المجلة” تنشر وثائق عبدالحليم خدام عن الأيام الأخيرة لرئيس الحكومة، تتضمن أنه “زوّر توقيع الرئيس وأخذ 65 مليون دولار من حساب الدولة”
يروي نائب الرئيس السوري الراحل عبدالحليم خدام تفاصيل جديدة عن الأيام الأخيرة التي سبقت انتحار رئيس الوزراء محمود الزعبي في مايو/أيار 2000، بعد إقالته من رئاسة الحكومة بأسابيع.
وتكشف الأوراق التي حملها خدام معه من دمشق إلى باريس 2005، وحصلت “المجلة” على نسخة منها، حوارات ساخنة في قيادة حزب “البعث” الحاكم قبل تكليف الزعبي برئاسة الحكومة عام 1987 والسبب الحقيقي لانتحار الزعبي، حسب اعتقاد خدام الذي يقول: “قبل الانتحار بثلاثة أيام، دعانا الرئيس إلى منزله، أنا و(الأمين العام المساعد للقيادة القومية لحزب البعث) عبد الله الأحمر، و(الأمين القطري المساعد للحزب) سليمان قداح، و(رئيس مجلس الشعب) عبد القادر قدورة، و(وزير الدفاع) مصطفى طلاس. وكانت علامات التعب بادية على وجهه، وبدأ الحديث قائلا: لقد خانني محمود الزعبي؛ حققوا معه وحاسبوه”. وتنشر “المجلة” مقتطفات من أوراق خدام التي تشكل روايته، وليست وثيقة تاريخية محققة:
في بداية نوفمبر/تشرين الثاني 1987 اجتمعت القيادة القطرية لـحزب البعث الحاكم، في القصر الجمهوري لإجراء تعديلات في حكومة الدكتور عبد الرؤوف الكسم.
يعود تسلم الكسم رئاسة الحكومة إلى 1980. وقتذاك، بعد انتهاء المؤتمر القطري في بداية العام، كان التوقع لدى أعضاء القيادة إعادة تكليف محمود الأيوبي بتشكيل الوزارة “لأنه كان الأفضل بين الذي استلموا رئاسة الوزراء أو بين أعضاء القيادة القطرية الجديدة، بالإضافة إلى نزاهته”، حسب اعتقاد خدام، الذي يضيف: “لكن في أول اجتماع للقيادة القطرية لاختيار رئيس الوزراء طرح الأسد مباشرة اسم الكسم وقد فوجئنا جميعا بذلك الترشيح وعندما حاولنا المناقشة أجاب الرئيس حافظ: أنا أرى أنه كفء ولا حاجة لإضاعة الوقت بالمناقشة وهكذا طويت صفحة محمود الأيوبي”.
الكسم للأسد: أنا أخطئ كما تخطئ أنت
أثناء مؤتمر الحزب في نوفمبر 1987، كان “جو القيادة معبأ ضد الكسم وكان الانطباع لدى الأعضاء أن الرئيس حافظ متمسك به، وكنت من بين الذين يعملون على إقصائه. الأسد يعرف هذا الجو في القيادة، وكعادته بدأ بحملة ناقدة للدكتور الكسم وكانت شديدة إلا أنه ختمها بعبارات إيجابية، وقال: أنا واثق أن الدكتور الكسم سيغير أساليب عمله بما لا يسمح بتكرار الأخطاء التي يتحدث عنها أعضاء القيادة القطرية. وهنا طلب الدكتور الكسم الحديث، وتوجه بكلامه إلى الرئيس الأسد قائلا: كل منا يخطئ أنا أخطئ كما تخطئ أنت. ما كاد ينهي كلامه حتى تغير وجه الرئيس حافظ، ورد عليه بعنف، قائلا: في الواقع أنت لا تستحق أن تكون رئيسا للحكومة وكل ما قاله أعضاء القيادة عنك صحيح. أنت لا تصلح لأية مسؤولية وتوقف عن الكلام وساد القاعة صمت لبضع دقائق”.
تابع الأسد حديثه قائلا: “إني أقترح أن يشكل أبو جمال (عبدالحليم خدام) الوزارة”. يقول خدام: “أجبته على الفور: إننا في ظروف خارجية صعبة ومعقدة ليس من المصلحة العامة أن أترك الخارجية. بالإضافة إلى ذلك فإن الأسباب التي اعتذرت فيها عن تشكيل الحكومة سابقا لا تزال قائمة”.
ويضيف: “كان يجلس إلى جانبي العماد حكمت الشهابي. توجه (الأسد) إليه بالسؤال: ما رأيك يا حكمت… لكن المشكلة أن لديك مهام كثيرة في القوات المسلحة، وسأل (الأسد): من ترشح القيادة؟ خشيت أنا والأستاذ عز الدين ناصر الذي كان على يساري أن يتراجع الرئيس ويعيد الكسم وعندئذٍ سيكون من الصعب تحمله، فاقترحت الزعبي رئيس مجلس الشعب (البرلمان) وخلال دقائق تم تكليفه وشكل حكومته بتاريخ 1 نوفمبر 1987”.
خدام: كان الزعبي يتصف بالخبث، ويعرف من أين تؤكل الكتف، ويحرص على كسب ثقة الرئيس الأسد
صدر مرسوم من الأسد بتشكيل الحكومة برئاسة المهندس الزراعي محمود الزعبي والذي كان يشغل منصب رئيس مجلس الشعب، واستمر في رئاسة الحكومة حتى تاريخ 13 مارس/آذار 2000. بذلك تكون رئاسته للحكومة أطول مدة يقضيها شخص في هذا الموقع منذ تاريخ استقلال سوريا.
ويقول خدام: “كان الزعبي خلافا لكل ما كان يعتقده بعض الناس يتصف بالخبث، ويعرف من أين تؤكل الكتف. حرص على كسب ثقة الرئيس الأسد منذ أن كان عضواً احتياطياً في القيادة القطرية، ذلك أنه بعد أن ينتهي اجتماع قيادة الحزب، كان يلحق بالرئيس حافظ ويضع له في جيبه ظرفاً وهذا الظرف على ما كنا نتوقع كان يتضمن تقريراً فيه معلومات. وكان الرئيس حافظ في الواقع يهتم كثيراً بمثل هذه الأمور لا سيما فيما يتعلق منها بأعضاء القيادة أو أعضاء الحكومة”.
ويتابع خدام: “لكسب ثقة الرئيس، توجه نحو باسل الأسد (الذي توفي في حادث سيارة بداية 1994) والذي كان يعده الرئيس لخلافته وأصبح دائما يزور مكتب باسل مرتين أو أكثر في الأسبوع، كما كان ينفذ له كل طلباته بغض النظر عن كونها قانونية أم لا، ومنها ما كان يتعلق بالتوظيفات أو بالعقود. كما توجه إلى الشخص الآخر نسيب الرئيس حافظ، وهو محمد مخلوف (الذي توفي بعد إصابته بـ”كوفيد” في مارس 2020)، وكون معه علاقات قوية، ولم يمض يوم دون أن يلتقي الاثنان. وساهمت تلك العلاقة في تدفق وكلاء الشركات الأجنبية والمحلية إلى مكتب محمد مخلوف لتسهيل حصولهم على العقود”.
لقاء دوبا في غرفة الساونا
وإلى جانب كل ذلك، عمل الزعبي، حسب خدام، على إغلاق الأبواب الأخرى حتى لا يأتيه الريح منها “فأقام علاقات ودية مع بعض قيادات المنظمات الشعبية واستغل صداقته مع رئيس اتحاد نقابات العمال عز الدين ناصر كمدخل لإقامة علاقات ودية مع اللواء علي دوبا مدير الاستخبارات العسكرية، والذي كان يلتقي في معظم الأحيان مع عز الدين ناصر في قاعة الساونا بفندق الميريديان. و”كان الزعبي يأتي إلى القاعة بحجة الساونا للقاء اللواء علي دوبا، وعز الدين ناصر، ومع ذلك استمر اللواء علي دوبا في نقده لممارسات الحكومة وأخطاء الزعبي”.
ويشرح خدام الذي كان على خلاف مع الزعبي: “كان يختلف عن (سلفيه رئيسي الوزراء) محمود الأيوبي، وعبد الرحمن خليفاوي، بأن الاثنين احتفظا باحترام نفسيهما في التعامل مع الرئيس ومع أعضاء القيادة ورؤساء أجهزة الأمن، بينما كان الزعبي جاهزا للتفريط في كرامته إلى أبعد الحدود. كما اختلف عن محمد علي الحلبي، فالحلبي كان يخشى العميد رفعت الأسد، (شقيق الرئيس حافظ الأسد الذي حاول القيام بانقلاب في بداية الثمانينات، حسب اعتقاد واسع، وعاد إلى سوريا قبل حوالي سنتين) فيستجيب لطلباته ولكنه بقي نظيفا لم يتورط في أعمال الفساد. أما محمود الزعبي فقد انزلق ليس فقط في تسهيل الفساد وإنما مارسه. كما كان يختلف عن الكسم بأن الأخير جلب على نفسه أكبر كمية من الحملات بسبب مقاومته للفساد وحملاته على المتورطين فيه، بينما كان الزعبي يتعامل مع مسائل الفساد وكأنها من الأمور الطبيعية”.
في تلك المرحلة الطويلة من رئاسة الزعبي للحكومة، حسب أوراق خدام الذي كان وقتذاك نائبا لرئيس الجمهورية “تراجعت الأمور الاقتصادية وازدادت البطالة وعم الفساد مؤسسات الدولة وأجهزتها بما في ذلك القضاء والتعليم العالي، كما أن تحمل المسؤولية في كل المواقع الحكومية كاد ينعدم في سبتمبر/أيلول”.
ويتابع خدام الذي عين نائبا للرئيس في 1984 وبات مشرفا على الجانب السياسي للوجود السوري في لبنان: “على ما أذكر عام 1989 اجتمعت مع الرئيس الأسد لمناقشة قضايا تتعلق بلبنان وبعد أن أنهينا النقاش تعرضت للوضع الداخلي وسوء الأحوال وركزت على فساد السلطة وعلى فساد العقود التي تجريها الحكومة. لم يستثر الرئيس حافظ هذا الحديث ودافع عن الزعبي وعن حكومته، ومما قاله: من أين تأتي بهذه المعلومات والواقع غير ذلك، فالأمور جيدة ولكن هناك من يريد أن يشوش على النظام، فأجبته: من الوزراء الذين يشكون ضغوط الزعبي عليهم لتمرير أمور غير قانونية”.
في عام 1991 زار رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري خدام وبعد أن ناقشا الوضع في لبنان “تحدث (الحريري) عن الوضع الاقتصادي في سوريا وتساءل: لماذا لا تقدم الحكومة السورية على إجراء إصلاحات توقف الخلل الاقتصادي؟ وهل تسمحون لي أن أساعدكم في هذا المجال وأن أكلف مجموعة من الخبراء لدراسة الاقتصاد السوري وتقديم مقترحات؟ فأجبته: هذا الأمر يتطلب قراراً من الرئيس لتمكين الخبراء من الاتصال بالمؤسسات السورية للحصول على المعلومات اللازمة لهم بالدراسة. وعلى كل حال أطلب من الرئيس وأعرض عليه الاقتراح”.
وبالفعل، بعد فترة قابل خدام الرئيس حافظ ووافق على الاقتراح، “وأعطى تعليمات لرئيس الحكومة الزعبي لتسهيل مهمة الخبراء. وبعد أكثر من سنة ونصف أنهى الخبراء دراستهم ووضعوا تقريراً من خمسة أجزاء تناول دراسة جميع القطاعات الاقتصادية مع المقترحات لتطويرها وإصلاحها وفي إطار الخط العام لسياسة الحكومة الاقتصادية ودون وضع أفكار ومقترحات تتناول جذور السياسة الاقتصادية للنظام”. وقد قدم الحريري لخدام مجموعة من ذلك التقرير، كما أرسل إلى الرئاسة مجموعة كبيرة. يقول خدام: “قرأت ذلك التقرير وهو بالفعل شكل دراسة موضوعية تؤدي إلى وقف الانهيار وإنعاش الاقتصاد، ومع ذلك لم يقرأ أحد ذلك التقرير الذي بلغت كلفته ثلاثة ملايين دولار، وهذا يدل على هبوط مستوى الشعور بالمسؤولية بالإضافة إلى الجهل الذي كان سائدا في قضايا البلاد”.
عقد “إيرباص“
كان من العقود الهامة عقد شراء طائرات “إيرباص”، لقد كثر الكلام حول هذا العقد وحول مفاوضاته، فأقدم رئيس الحكومة على تشكيل لجنة برئاسته وعضوية نائب رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية سليم ياسين ومدير شركة الطيران السورية، واستبعد وزير النقل، متهماً إياه بالاتصال بالشركة الفرنسية للحصول على عمولة.
وبالفعل جرت المفاوضات وتم الاتفاق على العقد وقد عرضه رئيس الحكومة في اجتماع لمجلس الوزراء، فقدم وزير النقل الدكتور مفيد عبد الكريم مطالعة مطولة عن عيوب العقد وثغراته. كما أبدى الدكتور سليم ياسين ملاحظات جدية على العقد، ومع ذلك فقد أقر مجلس الوزراء العقد “بعد أن أوحى الزعبي للوزراء بأن الرئيس قد اطلع على العقد فأقره المجلس”، حسب قول خدام. ويضيف: “مر عليّ الدكتور ياسين وأبلغني بأن في العقد عيوباً كثيرة وأن رئيس الوزراء أصر على وجهة نظره والعقد سيكلف الدولة خسائر كبيرة. طلبت من الدكتور سليم ياسين طلب مقابلة الرئيس وشرح وجهة نظره. وبالفعل استقبله الرئيس في اليوم الثاني، وتحدث الدكتور سليم عن العقد وعن العيوب فأجابه الرئيس: سأتصل بمحمود لمعالجة الموضوع. كما أن الدكتور مفيد عبد الكريم أرسل دراسة خطية عن العقد إلى الرئيس. وفوجئت بأن العقد أخذ طريقه للتنفيذ”. بعد انتحار الزعبي (كما يرد لاحقا) ببضعة أيام تم توقيف سليم ياسين، وعبد الكريم، وأحيلا إلى القضاء، وتم الحكم عليهما بغرامة تفوق قيمة الطائرات، بالإضافة إلى سجن لمدة خمسة عشر عاما.
يقول خدام: “قبل انتحار الزعبي بثلاثة أيام دعانا الرئيس إلى منزله أنا وعبد الله الأحمر وسليمان قداح وعبد القادر قدورة ومصطفى طلاس، وكانت علامات الموت بادية على وجهه، وبدأ الحديث قائلا: لقد خانني محمود الزعبي، حققوا معه وحاسبوه. والتفت إلي وقال: كل ما كنت تقوله عنه وعن حكومته تبين لي أنه صحيح”.
يضيف خدام أن الأسد “لم يطلعنا على الموضوع الذي خانه فيه (الزعبي)، فتوقعنا أن يكون السبب قضية رشوة كبيرة. فقال سليمان قداح للأسد في الاجتماع الذي عقد في القصر: سنجتمع بالقيادة ونفصله من الحزب. وودعناه”.
وفي اليوم الثاني دعانا قداح للاجتماع في القيادة القطرية لحزب البعث لـ”أمر مهم”. وحضر كل الأعضاء ومنهم الزعبي فطلب منه قداح الخروج من قاعة الاجتماع لأن الموضوع يتعلق به، فبدأ بالخروج. كان جالسا إلى جانبي وسألني: “ما الأمر؟”. فقلت له: “الموضوع يتعلق بك، وبعد انتهاء الجلسة ستدعى إلى الاجتماع وسيبلغك الأمين القطري المساعد (قداح) قرار القيادة وأسبابه”.
بعد خروجه عرض قداح اللقاء الذي جرى مع الرئيس الأسد، وأن الأمر له علاقة بالفساد المتهم فيه رئيس الحكومة، واقترح طرده من الحزب وإحالته إلى التحقيق. وافقت القيادة القطرية على رفع اقتراح الطرد إلى القيادة القومية لأنها صاحبة الاختصاص وفق النظام الداخلي.
وبعد أن أنهينا الاجتماع تم استدعاء الزعبي وأبلغه قداح القرار، “فأصيب بالذهول وأخذ يردد: أنا ماذا فعلت؟”.
انتحار الزعبي
لدى الخروج من الاجتماع تقدم الزعبي من خدام وسأله: “ماذا فعلت؟”، فأجابه: “أنت مدعو للتحقيق والمحقق سيطلعك على التهم. دافع عن نفسك وإذا كانت تلك الوقائع متعلقة بغيرك كن جريئا واحكِ ما لديك من معلومات. وقال لي: إذا دعوني إلى التحقيق سأنتحر. فأجبته: لماذا الانتحار إذا كنت بريئا؟ ولم آخذ كلامه مأخذ الجد”، حسب خدام.
ويتابع: “في الساعة الثانية ظهراً اتصل بي الزعبي، وقال: أرجوك يا أبو جمال أن تبلغ الرئيس أني سأنتحر إذا أحلت على التحقيق. فكررت كلامي الذي جرى بيني وبينه بعد اجتماع قيادة حزب البعث، فكرر كلامه. فقلت له: إذا انتحرت ولم تشاهد غيرك ميتاً ارجع”.
ويتابع خدام روايته للأحداث: “بعد قليل اتصل بي العماد حكمت الشهابي، رئيس أركان الجيش، وأبلغني ما قاله له الزعبي، وخلاصته أنه طلب منه إبلاغ الرئيس بأنه سينتحر إذا أحيل للتحقيق، وقد أجابه العماد حكمت بنفس الكلام الذي سمعه الزعبي مني”.
وفي الوقت نفسه الذي طرد فيه من الحزب، سحبت السيارات من أمام منزله، فاتصل بهيثم الشهابي ابن العماد حكمت الذي كانت لديه وكالة سيارات، وطلب منه بيعه سيارة، فأرسل له السيارة كما ذهب إليه لأخذ ثمنها ولم تكن لديه القيمة الكاملة للسيارة، فوافق هيثم على قبول ما لديه.
في اليوم التالي، 25 مايو/أيار 2000، جاء قائد شرطة دمشق ومعه ضابطان لأخذ الزعبي إلى التحقيق، وعندما علم بالأمر صعد إلى الطابق الثاني في منزله وأطلق النار على رأسه وتوفي”.
لكن ما هي “الخيانة” التي تحدث عنها الأسد؟ يقول خدام: “بعد فترة وجيزة علمت أن الزعبي زور توقيع الرئيس حافظ وسحب من احتياطي الدولة مبلغ خمسة وستين مليون دولار، وكان احتياطي الدولة مسجلا باسم الرئيس حافظ الأسد، ولم يكن يخطر ببال أحد أن يكون الاحتياطي- وكانت قيمته آنذاك اثني عشر مليار دولار- موضوعاً بالاسم الشخصي لرئيس الدولة”.
ويوضح خدام: “تم اكتشاف جريمة التزوير بعد أن وصلت وثيقة إلى الرئيس حافظ تقول إنه سحب مبلغاً من المبلغ المودع باسمه في الخارج قيمته خمسة وستون مليون دولار، فاستغرب الأمر وطلب كتاب التحويل المرسل إلى البنك حيث الوديعة. وبعد أيام وصلت صورة الطلب، ولدى تدقيق التوقيع تبين أنه مزور وسئل البنك عن الجهة التي تم التحويل لها وتبين أنها عائدة لمحمود الزعبي. وهنا ثارت ثائرة الرئيس حافظ، فطلب من أحد رؤساء أجهزة الأمن استدعاء الزعبي وإنذاره بإعادة المبلغ وإذا لم يفعل سيعدم، وتم بالفعل إعادة المبلغ إلى المصرف، وهكذا طويت صفحة حكومة محمود الزعبي”.
المصدر: المجلة
AFP
الرئيس بشار الأسد يتوجه إلى المنبر لإلقاء أول خطاب له أمام البرلمان السوري في 17 يوليو 2000
لا بد من الإشارة إلى أن الزعبي عندما انتحر كان خارج الحكومة. وفي أوائل مارس 2000 تمت الدعوة إلى اجتماع مفاجئ في القيادة القطرية وتبلغنا بأن الرئيس الأسد “سيحضره”. ويضيف خدام: “توجهنا إلى قاعة الاجتماعات ثم جاء الرئيس وقد ازداد بياض وجهه وبان الضعف عليه وبدأ الحديث متعثرا بالكلام، وقال: أنا قررت أن أقوم بحركة تصحيحية؛ وضع الحكومة سيئ ووضع البلد سيئ”. فعلق خدام همسا في أذن الأسد الذي هو قريب منه: “منذ زمن نقول لك البلد بحاجة إلى حركة تصحيحية”، في إشارة إلى الانقلاب الذي قام به الأسد لتسلم الحكم في نوفمبر/تشرين الثاني 1970.
يقول خدام: “أجابني بنشافة: يا أبو جمال الحركة التصحيحية التي سأقوم بها هي غير الحركة التصحيحية التي تفكر بها أنت. هنا قلت له: ألم نتحدث بهذا الموضوع في ديسمبر/كانون الأول 1999، ونتفق على الخطوط؟ وكان إلى جانبي الكسم، وهمس في أذني: لا تجادله فهو تعبان. وبالفعل صمتّ. تابع الأسد حديثه وقال: سنغير الحكومة. ونسي اسم رئيس الحكومة الجديد، فسأل الدكتور سليمان قداح عن اسم المقرر تسميته رئيس حكومة، فأجابه قداح: محمد مصطفى ميرو محافظ حلب. وهنا أصيب أعضاء القيادة بالذهول لأن القيادة كانت قد اتخذت قرارا قبل أسبوعين بإعفاء محمد مصطفى ميرو من منصبه كمحافظ وإحالته إلى التقاعد”.
ثم جرى ذكر أسماء بعض الوزراء ولم يحاول أحد من أعضاء القيادة المناقشة.
وهكذا انتهت حكومة الزعبي ليصبح متفرغا في القيادة القطرية حتى انتحاره في 25 مايو عام 2000، أي قبل أسبوعين من رحيل الرئيس الأسد، وتسلم الدكتور بشار.
نظام طاغية الشام الأب وممارسته الإستبدادية والإرهابية، ذكريات وسيرة نظام الحكم واستبداد الطاغية، من محمود الزعبي وعبد الحليم خدام وعبد الرؤوف الكسم و… تظهر مدى الإستبداد والمزاجية للطاغية ووصمت الجميع أمام قراره ونفاقهم جميعاً تجاه الطاغية.