلقاه جمال الذي سرق الهام حبيبة جمال وكان مصيره الاعتقال له ولاغلب التنظيم الماركسي الذي كان ينتمي إليه. لقد اعتقل وعذب واعتقلت الهام ايضا وهددوه أن يقدم ما لديه من معلومات أو تغتصب امامه. لكنه يقرر الموت على ان لا يعترف. ويوجد ميتا في زنزانته…
لا يعترف على رفاقه…
هكذا ينتصر جمال المناضل على حازم المخابرات…؟!.
يموت دون تقديم معلومات…
هنا تنتهي الرواية.
في التعقيب عليها اقول:
نجحت الرواية إلى حد كبير في استرجاع الوضع الاجتماعي السياسي نسبيا في سورية، حيث كانت سورية وعبر عقود جمهورية قمع واستبداد واستغلال، وتفاوت اجتماعي واقتصادي. بلد المظلومية المجتمعية في القاع ومن السلطة ومن ينتمي إلى ملكوتها في الاعلى بكل جدارة…
تغوص الرواية عميقا في التشكيل الحزبي السياسي الذي عاشته سورية، عبر نموذج السبعينيات والثمانينيات ممثلا بالاسلاميين اخوان مسلمين وكذلك الطليعة مقاتلة، والمآل القاسي الذي اصابهم واصاب سورية معهم. اعتقال، قتل بالالاف و تدمير مدن . رغم أن ذلك لم يذكر بهذه الدقة. وكذلك تحدثت الرواية عن إعتقال بعض الأحزاب الماركسية في التسعينيات. مع أن النظام السوري المستبد لم يتوقف عن قمع واعتقال وسجن التيار الوطني الديمقراطي السوري منذ استلام البعث السلطة عام ١٩٦٣م حتى الآن عبر اكثر من خمسين عاما…
ما لم تذكره الرواية البعد الطائفي العلوي للنظام السوري. حيث اعتمد حافظ الأسد ومنذ استلامه السلطة بشكل مطلق عام ١٩٧٠م في سوريا وقبل ذلك ان يجنّد العلويين في الجيش والأمن ومن ثم جعلهم في صلب الدولة والسلطة السورية. ونحن هنا نثبت ذلك لكونه حقيقة تاريخية ، مع التأكيد على أننا لا ندين طائفة كاملة، العلويين جزء من الشعب السوري ومنهم المعارضين للنظام في السابق والى الآن.
مهم توضيح ذلك في رواية تحاول أن تقدم سجلا لتاريخ سورية عبر عقود ولو بشكل مكثف …
كما أن الرواية الصادرة هذا العام ٢٠٢٤م. تتوقف عند تسعينيات القرن الماضي. وكأنها تحاول أن تقدم شهادة الكاتب عن تلك المرحلة، وكأنه شاهد عليها ومشارك بالحدث فيها. لكن بعد نهاية الحدث الروائي بعقدين تقريبا. حصلت ثورة السوريين عام ٢٠١١م. والتي خرج الشعب كله ضد النظام المستبد تطالب بإسقاطه وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية ومحققة الحرية والكرامة والعدالة والحياة الأفضل لكل السوريين. وما حصل مع هذه الثورة وما آلت إليه سورية، وكيف تكالب النظام وحلفاؤه على الشعب السوري وصمت العالم عن أكبر مذبحة وتشريد طال السوريين واكبر تدمير من نظام مستبد وحشي لبلاده في العصر الحديث…
نحتاج أن نرى مزيد من الروايات تروي ما حصل من مآسي بحق سورية وشعبها…
ان كل ما ذكرته مما يجب أن يقال لا يعني ان هناك خللا في الرواية بل نرى ما كنا نأمل ان يتم الحديث عنه…
رواية “أحقاد رجل مرهوب الجانب” للروائي السورية “منصور المنصور” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الرواية تبدأ احداثها في عام ١٩٥٨م بسورية. وتنتهي في تسعينيات القرن نفسه، لتغطي عقود من متابعة حياة شخصياتها الروائية المركزية وضمنا تغطي ما حصل في سوريا في تلك الفترة مجتمعيا وسياسيا وعلاقتها مع العالم.