زيلينسكي في واشنطن للتخفيف من وطأة “انتصار” بوتين في آلاسكا

إيغور سيميفولوس - بسام مقداد

عشية انعقاد قمة آلاسكا، نشرت الفايننشال تايمز في 13 الجاري نصاً عن الإعداد الأميركي للحدث، ونقله في اليوم عينه إلى الروسية موقع meduza الروسي المعارض. تحدث النص عن التقصير الفاضح في إعداد إدارة ترامب للقمة، والذي أفضى إلى “العار” الذي ألحقه ترامب بأميركا عبر حفاوة استقبال بوتين ونتيجة المفاوضات معه. ولم يكن من المستغرب أن يصف إعلام الكرملين نتائج القمة بـ”الانتصار الدبلوماسي التاريخي الأكبر”، الذي حققته روسيا.

قالت الصحيفة البريطانية إن الخبراء الأميركيين كان يساورهم القلق وهم ينتظرون القمة، فلم يتبق في محيط ترامب من يعرف روسيا وشؤونها. وكثيرون يتذكرون لقاء ترامب مع بوتين في العام 2018 في هلسنكي، حيث أجمع تقريباً الخبراء والسياسيون والصحافيون على أن ترامب أفشل المفاوضات حينها. فلم يتمكن من الحصول على أي تنازل روسي، ولم يطرح أي موضوع مهم، بل وكاد أن يتملق بوتين. وتذكرت لاحقاً مستشارة ترامب للشؤون الروسية آنذاك Fiona Hill بأنها حتى فكرت خلال المؤتمر الصحافي المشترك للرئيسين أن تتظاهر بإصابتها بنوبة صحية، لكي تقطع المؤتمر، إذ أصابها الرعب مما كان يقوله رئيسها.

وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب في رئاسته الثانية فضل الولاء الشخصي على الخبرة في اختيار مستشاريه. وفي حملة التخفيضات الواسعة التي نفذها ترامب الربيع المنصرم في كوادر مجلس الأمن القومي، لم يبق شخص واحد في الإدارة الأميركية على معرفة بالشؤون الروسية والأوكرانية، بوسعه إجراء حوار على قدم المساواة مع الكرملين.

موقع Vesty الإسرائيلي الناطق بالروسية، والتابع لمجموعة يديعوت أحرونوت، نشر في 16 الجاري نصاً لمراسلة الصحيفة الأم في نيويورك  Tzipi Shmilovich عنونته  بالقول “لقاء ترامب مع بوتين- عار على أميركا”. وقالت إن المعلقين يرون أن ترامب أذل نفسه أمام بوتين، وأحاطه بالتكريم من دون أن يحصل على أي شيء في المقابل.

استهلت المراسلة نصها بالقول إن ترامب في قمة آلاسكا، فرش السجادة الحمراء لبوتين، وركب معه في سيارته الليموزين وقضى معه ثلاث ساعات، من دون أوكرانيا ومن دون نتائج. وحتى وسائل الإعلام المؤيدة لترامب انتقدت القمة، التي كان من الممكن أن تختصر في رسالة بالبريد الإلكتروني: “بوتين استولى على المبادرة وغادر”.

ورأت المراسلة أن كل ما جرى في 15 آب/أغسطس كان مذلاً لأميركا، من مد السجادة الحمراء لبوتين إلى إبتسامة ترامب العريضة والتصفيق واستقلال سيارة الرئاسة الأميركية مع بوتين. وكان كل هذا لقضاء ثلاث ساعات من البحث في إنهاء الحرب مع بوتين من دون مشاركة أوكرانيا، ولينتهي بمؤتمر صحافي تحدث فيه بوتين الضيف أولاً، وبدا ترامب “متعباً ومحبطاً”.

خلال الأيام الأخيرة، بما فيها يوم انعقاد قمة آلاسكا وما تلاه، خرج زيلينسكي أكثر من مرة على موقعه في شبكة TikTok ليتحدث بالروسية، وليس بالأوكرانية أو الإنكليزية، ويعلن أن الأوكران لن يعترفوا بضم الأراضي الأوكرانية المحتلة إلى روسيا، ولن يصفحوا عن الجرائم التي ارتكبتها بحقهم روسيا بوتين. وإذ يغتنم فرصة لقاء ترامب في البيت الأبيض إلى جانب القادة الأوروبيين أمس الإثنين، عمل زيلينسكي على التأكيد على موقف أوكرانيا من “تبادل الأراضي” التي قال بها رامب في قمة آلاسكا. كما عمل على توظيف هذا الوجود الأوروبي الكبير إلى جانبه في البيت الأبيض للتأكيد على فكرة القمة الثلاثية التي تجمعه إلى بوتين بوجود ترامب، والتي قيل إن ترامب سيدعو لعقدها في 22 الجاري. ومن المؤكد أن زيلينسكي سيستغل عقد القمة الثلاثية للتخفيف من وطأة “انتصار” بوتين في القمة الثنائية، وتخفيض ما ينطوي عليه هذا “الانتصار” من رفع مستوى ما ترتكبه روسيا بوتين في أوكرانيا.

ولدى أوكرانيا تجربة سلبية للغاية مع الاتفاقات مع روسيا، مما يدل على أنه لا يمكن الوثوق بها بأي حال من الأحوال. ومنذ السنوات الأولى لاستقلال أوكرانيا، عندما حاولت السلطات الروسية السيطرة على القرم بأساليب هجينة، وخلال المرحلة الأولى من الحرب الروسية-الأوكرانية التي بدأت في العام 2014، ظلت أهداف روسيا ثابتة: إخضاع أوكرانيا، وفي الحالة المثلى، ضمها نهائياً. والمنطق الروسي هنا بسيط: إما أن تنتهج أوكرانيا سياسة روسيا، مثل بيلاروسيا الحالية، أو أنها، من وجهة نظر روسيا، هي دولة معادية يجب تدميرها.

موقف روسيا هذا استبعد أي سيادة لكييف واستقلالية قرارها في تحديد اتجاهات تطورها، على الرغم من مذكرة بودابست، التي التزمت فيها روسيا بصفتها أحد الموقعين على ضمان سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها. وعلى الرغم من توقيع الطرفين وتصديقهما على معاهدة الصداقة والتعاون والشراكة، تصرفت موسكو بطريقتها الإمبراطورية التقليدية. وتشهد على ذلك الاتفاقات الموقعة في عام 2014 وأوائل عام 2015، والمعروفة باسم مينسك-1 ومينسك-2. إذ بعد أن رأت روسيا أن مينسك-1 لم تتسبب في أزمة داخلية في أوكرانيا، وأن الجيش الأوكراني واصل الصمود في مواقعه، خرقت الاتفاقية بالهجوم على منطقة ديبالتسيفو. وفي ظل العمليات القتالية، أطلقت روسيا مسارًا جديدًا للمفاوضات: مينسك 2 بمطالب أكثر تشدداً، مهددة بمزيد من التصعيد.

روسيا هي التي انتهكت الاتفاقات السابقة، التي كانت هي نفسها قد أيدتها في مجلس الأمن الدولي، عندما شنت غزوًا شاملًا لأوكرانيا في 24 شباط/فبراير 2022. وفي ظل هذا الغزو المتواصل، لا تستطيع اوكرانيا أن تصدق أي كلمة تصدر عن الجانب الروسي، سواء بشكل مباشر أو عبر وسطاء أميركيين مثل ويتكوف.

وبشأن المتوقع من لقاء زيلينسكي وترامب في واشنطن، فإذا كان الهدف من لقاء آلاسكا هو توضيح مواقف روسيا في المفاوضات، فإن الهدف من اللقاء الحالي هو تحديد موقف أوكرانيا ونقاط التقاطع المحتملة. ويعتبر ترامب أن انسحاب القوات الأوكرانية من الأراضي التي لا تحتلها روسيا في مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك، أمر ترفضه أوكرانيا، ويمثل العقبة الأصعب في المفاوضات. ويرجع ذلك إلى أسباب سياسية وبراغماتية. السبب السياسي هو أن أوكرانيا لن تتاجر بأراضيها. والسبب البراغماتي هو وجود تحصينات قوية في الأراضي التي تسيطر عليها في دونباس، والتي سيكلف روسيا احتلالها، وفقاً لأكثر التوقعات تفاؤلاً، ما بين عام ونصف إلى عامين من الحرب. فهل روسيا مستعدة لتكبد مثل هذه الخسائر، مع الأخذ في الاعتبار أنها لم تستول خلال الألف يوم الأخيرة من الحرب سوى على حوالى 1% من الأراضي الأوكرانية.

إن فرض الحظر على بيع الأسلحة الأميركية ونقل المعلومات الاستخبارية لأوكرانيا في حال فشل لقاء زيلينسكي ترامب، هو خطر فعلي. لكن تنفيذ الحظر سيكون أصعب على ترامب مما كان عليه في الربيع المنصرم. أولاً، يتزايد عدد الجمهوريين الذين يعتقدون أن الولايات المتحدة لا تقدم مساعدة كافية لأوكرانيا. ثانياً، يتم بيع الأسلحة عبر وسطاء أوروبيين، وإلغاء مثل هذه العقود سيضر بمصالح المجمع الصناعي العسكري الأميركي. كما أن حضور حلفاء أوكرانيا الأوروبيين في القمة يمثل عاملاً رادعاً للإدارة الأميركية. وعلى الأرجح، ستنتهي القمة بتبادل الآراء وتحديد نقاط تقاطع محتملة في المفاوضات المقبلة. وروسيا لا تملك حالياً أي “أوراق رابحة”، حسب مصطلح ترامب، تجبر أوكرانيا على قبول مقترحات ليست في صالحها. كما لا يملك ترامب مثل هذه الأوراق الرابحة أيضاً.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى