ثانيا : النظام العالمي الجديد… والعولمة.
حضور امريكا و الغرب في سوريا.
يعود د جمال الشوفي في هذا الفصل وما بعده لطرح الأسباب العميقة السياسية لكل الأطراف الفاعلة في القضية السورية. من خلال دراسة أسسها الفكرية وتوجهاتها الاستراتيجية…
لقد انطلقت أمريكا والغرب من مقولة نهاية التاريخ وذلك بعد انتصار النظام الرأسمالي على القطب الشيوعي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي فكريا وتفككه عمليا. وان النظام الرأسمالي الليبرالي هو النظام الأوحد القادر على حكم العالم. وكان تعبير العولمة هو التعبير الأكثر حضورا في توصيف حالة التمدد الرأسمالي في كل العالم. الرأسمالية بصفتها الحاكم الفعلي. حيث تتمدد دولها وعلى رأسهم أمريكا وأوروبا. وشركاتها ومصالحها. وهي حاضرة في البلاد العربية بشكل أو آخر تدعم الدول الاستبدادية فيه. وتوطدت علاقة المصلحة المشتركة في إنتاج النفط وتصريفه وكذلك في رعاية العلاقات مع دول الإقليم. رعاية العلاقة مع الكيان الصهيوني عبر مصر والأردن والحكم الذاتي في الضفة الغربية وغيرهم…
لم تكن أمريكا والغرب راضية عن الربيع العربي الذي جاء ضد الترابط الغربي مع هذه الانظمة. ولذلك كان الهدف الأهم عند الغرب الامريكي هو إجهاض الربيع العربي. الذي تم بأشكال مختلفة. حيث استعادت مصر لحكم العسكر. وتحولت اليمن وليبيا الى مشاريع دول متصارعة جغرافيا ومصلحيا . واما سوريا فقد كانت الخطة الغربية هي ان تعطى سوريا الى روسيا تحمي النظام وتنهي الثورة بكل الوسائل. هذا مع غض الطرف عن الحضور الإيراني الذي شكل مع حزب الله والميليشيات الطائفية طوق نجاة النظام وحمته مع الروس من السقوط…
كانت المقاربة الأمريكية لواقع الثورة السورية مختلفة حسب المعطيات أول بأول…
لقد كانت أمريكا وبعض الدول الأوروبية وبعض دول الخليج على تنسيق وتوافق في إدارة المسار السياسي والعسكري في مواجهة النظام السوري. تتحدث إعلاميا عن إصلاحه وتعمل على الارض عبر غرف العمليات العسكرية الموك والموم على إسقاطه أو إضعافه. حيث قدمت مع بقية الدول الدعم العسكري والمالي لفصائل عدة. وكانت النتائج على الأرض مرضية لأمريكا وحلفائها…
لكن متغيرا ظهر على الأرض وهو حضور القاعدة متمثلا بجبهة النصرة وبعدها تنظيم الدولة الإسلامية داعش في سوريا والعراق وعملياتها المشهدية ضد الغرب ومصالحه. جعل الغرب ينظر إلى الثورة السورية بشكل مختلف. وأصبح تركيز امريكا والغرب على محاربة إرهاب القاعدة وداعش في سوريا. وشكلت تحالفها الدولي الذي بادر لخوض حرب على داعش في الشمال الشرقي السوري وفي عين العرب وفي الرقة ودير الزور وغيرها. ومنذ ذلك الوقت استبدلت أمريكا إسقاط النظام بدعمه وعدم إسقاطه. بصفته بديلا افضل من القاعدة وداعش من وجهة نظر أمريكا والكيان الصهيوني. وسرعان ما اعطت امريكا الضوء الاخضر للحضور الروسي على الأرض السورية وقلب موازين القوى في حربه التي اعتمد فيها على قواته الجوية. دمر مدن وبلدات وهجر الملايين وأعاد النظام ليكون الحاكم الفعلي لبعض سوريا التي كان خسرها…
اما امريكا فقد استبدلت اسقاط النظام بمحاربة داعش وجعلت حزب العمال الكردستاني وكيلها في شرق الفرات والشمال الشرقي السوري. حيث حزان الغذاء السوري وحيث النفط السوري. وهكذا وضعت أمريكا يدها على هذه المنطقة واستثمرت خيراتها، ورعت التواجد الكردي لصناعة شبه دولة باسم روج آفا غرب كردستان وبدأت بخلق مكوناتها كمشروع دولة كردية مستقبلية. نموذجها الكيان الكردي في شمال العراق…
لقد رعت امريكا حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية واصطدمت بذلك مع تركيا التي وجدت بحزب العمال الكردستاني عدوا استراتيجيا يعمل لتقسيم تركيا على اساس اثني. مما دفع تركيا لأن تبادر وتقوم بحملاتها العسكرية المتتابعة درع الفرات وغصن الزيتون وغيرهم وخلقت شبه كيان يحكمه السوريين المنتمين للثورة برعاية تركية. ومازال الصراع مستمر بين تركيا وحزب العمال الكردستاني. يزداد وتيرة ويخف حسب مستجدات الصراع على الارض.
أعترف هنا أن د جمال توسع تنظيريا حول العولمة و طروحاتها الفكرية وتطوراتها. واني اهتميت هنا بمنعكسات ذلك على حال الربيع العربي عموما وموقف أمريكا والغرب عموما. الذي تبين أنه لم يكن مهتم جديا ابدا بأن تنتقل الخيارات الديمقراطية والليبرالية الى بلادنا العربية. بمقدار ما تهتم بالحفاظ على مصالحها الأقرب إلى الاستعمارية. مبرزة الوجه الحقيقي للرأسمالية منذ قرون للآن…
ثالثا : روسيا والنظرية الرابعة في السياسة
“الجيوبولتيك”.
عاد د جمال الشوفي لدراسة مستجدات الموقف الروسي في دعم النظام السوري منذ عام ٢٠١٥م وتحوله بعد ذلك الى الفاعل الأول في السياسة السورية بالتعاون مع الدور والحضور الإيراني…
يتحدث د جمال عن سقوط الاتحاد السوفييتي عام ١٩٩٠م وانحسار دور روسيا لتكون في حدودها الجغرافية وضمن منظومة الدول الرأسمالية بقيادة أمريكا…
لم يتقبل بوتين الرئيس الجديد لروسيا الذي جاء خلف ليلتسين بانحسار الدور الروسي واعتمد على تنظير اكسندر دوغين المنظر الروسي الذي شكل عبر أطروحاته الفكرية ،النظرية الرابعة الجيوبولتيك عقيدة روسيا في مرحلة بوتين…
النظرية الرابعة والجيوبوليتيك التي طرحها دوغين تتمثل في فكرة جوهرية أن بعض الدول تحمل في مميزاتها الذاتية وبقوتها وقصده بذلك روسيا أن لا تكتفي بحدودها بل ان تتمدد حيث تستطيع لتحقق مصالحها القومية. خاصة أن روسيا ليست دولة صغيرة وأن سلاحها النووي يوازي سلاح امريكا وان لديها امكانية ان تتوسع في مناطق نفوذ هي جزء من امتدادها السابق. سواء في مرحلة الاتحاد السوفييتي أو في المرحلة القيصرية السابقة. وضمن هذا المنظور أعادت روسيا هيمنتها المطلقة وبأعلى درجات العنف على أبخازيا والقوقاز وغيرهم. وكان الطلب الأمريكي الصهيوني بدعم روسيا للنظام السوري هو بمثابة دعوة لدور دولي على البحر المتوسط عبر سوريا. لذلك حضرت روسيا في سوريا مستعملة جميع انواع الاسلحة. قتلت مع النظام والإيرانيين أكثر من مليون إنسان سوري واعاقت مثلهم واعتقلت مئات الآلاف وشردت الملايين ثلاث عشر مليون، نصف الشعب السوري داخل سوريا وخارجها. دمرت أحياء في حلب و حمص وداريا والمعضمية واغلب المدن والبلدات السورية. جرّبت اغلب أسلحتها في سوريا. ودرّبت طياريها وجنودها في سوريا. وحصلت على جوائز لفعلها. اخذت موانئ الساحل السوري في اللاذقية وطرطوس وبنت قاعدة حميميم بعقود تصل إلى خمسين ومئة عام. هذا غير استنزاف المال السوري بحيث أفلست الدولة السورية. لقد تقاسمت روسيا وإيران الغنيمة السورية في مناطق سيطرة النظام. هذا غير الهيمنة السياسية بحيث أصبح الروس والايرانيين الناطقين الرسميين باسم الدولة السورية…
لقد أصبحت سوريا عمليا مقسمة بين الاطراف الاقليمية والدولية الفاعلة على الأرض…
امريكا في شرق الفرات وشمال شرق سوريا عبر حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية…
تركيا في إدلب والشمال الغربي لسوريا عبر غطاء سياسي من قوى المعارضة السورية العسكرية الجيش الوطني والسياسي عبر الحكومة المؤقتة والائتلاف السوري. مشكّلة حائط سد في وجه حزب العمال الكردستاني و اعماله الارهابية…
وما تبقى من سوريا بيد النظام في الساحل ومدن الداخل السوري…
ولا بد من ذكر الحضور الإيراني وحزب الله ودوره وافقه الاستراتيجي الذي سنتوسع حوله لاحقا…
هكذا اصبحت سوريا مقسمة بين القوى الفاعلة كغنيمة حرب حقيقية…
كتاب “المسألة السورية” ومرايا الجيوبوليتيك الدولي للكاتب السوري “جمال الشوفي” يستمر الكاتب “احمد العربي” بقراءته بالقسم الثاني فقرة “ثانيا : النظام العالمي الجديد… والعولمة” مدوناً الحضور الدولي بالوضع السوري لامريكا و الغرب وكذلك الروسي والفقرة “ثالثا : روسيا والنظرية الرابعة في السياسة” بانحسار الدور الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وعودته مع بوتين وكذلك تدخل تركيا وإيران .