هل سورية أمام استحقاق جمعية تأسيسية؟

عبدالله تركماني

بعد أنّ أصدر رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، مرسوم تشكيل اللجنة العليا للإعداد لمجلس الشعب، في 13 حزيران/يونيو الماضي، ضمن إطار “تفعيل السلطة التشريعية كركيزة أساسية لبناء الدولة بسلطاتها الكاملة “، يتساءل السوريون: هل نحن بصدد إعادة تأسيس سوريا، بعد الخراب الكبير الذي سببته السلطة التسلطية لـ”آل الأسد” خلال 54 سنة من حكمها؟

إذ يبدو أننا إزاء تشكيل سلطة تشريعية، نأمل أن تكون بمثابة جمعية تأسيسية، تعمل على تعديل بعض القرارات السابقة، التي أصدرتها سلطة 8 كانون الأول/ديسمبر في إطار مقولة “من يحرّر يقرّر”، وأثبتت الأشهر الثمانية السابقة ضرورة تعديلها، في اتجاه المزيد من التشاركية مع الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية لتوظيفها في إعادة تأسيس سوريا الجديدة.

أمام هذا المجلس مهمات إعادة بناء مؤسسات دولة الحق والقانون، وليس المصادقة على تدابير وإجراءات ومراسيم قيادة المرحلة الانتقالية، بما فيها مراجعة سلبيات الإعلان الدستوري التي ظهرت جليّة خلال الأشهر الماضية، خاصة عدم فصله بين السلطات..

ولا يقلل من هذا الطموح أنّ مجلس الشعب القادم ليس تمثيلياً لكل الشعب السوري، نظراً لتعذر إجراء انتخابات عامة بسبب تعقيدات السجل المدني، الناتجة عن نزوح ولجوء نحو 12 مليون مواطن، إضافة إلى عدم وجود هيئة مستقلة للإشراف على انتخابات عامة نزيهة وشفافة، طبقاً لقانون انتخابي حديث (تسجيل المرشحين، وإنشاء الصناديق، وتوزيع الصناديق، وتسجيل الناخبين، وإنشاء بيانات الاعتمادات، وتوزيع الاعتمادات، وإدارة الاعتمادات، والتصويت، والفرز، والتدقيق، وإعادة العدّ)، مما يؤكد ضرورة وجود المجلس في المرحلة الانتقالية.

من هنا، فإنّ أمام هذا المجلس مهمات إعادة بناء مؤسسات دولة الحق والقانون، وليس المصادقة على تدابير وإجراءات ومراسيم قيادة المرحلة الانتقالية، بما فيها مراجعة سلبيات الإعلان الدستوري التي ظهرت جليّة خلال الأشهر الماضية، خاصة عدم فصله بين السلطات، بما فيها تعديل العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، في اتجاه الدور الرقابي للأولى على الثانية.

فبعد نحو ثمانية أشهر من التغيير بدأ حصاد سلق الحوار الوطني، وتجاهل أهمية عقد مؤتمر وطني حقيقي، واستبعاد المشاورات مع المنظمات السياسية والحقوقية، والإعلان الدستوري الذي صادق عليه الرئيس أحمد الشرع، الذي تمت مخالفته مؤخّراً من خلال إصدار مرسومين: أولهما ينص على إحداث مؤسسة تحت مسمى “الصندوق السيادي” وتتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وترتبط مباشرة برئاسة الجمهورية، وثانيهما، يعدّل قانون الاستثمار، حيث يسمح للرئاسة بالتصرف بممتلكات القطاع العام والاستثمار بمعزل عن الوزارات أو السلطة التشريعية، ما يعكس إطار قانوني غير خاضع للمساءلة، إذ لا توجد أي جهة رقابية مستقلة، ولا إلزام بنشر تقارير مالية دورية.

وبهذه الطريقة، يُعاد تسويق تركيز السلطة كخطوة إصلاحية، لا كمخاطر على مستقبل الاقتصاد السوري، والخشية أن يكون المجلس مجرد واجهة ديمقراطية شكلية، لا دور لها في مراقبة سياسات السلطة التنفيذية.

كذلك، تكمن الخشية في بنية المجلس وطريقة تشكيله ووظيفته، التي يتم التحكم بها مركزياً، إذ إنه قد لا يمتلك السلطات التشريعية الكاملة، بل لضبط المجال العام بهدف احتواء مطالب التغيير في إطار هياكل شكلية، كما شهدناه في إعلان الهيئات واللجان الأخرى، مما يبعدنا عن دولة الحق والقانون.

الأمل كبير بأن يضمن المجلس الجديد تشاركية واسعة، وألا يجرَّد من القدرة على مراقبة ومساءلة السلطة التنفيذية، وأن يتمكن من إعادة النظر في الإعلان الدستوري، من أجل بناء توازن بين السلطات..

وفي هذا السياق، لعلَّ التجربة السورية مع الحياة البرلمانية تفيدنا اليوم في إعادة تأسيس دولة الحق والقانون، إذ إنّ المؤتمر التأسيسي الأول أصدر دستور سنة 1920، باعتباره أول وثيقة تمثيلية للشعب السوري في التاريخ المعاصر، كما أنّ دستور 1950، الذي صاغته جمعية تأسيسية منتخبة، وجرى العمل به في أزهى مرحلة سورية معاصرة بين 1954 و1958، يعتبر أحد المراجع المهمة لمجلس الشعب القادم، المأمول أن يساهم في إعادة ثقة السوريين بحياة برلمانية تؤكد تمفصل السلطات، وذلك من خلال تمكينه من القيام بالمهام التالية:

تولّي السلطة التشريعية، وإعادة صياغة الإعلان الدستوري، وإصدار قوانين مرنة لإنشاء الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، والإعداد لصياغة الدستور الدائم بالتعاون مع مجلس القضاء الأعلى، ومراقبة النشاط الاقتصادي، وصياغة دستور دائم لسوريا الجديدة، والإعداد لقانون انتخابات لإجراء انتخابات وطنية على ضوئه.

والأمل كبير بأن يضمن المجلس الجديد تشاركية واسعة، وألا يجرَّد من القدرة على مراقبة ومساءلة السلطة التنفيذية، وأن يتمكن من إعادة النظر في الإعلان الدستوري، من أجل بناء توازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

وهكذا، فإنّ عمل المجلس على صياغة التوافق السياسي أهم من اختلاق وهم الإجماع الثقافي-الاجتماعي، من خلال إخضاع الهويات الثقافية الفرعية لمكوّنات الشعب السوري، أو تعميم الثقافة السلفية على حساب الإسلام السوري المعتدل، إذ إنّ الإجماع السياسي الواقعي، المبني على المصالح المشتركة قابل للديمومة، بينما الإجماع الثقافي-الاجتماعي المبني على الوهم قابل للتمزق عند أضيق المنعطفات.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى