تهل علينا وعلى العالم العربي ذكرى عزيزة على قلوبنا جميعًا، إنها ذكرى الإعلان عن قيام دولة الوحدة في 22 شباط/ فبراير 1958، التي كانت دولة عربية واحدة بين مصر وسورية، تجمع ولا تفرق، وتدفع نحو الأمل المعقود على إعادة بناء صرح دولة الوحدة العربية.
وقد توقفنا مع بعض الشخصيات الوحدوية التي ما انفكت متمسكة بالحلم الوحدوي الأصيل، ضمن ظروف عربية غاية في التراجع والتفكك، بالتساوق مع حرب ضروس ضد أهلنا في فلسطين، ومع وجود أنظمة عربية لا تملك إلا الفرجة عما يجري.
السيدة ندى الخش الكاتبة والمناضلة الوحدوية قالت: “على إيقاع بن علي في تونس وهرب واستقالة مبارك في مصر وتباشير امتداد الربيع العربي اجتمعنا مجموعة من السياسيين في حلب احتفاء بنجاح الثورة في مصر إذ لايزال لمصر دورها وأثرها المتميز في عقول وقلوب الاقليم الشمالي كما لايزال بعضهم يعبر عن سورية كتعبير ضمني عن أهمية تلك الوحدة.
وبعد تبادل التهاني اقترح أحدهم اعتصام على ما أذكر في ساحة الجابري أو مكانًا آخر لم تعد الذاكرة تسعفني في اسمه يتم فيه رفع لافتات تؤكد أهمية الوحدة عندنا، وظهرت بعدها تباينات حول أي اللافتات سيتم رفعها.
فمناخ الربيع العربي يدفعنا لرفع لافتات تؤكد على أهمية التغيير، بل الشعب يريد إسقاط النظام، وليس لافتات تؤكد على أهمية الوحدة في ظل نظام البعث والذي لايزال يتاجر بالوحدة والمقاومة وتحرير فلسطين، وفي الوقت نفسه معظم الناشطين في الشأن العام داخل السجون وبعد تدميره لمدينة حماه تدميرًا كاملًا في ثمانينات القرن الماضي وأحياء في حلب وفي جسر الشغور.
مضمون هذا الحوار وتباين الآراء في حلب في ٢٠١١ كانت تعكس عمق الاختلاف في الرؤى العامة التي تخص قضايانا الوطنية وعلاقتها بقضية الوحدة كغاية للإنسان العربي في عموم المنطقة العربية” وأضافت تقول ” وتجرني إلى انتقاد جوهر السؤال المطروح. في ذكرى الوحدة كيف تنظرون الى مآلات الثورة القومية الديمقراطية وإلى أين المسير على طريق الوحدة العربية ضمن حالة العدوان المستمر على غزة والعجز العربي. وأقول: هل كان هناك ثورة قومية ديمقراطية في الوقت الذي تم فيه إقرار الوحدة عام ١٩٥٨ أم كانت مناخات انقلابات عسكرية ملؤها الأمل بمقدرة العرب على تحقيق استقلالهم ووحدتهم والتعبير عن هويتهم تأثرًا ورد فعل كان مستمرًا بعد انفصالهم عن الامبراطورية العثمانية وتتريك تركيا.
لم يكن للديمقراطية مساحة حقيقية في الاهتمام آنذاك بل كان هناك توجه لاعتماد الشمولية والمركزية نهجًا في النظام العربي تأثرًا بالاتحاد السوفيتي في مواجهة ما كان سائدًا بتسمية الإمبريالية الأمريكية والتي انتهجت الليبرالية والديمقراطية وتداول السلطة نهجًا في الحكم.
انجاز وحدة ١٩٥٨ تمت والروح القومية وأهمية التعبير عن الهوية العربية هي الخلفية لمثل هذه الخطوة. ولكن ولغياب الخطط الاستراتيجية التي تضعها نخب فكرية سياسية اقتصادية اجتماعية والتي تقدم الدراسات للسياسيين المستلمين الحكم والخلل في فهم احتياجات سورية والتي تختلف عن احتياجات مصر وتفاصيل إدارة دولة الوحدة آنذاك انهارت الوحدة وبقيت حلمًا وهاجسًا لدى الشعب العربي لكنه ومع العجز العربي الذي يبدو صارخًا في مقتلة الحرب على غزة بدأ يبتعد أكثر وأكثر.
فشل النظام العربي في ترسيخ نظام حكم ديمقراطي وطني ولايزال ينتهج نهجًا أمنيًا في التعاطي مع الشعب العربي دون إيلاء مصالحه الوطنية والوحدوية أي اهتمام سوى بالشعارات والتي بدأت تعطي آثارًا سلبية على تماسك هذه الشعوب فبدأت تظهر دعوات قومية انفصالية كالكرد والأمازيغ بل بدأت ملامح التقسيم تبدأ في اليمن وسورية بعد السودان والتي تشهد حروبًا أهلية طاحنة.
مقتلة غزة كشفت عجز النظام العربي وفشل الثورة القومية سابقًا وفشل الربيع العربي حالياً
وهذه المقتلة تؤكد للجميع أن استمرار بقاء أنظمة الاستبداد سيؤدي باستمرار إلى حروب ومقتلة تلو المقتلة.
قبل غزة كانت المقتلة السورية والتي أدت إلى تدمير ثلثي سورية وتهجير ما يقارب ١٢ مليون سوري وغزة اليوم تشهد تجويعًا ممنهجًا وحصارًا وتدميرًا وقتلًا في الوقت الذي تستطيع فيه مصر وحدها قلب الموازين لو نجحت الثورة الشعبية فيها أو لو استطاع نظام الحكم الناصري والذي تم توصيفه بالقومي آنذاك بترسيخ نظام ديمقراطي.
فشلت كل الثورات وبرأيي الشخصي المنطقة على فوهة بركان ثورات قادمة، لن تهدأ فالمقتلة لن تمر بهدوء وستترك أثرها على عموم المنطقة العربية والعالم بأثره.
أما الدكتور محمد مروان الخطيب الأكاديمي والكاتب السوري فقال: ” خلال أيام نستقبل الذكرى السادسة والستين لقيام أول وحدة بين إقليمين عربيين في العصر الحديث، بينما تعيش أمتنا العربية واقع الانهزام الكامل للمشروع النهضوي العربي، مترافق مع انعدام المشاريع الوطنية، وتفسخ الساحة السياسية من المحيط إلى الخليج، والذي تتقاسمه سيادة المشروع الصفوي، والمشروع الصهيو أمريكي.
فبينما تخضع أربع عواصم إقليمية عربية لسيطرة أصحاب المشروع الصفوي، يمسك المشروع الصهيو أمريكي بقرار باقي العواصم الإقليمية العربية، ويتجسد ذلك بالدور الذي تلعبه هذه الأنظمة الجمهوملكية والملكية بمصير الشعب العربي، الذي يشاهد الصراع بين المشروعين، الذين يتحكمان بخيراته، على أرضه، ولا يجد من منتصر لقضاياه الإنسانية سوى شعوب أوربا وأمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا.
وفي غياب أي دور للنخب المثقفة العربية في صياغة الوعي الشعبي، ناهيك عن قيادة الشارع السياسي في الساحة العربية، في حال وجود هامش للحراك السياسي، وعدم السعي الجاد لهذه النخب للقيام بواجبها في صياغة مشروع تيار عروبي نهضوي يعمل على التأسيس لمشروع بناء تيار عروبي يحاول أن يشكل وعي لدى الشبيبة العربية حول وحدة مصيرها في مواجهة المشاريع المتصارعة على الساحة العربية، فإننا لا نرى في الأفق القريب أي مستقبل للمنطقة العربية لانتشالها من حالة تبعيتها للمشاريع الخارجية التي تتقاسمها.
وإن كان طوفان الأقصى قد أحدث زلزالاً في وعي النخب العربية، إلا أن أثره في الشارع الشعبي الأوربي والأمريكي، كان أكثر إيجابية، ولذلك فإننا، وبعد مرور ما يزيد عن أربع أشهر على هذا الحدث، والمجازر التي يتعرض لها شعبنا في غزة، لم نشهد رد فعل حقيقي يتناسب مع هول هذه الأحداث، مما يعكس الهوان الذي نعيشه” ثم قال :” لا أعرف ما تحتاجه النخب العربية لتثور من كبوتها، ولكنني أتمنى أن تضخ دماء جديدة في الشارع السياسي العربي عسى أن نستطيع استعادة الكرامة التي هدرت، ونعول على كوادر جديدة يكون لديها العزيمة والإرادة لإعادة صياغة مشروع سياسي نهضوي عربي، يكون الإطار الفكري لثورة ثقافية قومية ديمقراطية.”
ذكرى الوحد السورية المصرية 1958 بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تمر ووضعنا العربي عامة والسوري والفلسطيني خاصة يمر بأشد الأزمات والمآسي ، رؤية عروبية موضوعية من الأخت ندى الخش والأخ د.محمد مروان الخطيب للوحدة والوضع العربي والسوري والفلسطيني خاصة ، رحم الله الرئيس جمال عبد الناصر وأسكنه فسيح جناته .