أثار العدوان الصهيوني على غزة وعموم فلسطين جملة من المتغيرات بما فيها من إيجابيات كثيرة لا سيما ما يتعلق بتصدع الوضع الداخلي في دولة العدو الصهيوني، وما فيها من آثار مدمرة للعمران والبنيان وكل أسباب الحياة في قطاع غزة تحديدا؛ متغيرات سوف تترك آثارا مهمة في مجمل أوضاع المنطقة العربية كما على مستوى العالم لجهة تصاعد الغضب الشعبي ضد العدوان وارتفاع مستوى الوعي العالمي بعدالة قضية فلسطين وتهافت وكذب كل اركان المشروع الصهيوني الاستعماري. ومما لا شك فيه أن متغيرات مهمة وذات اعتبارات متنوعة تشمل الوضع في سورية ومجمل أوضاع القضية الوطنية السورية. أول تلك الاعتبارات أن مصير سورية مرتبط بمصير فلسطين.. كما بمصير دول المشرق العربي والبلاد العربية عموما…بما يعني أنها أعادت الاعتبار لحيوية وحدة المصير العربي التي كاد كثير من السوريين يتنكرون لها تحت ضغط التخلي الرسمي العربي عن الشعب السوري والتدخلات السلبية الكثيرة التي أضرت بثورة الشعب السوري. وزادت المشاعر السلبية تجاه ترابط مصائر البلاد العربية منذ أن بادر النظام الرسمي لإعادة علاقاته مع النظام والاعتراف بشرعيته دون أن يقدم أية تغييرات أو تنازلات لصالح شعب سورية المضطهد والمقموع والمحاصر والمستهدف في وجوده وحريته وهويته العربية ووحدة أراضيه ووجود دولة وطنية لكل السوريين على كامل ترابهم الوطني. وهذا ما ينبغي أن يتجاوب معه الوطنيون السوريون الشرفاء فيبادروا بالتوجه مجددا نحو القوى الوطنية الشعبية في دول المشرق نظرا لترابط قضاياها الوطنية ببعضها البعض. فالقوى التي تحقد على فلسطين وتعادي شعبها وحريتها وهويتها العربية هي ذاتها التي تعادي شعب سورية وحريته وهويته العربية أيضا. ولعل هذا المتغير الذي يؤكد وحدة المصير السوري بالمصير المشرقي والعربي يكون رادعا لكل مشاريع تقسيم سورية وتقاسمها أرضا ومقدرات ومرافق وطوائف من قبل القوى الإقليمية والأجنبية الغازية والمحتلة والتي وقفت وتقف عائقا أمام جهود الشعب السوري في بناء دولته الوطنية الديمقراطية. وفي ذات الوقت سوف تكون رافدا إضافيا لكل القوى الوطنية السورية في نضالها من أجل تحرير سورية وبنائها على أسس المواطنة السليمة المتكافئة..
وعلى الجانب الآخر أثبتت مجريات العدوان على غزة وفلسطين مدى ارتهان النظام السوري لقوى النفوذ الأجنبي وكذب كل ادعاءاته في كل خطابه الوطني الكاذب والمخادع التي تقدمه كنظام وطني مقاوم يعادي المشروع الصهيوني ودولته المجرمة. فها هو يختفي من الوجود في سياق هذا العدوان المتصاعد على فلسطين وهو الذي أقام كل شرعيته الوهمية على أساس التزامه بالقضية الفلسطينية ومتطلبات مقاومة المشروع الصهيوني…حتى في خطابه الإعلامي البارع في المخادعة والمزايدة ” القومية ” فقد اختفى وكأنه في غيبوبة. أكثر من هذا فهو كالأعمى والأصم حيال الضربات الإسرائيلية المستمرة منذ سنوات على التراب الوطني السوري وكأن الأمر لا يعنيه. وهذا ما يؤكد صوابية ثورة الشعب السوري حينما خرجت جماهيره في مظاهرات سلمية شعبية عارمة تطالب بالتغيير..
أما الأمر الآخر الذي سقطت ورقة التوت الأخيرة عن جوانبه كافة، فتمثل في التدخل الأمريكي والأوروبي الفوري والمباشر للدفاع عن الكيان الصهيوني وتغطية عدوانه الإجرامي الوحشي على شعب فلسطين بكل ما فيه من إبادات جماعية وجرائم حرب لم تترك مظهرا للحياة إلا ودمرته وخربته. وهذا بدوره يثبت مجددا استحالة حصول أي تغير إيجابي في الموقف الغربي من قضية الشعب السوري ومطالبه الوطنية.. مما يعيد طرح مواقف بعض السوريين الذين لا يزالون يتوهمون بإمكانية الاعتماد على أي من دول الغرب في اتخاذ مواقف إيجابية عادلة مع الشعب السوري. وهذا بدوره يعيدنا إلى النظر في تلك المراكز البحثية أو الجمعيات الإغاثية أو المرامي ” التنويرية ” الممولة من تلك الدول الغربية؛ وبيان خطورة ما تمارسه من خداع وتضليل وهدر وتشتيت للجهود الوطنية في معارك هامشية واستنزاف الطاقات واستغلال الضائقة المعيشية والظروف النفسية المضنية التي يعيشها أغلب السوريين. الأمر الذي يساعد تلك الدول الممولة في تكريس تدخلاتها ونفوذها الخبيث المعادي، في الأوساط الشعبية. ما يدعو إلى تصعيد كل أنواع التوعية بخطورة تلك الجهات وأدواتها المحلية..
وفي الوقت ذاته تثبت أحداث الشهور الأخيرة في فلسطين ومواقف الدول منها، خطورة الارتهان لأية قوة إقليمية من قبل أي طرف وطني سوري فهذا مما يعيق مسيرة العمل الوطني ويفرغها من مضمونها الذي يستهدف المصلحة الوطنية السورية أولا وأخيرا..
وفيما تستمر تدخلات الميليشيات الإيرانية المنتشرة في سورية لتغيير هوية المجتمع العربي السوري وتفتيته مذهبيا وطائفيا حتى باتت تهدد وحدته وتماسكه التاريخي في أسوأ مشروع للتغيير السكاني الديمغرافي لم تشهده سورية في تاريخها؛ يستمر تواطؤ النظام مع المشروع الإيراني الذي انكشفت وسقطت كل ادعاءاته عن ” المقاومة ” والتضامن مع فلسطين، سقوطا مروعا فاضحا مع حرب العدو الصهيوني على غزة. وهو الذي لم يكف يتحدث منذ سنوات عن وحدة ساحات المقاومة…فيما يجري الصفقات السرية مع أمريكا على حساب الدم الفلسطيني والحقوق العربية في فلسطين ولبنان والعراق.. أما تظاهرات الحوثي بالتصدي للسفن في البحر الأحمر فليست إلا جزءا من مسرحياته الهزلية. كذلك حال ضربات ميليشياتهم العراقية على مواقع أمريكية متفق عليها..
كل هذا يدفع وبإلحاح إلى الاستمرار في المطالبة بتشكيل جبهة وطنية سورية ذات برنامج عمل مرحلي واضح محدد يجمع كل طاقة وطنية مستقلة شريفة أيا كانت خلفياتها السياسية والمناطقية بعيدا عن واستبعادا لكل أولئك الذين يرتهنون بأية قوة أجنبية أيا كانت وإن تعالت أصواتهم المنافقة في محاربة النظام. أما الوطنيون الشرفاء فما أكثرهم وما أحوجهم الى الإتحاد معا لحماية سورية وإنقاذها من إجرام النظام وأدواته الأمنية كما من كل القوى العسكرية التي تحتل أراضيها وتفكك مجتمعها وتخرب بنيانها وأيضا من كل خطر تقسيمي لوحدتها وكل عدوان على هويتها. فهل يستجيبون لهذا المطلب الملح جدا فيترفعون عن اختلافاتهم ويرتفعون إلى مستوى تضحيات الشعب السوري العظيمة والى مستوى آلام وعذابات المعتقلين وأوجاع النازحين والمهجرين؟؟
حرب الكيان الصhيوني المتوحشة على على فلسطين/غزة أثبتت بأن مصير سورية مرتبط بمصير فلسطين وكذلك البلاد العربية عموما، وإن ارتهان أي طرف سوري لقوة إقليمية خطر على القضية الوطنية السورية وكذلك تدخلات أذرع ملالي طهران لتغيير هوية المجتمع العربي السوري، لأن هذه الحرب أعادت الاعتبار لحيوية وحدة المصير العربي، لذا يتطلب تشكيل جبهة وطنية سورية ببرنامج عمل واضح محدد يجمع كل طاقة وطنية أيا كانت خلفياتها السياسية والمناطقية .