محمد عبد السلام طكو كاتب سوري من ادلب، منتمي للثورة السورية، له كتابات شعرية وقصصية عديدة.
٣٦ ساعة في خان شيخون رواية تعتمد أسلوب الكتابة بصيغة المتكلم على لسان الشخصية المحورية فيها احمد.
تبدأ الرواية عندما يصل أحمد الشاب الدمشقي الى بلدة خان شيخون في محافظة إدلب، يبدو أنه هارب من مناطق سيطرة النظام. إلى مناطق سيطرة الثوار. وصل الى البلدة وجدها شبه مدمرة، الناس المتبقين فيها قلائل، الأنقاض والحفر ودوي الصواريخ والقنابل، والطائرات الحربية والمروحية ترمي قنابلها والبراميل المتفجرة وتدمر المزيد من البلدة وتقتل المزيد من أهلها. وصل أحمد إلى مسجد شبه مدمر واستلقى به يرتاح من تعب طريق طويل. جاء إلى الجامع أحد الشباب من أهل البلدة، وجد احمد، انه من شباب الدفاع المدني أصحاب الخوذ البيضاء، حدّثه عن البلدة و عمله و أسرته زوجته المعلمة وابنته الصغيرة “سورية”. كما حدثه أحمد عن نفسه أنه من دمشق وأن عائلته قد تشتت بعد الثورة السورية ووقوع الشعب السوري ضحية القتل والاعتقال والسجن، وتدمير كثير من البلدات والمدن السورية. وان امّه غادرت إلى الأردن بحثا عن أمان افتقدته في دمشق. وان اخويه قد هربا بالبحر الى أوروبا فغرق أحدهم ووصل الآخر إلى ألمانيا. أما هو فقد قرر أن يستمر بالعيش في دمشق دون أن يكون له أي علاقة لا مع النظام وجيشه وأمنه وشبيحته، ولا مع الناشطين الثوريين. قرر أن يؤثر السلامة، لكن النظام في مناطق سيطرته لم يعد يقبل ان يكون احد على الحياد وأخذ يضيّق على الناس والشباب، لذلك قرر أحمد الهروب من دمشق إلى مناطق الثوار في إدلب.
رحب به خالد واكرمه واطعمه وقدم له سبل العيش على بساطتها، اشعر احمد خالد بالامان وانه بين أهله، واقترح عليه أن يعمل مع فريقه في الدفاع المدني، ويؤمن لقمة عيشه. قبل احمد ذلك وبدأ عمل احمد مع خالد وفريقه، في الإسعاف ورفع الانقاض وإنقاذ الناس بعد كل قصف وسقوط للبراميل المتفجرة.
لم يدم الحال هكذا طويلا، فقد تبين أن أحمد مرسلا من قبل النظام مخبرا في مناطق الثوار. حيث اتصل به الضابط المسؤول عنه ليطلب منه تحديد مواقع الكثافة السكانية في البلدة وهو رفض أن يعطي المعلومات المطلوبة وقطع الاتصال. لكن خالد سمع المكالمة وعرف ان أحمد مخبرا ويجب محاسبته عن خيانته. اعترف أحمد بأنه مرسل من النظام، لكنه طلب من خالد أن يقصّ حكايته عليه اولا، وبعدها ليفعل به ما يشاء.
احمد من دمشق لم يكن يحب النظام، كما أنه لم يكن منتميا للثورة التي حصلت في ربيع ٢٠١١م. كان رماديا، من أصحاب نظرية ليس لي أي علاقة. قرر أن يعتزل أي عمل يؤدي لأي شبهة من جهة النظام. حيث بقي يعيش في دمشق حيث سيطرة النظام. امه هربت للاردن واخويه هربا بالبحر الى اوروبا احدهم غرق والآخر يعيش غربة ووحشة في المانيا.
داهمت منزله دورية أمنية واعتقلته. لم يستطع الاعتراض، توجهوا بالضرب والاساءة له منذ اللحظة الأولى حتى وصوله إلى احد الفروع الأمنية الكثيرة في دمشق. زجّ به في زنزانة أشبه بـ مرحاض قذر و عومل بقسوة ثم نقل ليكون مع آخرين في مهجع وبعد ذلك اخذ للتحقيق، حيث واجهه ضابط وعناصر بالضرب والشتم. مطالبين إياه بالاعتراف على المخربين الذين يعمل معهم؟ ، ومع أي دولة معادية يعمل؟ . لم يكن امام احمد الا الإنكار، فهو بريء من كل التهم. لكن المحقق وزبانيته لم يقبلوا بإنكاره. قاموا بتعذيبه بالشبح والصلب على الحائط والتعليق بالكبل والضرب والصفع واستعمال الأدوات الحادة وحتى صعقه بالكهرباء. استمر ذلك على أسابيع، وأحمد يزداد حاله سوءا ويزداد التعذيب قوة وقسوة. وهم يطالبون بتقديم معلومات هو لا يمتلكها. لقد شاهد القتل العلني لكثير من المعتقلين، قطع الأعضاء والصلب واغتصاب النساء وتعذيبهنّ.
وصل أحمد الى مرحلة اليأس المطلق واستجاب للضابط المسؤول انه سيعترف، ولكن لم يعرف ماذا سيقول. خف التعذيب وأعيد التحقيق معه، وقدم ذات الافادة بانه لا يملك أي معلومة لكنه مستعد أن يخدم النظام بأي أمر مهما كان وبأي شكل. وهنا بدأ الضابط بتأهيل احمد ليكون أحد أدوات اختراقه للثورة والثوار، لقد كان كل ما حصل معه مقدمة لذلك.
لقد تم التحدث معه وآخرين مثله ان يخترقوا قوى “الإرهابيين وعملاء الصهاينة والاستعمار” على حد تعبير المسؤولين الأمنيين. في تسمية الثوار. وبدؤوا تأهيلهم بدورات مختلفة. اولها واهمها إرهابهم. لقد حضروا فيديوهات اعتقال وقتل وتعذيب اسوأ مما عاشوه. ضمن رسالة مبطنة هذا نحن وتعرفون ما مصيركم إن لم تلتزموا بالمهمات الموكلة لكم. ثم دورات تأهيل سياسي وعبادة الاسد الاب والابن وحفظ أقوالهم وترديدها ومناقشتها. حيث المحاضرات السياسية والأناشيد ايضا، ضمن عملية غسل دماغ مدروس. ثم تأهيل ديني حيث أحضر لهم كتب دينية محددة ومشايخ محاضرين، ومواظبة على الصلاة، كتب فقه وحديث وحفظ بعض أجزاء القرآن، وكتب عن الفصائل المسلحة وافكارها واختلافاتها. تحفيظ وحوار ومناقشات وجدل وتقوية ملكة الفهم والتفاهم والدراية حول كل ذلك. ثم بعد ذلك أحضر لهم ممثل مشهور من مناصري النظام. أعطاهم محاضرات عن التمثيل وعلمهم كيف يتقنون أدوارهم وقاموا ببعض المسرحيات المحاكية للواقع الفصائل والتفاعل والصراع والجدل بينها. كما عاشوا في أجواء من البطش والبحبوحة وحتى بعض المتع الجنسية المسروقة من المعتقلات اغتصابا امتهانا وهدرا، تعامل معهم بشكل قاسي ومرة ليّن. اعطوهم الإحساس بأنهم تحت السيطرة وأنهم ضحية حضور كلي للنظام وكأنهم آلهة على الأرض.
وعند انتهاء التأهيل تم تخدير احمد ورميه في احد المناطق ومعه هاتف يصله من خلاله أوامر الضابط المشغل له يأمروه بما يجب أن يفعل. علم ان احد الذين كانوا معه في دورة التأهيل أصبح قائد فصيل محسوب على الثوار، وكان له دور كبير في الصراع الداخلي بين الفصائل. وتزايد الفصائل المتطرفة دينيا والنازعة لأعمال ارهابية، والبعض أصبح يمتهن السرقة والنهب والخطف والتعفيش والتعدي والقيام بأعمال تفجير واغتيالات وكلها محسوبة انها من فصائل الثورة السورية.
تحرك احمد وفق توجيهات مشغله الى مناطق سيطرة الثوار على مناطق الثوار، حيث وصل مورك في ريف حماه، ومن هناك بعثوه الى خان شيخون في محافظة ادلب. واستقبله خالد وساعده وعمل مع الإسعاف المدني واتصل به الضابط المسؤول وطلب منه أن يحدد المناطق ذات الكثافة السكانية. ورفض ذلك وقرر ان يقطع علاقته به، وانه لن يخون عذاباته ولا تضحيات الناس ولن يكون عبدا يخدم النظام الذي يقتل الشعب كل الوقت. لكن اكتشاف خالد له وتهديده بقتله واعترافه له بما حصل معه. جعل خالد يرأف بحاله ويقرر إبعاده من البلدة وليذهب حيث يشاء. لكن طائرات النظام تسبق خروج أحمد حيث تلقي براميل متفجرة تحوي غازات كيماوية سامة. تلقيها على خان شيخون حيث يموت الكثير من أهلها ومنهم خالد وزوجته. وتبقى ابنتهم سورية التي يسلمها خالد الى احمد امانة يحافظ عليها.
يحافظ احمد على سورية ابنة خالد ويقرر أن يستمر معها بالعيش داخل سوريا مقاوما العدوان والهجرة وتفريغ سوريا من اهلها.
هنا تنتهي الرواية.
في التعقيب عليها نقول:
اننا امام رواية متميزة بموضوعها الذي تتحدث عنه، وهو اختراق النظام الثورة السورية من داخلها. عبر عمليات تأهيل وتدريب علمي ممنهج أدّت فعلا لعمل تخريبي في الثورة السورية. جعل ظهور القاعدة وداعش وغيرهم من المتطرفين في سوريا وخاصة في مناطق الثورة أمرا حتميا. استخدمه النظام ليؤكد كذبته عن أن ما يحصل في سوريا اعمال ارهابية وليس ثورة. وادى ذلك لاستدعاء التحالف الدولي للقضاء على داعش. وضربت الثورة، ودعمت الب ك ك الكردية وال ب ي د الإرهابيين، يتحركوا في دعواهم الانفصالية، وصمت العالم عن النظام. وكان كل ذلك خشبة خلاص له.
نعم ثورتنا وقعت ضحية عدم نضج الثوار وتخطيط النظام لكسرها ودعم حلفائه له الروس والايرانيين. والصهاينة والامريكان كل يعمل لمصلحته. وبقي الشعب السوري الضحية واليتيم صاحب الحق المهدور في أرواحه وأمواله وكرامته وحقوقه…
٣/٢/٢٠٢٢م.
رواية “٣٦ ساعة في خان شيخون” للروائي السوري “محمد عبد السلام طكو” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي للكاتب “احمد العربي” الرواية تتحدث عن شاب دمشق يصل الى بلدة خان شيخون التي كانت تحت سيطرة المعارضة ليندهش عن التدمير والخراب الذي لحق بها، تم إستخدامه من أمن النظام للتجسس على المعارضة.