قراءة في كتاب: مصر إلى أين || ما بعد مبارك وزمانه

أحمد العربي

محمد حسنين هيكل رجل غني عن التعريف ، نستطيع القول أنه شاهد على القرن العشرين بكل ما فيه، كان في صلب الصحافة وما تعنيه من تماس مع السياسة، وبعد ثورة تموز 1952 في مصر ، صار في صلب السياسة العالمية بحكم وجوده بجوار الرئيس جمال عبد الناصر، كان شاهدا على سقوط فلسطين بيد الصهاينة كمراسل حربي في فلسطين 1948،وشاهدا على ثورة محمد مصدق في إيران ، وثقها في كتاب ايران فوق بركان، وشاهد على الحروب العربية الإسرائيلية 1948, و1967 و1973، وارخ لهم في رباعية موسوعية ، أرّخ للمفاوضات السرية بين العرب واسرائيل في ثلاثية مهمة، وكتاب خريف الغضب عن السادات، وكتاب عن الثورة الايرانية :مدافع آية الله، وكتاب عن حرب الخليج ، غير متابعته المباشرة بمقالات كثيرة وكتب اخرى متنوعه، انه كنز معرفي لن تتوقف الأجيال عن الغرف من معينه.

.الكتاب عبارة عن مجموعة مقابلات تلفزيونية وصحفية من بداية الثورة المصرية ٢٠١١م وبعد مضي سنة عليها.

 أولا: الأسباب العميقة للثورة المصرية.

هيكل يتحدث عن مجموعة الظروف التي أدت للثورة، من استعصاء سياسي سببه استمرار حكم حسني مبارك لخمس فترات انتخابية، ومشكلة التوريث لولده جمال التي كانت أمرا واقعا ، سواء من خلال وجوده كمؤثر مركزي في الحزب الحاكم ، او من خلال تحكمه في الوزارة، واستعصاء اقتصادي يظهر به تحكم مبارك والعصابة المحيطة به في مصر ومقدراتها، وان البلاد تعيش في حالة (حافة الهاوية الاقتصادية) ، مديونية داخلية تصل لأكثر من مئتي مليار دولار، و مديونية خارجية تتجاوز اربعين مليار دولار، وان تشغيل الأموال تستهلك أكثر من عشرين بالمئة من الإنتاج الوطني، والبطالة وصلت لحوالي عشرين بالمئة، وفساد مستشري سماه هيكل دولة الفساد وليس فساد دولة، الفساد مقوْنن بحيث تم تحويل الدولة وفق قوانين على قياس الحاكم وعصبته ، لتبرير الوكالات الخارجية والخصخصة، التي حولت البلد مملوكة لناهبي البلد، وتوجت بشراء أرض الدولة بأبخس الأثمان ، اقتصاد على حافة الافلاس يحل مشكلاته بمزيد من القروض، تزيد من غرق البلاد وفرض القيود والالتزامات عليها، و التي تلغي الاستقلالية و تؤكد التبعية وتصادر القرار الوطني، وتصبح مصر دولة ترتبط بمعاهدات تضرب الأمن الوطني المصري مثل معاهدة كامب ديفيد مع “اسرائيل”، و تبرم عقود اقتصادية كعقد الغاز مع “إسرائيل” الضار بالمصلحة المصرية. كانت الدولة شبكة من المصالح على رأسها مبارك وعائلته (تقدر أمواله باكثر من خمسين مليار دولار)، وشبكة مصالح مع  دول الخليج والغرب و(إسرائيل)، السلطة المصرية التي كانت تبيع مواقفها السياسية، مما أدى لتحجيم مصر وألغت دورها العربي والإفريقي والعالمي، فهي صامتة عن ما يحدث في فلسطين وغزة وجنوب لبنان والعراق، وأصبحت عماد سياسات أمريكا وإسرائيل في المنطقة، وفي مصر اصبح الشعب يرزح تحت حدّ الفاقة والحالة الاقتصادية المتردية و تشرده في العالم باحثا عن اللقمة .

ثانيا: الأسباب المباشرة للثورة المصرية.

يتحدث هيكل عن الأسباب المباشرة للثورة ، أولها التقدم العلمي والتكنولوجي والاتصالات والفضائيات وعصر الانترنت، وثانيها شجاعة واندفاع الشباب في مواجهة الخوف ، وان كل الأسباب الموضوعية السابقة دفعت للثورة وجعلتها ممكنة وحصلت واسقطت حكم مبارك.
وعند الحديث عن واقع الثورة ميز هيكل بين ثلاثة أطراف في الثورة:
1.الجيش وقال ان الجيش بالبنية والدور مفترض انه حامي الدوله خارجيا و راعي الدستور داخليا ، واكد ان الجيش المصري كان مهمشا بقرار سياسي ، ضمن مقولة لا حرب بعد حرب 73 ، وهذا قرار استراتيجي أعاد مصر لتقبل كل ما يحصل معها وجوارها وخاصة من “اسرائيل”، وكانت مصر ضحية معونة الامريكان ، اكثر من مليارين دولار نصفهم دعم عسكري حول الجيش لمجرد قوة بلا أي دور، وان الجيش عندما مسك الحكم مؤقتا كان مسكونا بهاجس أنه بحاجة لحل سريع، وتعود الامور لما كانت عليه بتبديل رئيس برئيس، وكانوا مستعجلين مع العلم انهم مشتركين مع سلطة مبارك – لكونهم جزء من الدولة – بكل موبقات الماضي ومآسيه.

2.والطرف الثاني هم الثوار الشباب، وكون الثورة بأنها ثورة للحرية والعدالة والتقدم، وان هؤلاء الشباب دون قيادة، ودون تنظيم ودون فكر مركزي يؤسس ويوجه، وهناك ايضا الحالات السياسية السابقة على الثورة (أحزاب وغيره) بحضورها، الرمزي لليسار، والفاعل للاسلاميين وبعض الحركات الشبابيه، وكلها لا تمتلك الرؤيا المستقبلية ولا تعرف ما الذي تريده بالضبط ؟،وكيف تصل إليه ؟. لذلك كانت الحاله السياسية في سيولة كبيرة والكل يتحرك ويعبر، وأصبحنا امام استعصاء تعدد الرؤى والتعبير عنها بالحركة في الشارع من الشباب والقوى السياسية السابقة التي صارت جزء من الثورة اضافة للجيش.

.3.لا تكتمل الصورة دون الحديث عن من قامت الثورة ضدهم، فالثورة لم تصنع شرعيتها ، ولم تقم بعملية محاسبة وتطهير مطلوبة في كل ثورة، فالمحاكمات كانت وفق قوانين قامت الثورة ضدها ؟!!، حوكم الرئيس وفق قانون هو واضعه ليحميه ؛ وليس على سياسات دمرت البلد سياسيا واقتصاديا وكدور ومستقبل، سواء بنهب الاقتصاد او ارتهان السيادة للخارج امريكا واسرائيل ، لقد استقر الوضع لكل اركان الحكم السابق كل في موقعه ومنصبه، بدؤوا يستوعبوا الصدمة ويتحركون  وحلفاؤهم ليعيدوا الكرة ويتصرفون ويعيدوا الحكم لما كان عليه ولكن بشكل وواجهة جديدة.

4.لقد أخذ حراك الاطراف على الارض بوعي من أركان النظام السابق وبغير وعي من أطراف الثورة، كان المطلوب ان يكون هناك جردة حساب للشعب عن المرحلة السابقة وكل رموزها وكل الأفعال التي قامت بها داخليا وخارجيا، يجب أن يعرف الشعب وشبابه على ماذا ثار وماذا يريد وكيف يصل إليه، كل هذا غيّب.

5.حصل حراك موتور ومتواتر للتقدم بأي صيغة للحل ، طرح أن يكون هناك مجلس رئاسي وأمناء للشعب المصري يقود المرحلة الانتقالية ولم يتم التجاوب .

.6.طرحت فكرة التعديلات الدستورية .رغم أن الدستور بحاجة لتغيير كامل، وعمل على دستور جديد انتج بشكل غير توافقي زاد البلبلة والصراع، ورفض البعض الدستور، وعمل على موضوع الانتخابات النيابية ، لتؤسس للشرعية، وحصلت والغاها القانون الذي من المفترض أن الثورة قامت عليه لالغائه ،  وعملوا على انتخابات الرئاسة وحصلت وكانت استقطابا جديدا وتباعدت الأطراف ودخلت البلاد في حالة من الضياع.

.7.عند هذه المرحلة ينتهي الكتاب وعند الجواب عن السؤال ما العمل.؟!، يقول هيكل هي مهمة الشباب الذين قاموا بالثورة عليهم ان يجيبوا على ماالعمل؟، وقدم خريطة للواقع الذي يجب مواجهته، واقع يجب أن يعرف به كل ما يتعلق بالدولة والمجتمع والارتباطات الخارجية والحقائق الاقتصادية ، والقيود على الدولة والمجتمع، وأن الجيش ليس شريكا بالحل بل راعيا له، وان البدء يجب ان يكون من تأسيس مجلس يرعى تشكيل دستور توافقي،  وماينتج عنه من تعديلات في القوانين ، يؤدي للوصول الى مجلس نيابي منتخب، وبعدها الى انتخابات رئاسية ، في دولة برلمانية رئاسية، السلطة الفعلية للبرلمان ولحكومة الاغلبية والرئيس فخري.

.8. مالم يقله الكتاب أن الصراع بين الثوار والجيش سيجيّر ليكون بين الثوار أنفسهم، من استلم الحكم ؟، ومن صار معارضة؟، وليغير هذا الصراع من وجهه السياسي ، ليصبح اجتماعي عقائدي وجودي، (علماني إسلامي) ليتطور بفعل فاعل ليصبح (مجتمع ضد الإرهاب)، ولتدخل مصر ضمن حلقة جهنمية من الصراع الأهلي.

9.ما لم يقله الكتاب أن النظام السابق الموجود اصلا بكل مفاصل الدولة، والمدعوم دوليا وعربيا و”اسرائيليا” بالمال وبكل الوسائل ، سيتحرك ليلغي الثورة، و يشيطن بعضها (الإسلاميين) و يحولهم لإرهابيين ويطاردهم في الشوارع ويقتلهم تحت نظر العالم ومباركته، وليأخذ بعض العلمانيين لطرفه وجوها لاستهلاكها إعلاميا ، تندد بالإسلاميين وتبارك قتلهم، وتمارسه مع الداخلية العائدة بمليون من البلطجية والشرطة السريين، تقتل وتحرق وتزرع الفتنة في كل مصر ، ولا تنسى اجندتها قبل الثورة :خلق الفتنة الطائفية وبدأت بحرق الكنائس، والاعتداء على الأقباط.

10.مالم يقله الكتاب أن الشعب المصري خرج لحريته ، قد يكون جاهلا بحكم الواقع لكنه يتعلم بدمه، قد يتوه جزء من الطريق، لكنه لن يتوه كل الطريق. وانه خرج من أجل الحريه والعدالة والتقدم والديمقراطية، وطالما انه لم يحققها فهو مستمر بثورتة.
نعترف ان الردة على الثورة انتصرت في جولة.
المهم نهاية الحرب. مصر منصورة بثورتك الرائعه.
..
.18.8.2013

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كتاب “مصر إلى أين || ما بعد مبارك وزمانه” للكاتب والصحفي المميز “محمد حسنين هيكل” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الكتاب مجموعة مقابلات تلفزيونية وصحفية من بداية الثورة المصرية ٢٠١١م وبعد مضي سنة عليها. أولا: الأسباب العميقة للثورة المصرية، ثانيا: الأسباب المباشرة للثورة المصرية. مالم يقله الكتاب أن الشعب المصري خرج من أجل الحريه والعدالة والتقدم والديمقراطية.

زر الذهاب إلى الأعلى