.نحن امام رواية متميزة لعز الدين شكري فشير الروائي المصري المتميز الواعد. رشحت لجوائز. وهي تستحق.. ابطال الرواية كلهم من العرب وخاصة المصريين المغتربين في الولايات المتحدة الأمريكية. الرواية رحلة في حياة واغتراب مجموعة منهم تتقاطع حياتهم مع بعضهم. عبر شبكة العلاقات العائلية. او الدراسة او العمل.. وهي قراءة بالعمق لذاتية كل واحد منهم. مع تفاعله بمحيطه. ومصائر الكل في غربة عامة و اغتراب داخلي…
.الدكتور درويش. سبعيني أكاديمي مختص بتاريخ الشعوب العربيه. يعمل مدرسا وباحثا في إحدى الجامعات المرموقة. غادر مصر منذ عقود. مجتهد وله اسم علمي. لم يقبل الإحالة على التقاعد رغم سنه المتقدم. منضبط يؤمن بالجد والمثابرة. والدقه في كل شيء وخاصة المواعيد.. استجد في حياته ما قطع عليه انسيابية وتفاعلاتها. فقد اكتشف مرضه بالسرطان ورفض العلاج الكيماوي. وقرر أن يبيع منزله الكبير في المدينة التي يقطنها. و يشتري منزلا ريفيا صغيرا بجوار بحيرة. يعيش فيها بقية عمره. أولاده ليلى ويوسف… الترابط النفسي بينهم منقطع منذ زمن بعيد.. فبعد وفاة زوجته انعدمت قدرته على التواصل مع اولاده. يوسف انسان منطوي على نفسه منعزل ومغيب لكل اموره عن والده . أما ليلى فقد نشأت مختلفة عنه. وتعاني من كونها بعيدة عن وطنها. وسرعان ما عادت لمصر و تزوجت واستقرت وأنجبت ابنتها سلمى التي أصبح عمرها 21 عاما. واستغل درويش المناسبة ليجمع أولاده وأصدقائه في مناسبة عيد ميلاد سلمى. وخاصة انها قادمة اليه. ويحاول اقناعها ان تكمل دراستها في امريكا… الموعد في التاسعة مساء وينتظر أن يصل ابنه قبل ذلك ليخبره عن مرضه. وعن قراره بيع البيت وانتقاله للعيش في المنتجع. ليلى ابنته لم تأتي يخبرها بالهاتف. وأرسلت ابنتها سلمى. التي فاتها القطار وستتأخر لما بعد منتصف الليل. رغم أن حفلة الميلاد اقيمت على شرفها.. درويش منزعج لذلك.. وابنه اتصل ليعتذر عن تأخر طارئ.. الاحتفال تحول لهمّ جديد عند الدكتور. الذي يعيش بانضباط و يقدس المواعيد التي لا يلتزم بها أولاده…
.رامي أحد تلامذة الدكتور درويش السابقين. والمدعو الى عيد ميلاد سلمى ايضا. والذي كان يعمل معه بالبحث العلمي. لكنه تركه ليعمل في مجال القطاع الخاص براتب كبير مجزي. مما جعل الدكتور درويش يعامله بجفاء… رامي مصري آخر جاء لإكمال دراسته العليا في أمريكا. واستقر هنا وتزوج من مهاجرة أخرى من أصل كوبي. وانجب منها ابنتين. وتتالت الايام عليه واصبح مسكونا باحساس الغربة والشوق لمصر لاهله وبلده. وتبادل المشاعر مع ابنته الكبرى حول شوقه وغربته واغترابه. لكنها لم تتفهم ذلك بل اعتبرتها دعوة رسمية لخطف بناته واجبارهم للعودة إلى مصر.. أخبرت البنت امها وحصلت حوارت كثيرة وعدم الفهم والتفاهم. واتفقت الأم وبناتها في مواجهة الاب. وزاد الخلاف وسوء الفهم والتفاهم وادى للطلاق. والى تحويل كل أملاكه وأمواله لزوجته وابنتيه. وحرم من مشاهدة ابنتيه لمدة سنة قابلة للتجديد… زاد السوء إن عقد عمله انهي.. وهو الآن عاطل عن العمل.. وجاءت دعوة الدكتور درويش له. دفع ثمن تذكرة القطار للذهاب ليلتقي بصديقه مارك الذي تعرف عليه سابقا ضمن أجواء العمل. ودعاه للسكن معه وليبحث له عن عمل. يعتاش به.. سلمى التي دعي لمناسبة ميلادها من عمر ابنته.. يذهب ويلتقي بأستاذه ويلتقي بصديقه مارك. ويبدأ رحلة بحث عن عمل وفرصة حياة جديدة. وقد يعود للعمل مع الدكتور درويش..كلها احتمالات..
.يوسف.. ابن الدكتور درويش ها هو يلبي دعوة والده لحضور حفلة ميلاد سلمى. لكنه يتصل بصديقته التي اصرت ان تراه لكن عملها جعلها تتأخر وهو تأخر عن والده. رغم معرفة أن والده يكره ذلك.. اعتذر منه.. يوسف الابن المنطوي الذي أنهى دراسته العلمية بتفوق والتحق بالأمم المتحدة. ليعمل بها وكان أحد مبعوثيها الميدانيين إلى أفريقيا. لمتابعة أحوال ضحايا الحرب الأهلية هناك… كان موظفا متميزا .. ولكن اصيب بالاحباط مما رأى وعايش.. واكتشف ان الامم المتحدة ليست أكثر من شاهد زور لمأساة قتل جماعي واضطهاد وتمييز عنصري وتشرد ولجوء … ففـي متابعته لأحد مراكز اللجوء في السودان. حيث يسكن الاف المهجرين من مدنهم وقراهم. في عمليات صراع عرقي اهلي مستديم. رصد انتهاكات الجنجويد (مجموعات مسلحة متهمة انها مدعومة من حكومة السودان ).في معسكر اللجوء. بدء من الاغتصاب للقتل. للحرق. للعمل المضني الغير مجزي… رصد حالة اغتصاب لاختين وإساءة لشباب في المخيم. وحاول أن يوثق ذلك. ولكن جاء الجنجويد واحرقوا الأختين المغتصبتين وقتلو الشباب وقتل معهم أحد الحراس.. كل ذلك وبوجوده في المعسكر.. وهذا ما جعله ييأس من جدية الأمم المتحدة في حماية البشر. وجدوى دعوتها وادعائها أنها تتابع الجانب الإنساني والسياسي للنزاعات وتعمل لحلها.. لذلك ترك العمل مع الأمم المتحدة بكل ما له من سلطة نفسيه ومعنويه وترف وغنى. وعاد بلا عمل تقريبا.. ينتظر صديقته التي تأخرت وتتصل لتخبره أنها تتابع حادثا في السودان قتل واعتداء وتنتظر ليتبين لها الأمر. وتكتب تقريرها وترسله للأمين العام وتأتي اليه.. لا شئ تغير هناك.. وهو احضر لوالده مطالبه. ويعلم انه ازعجه بتأخرة. وهو ما زال ينتظر صديقته. وقد يتركها ويذهب لوالده فقد تأخر عن احتفال ميلاد سلمى كثيرا.
.داوود… المجاهد الإسلامي العريق المتزوج من قريبة الدكتور درويش اميره. والذي يعيش في أمريكا ويعمل إماما في احدى المساجد. والذي عايش تشرده كفلسطيني واستقراره في لبنان. ومعاناته مجزرتي صبرا وشاتيلا. امه ذبحت أمام عينيه. وهو مقاتل على كل الجبهات ضد امريكا واعوانها… يتذكر تدمير البرجين الأمريكيين. وتفاصيل ما يعرف. واستهزاءه من تقريرهم الذي لم يستطع أن يقترب من حقيقة ما حصل… داوود يؤمن أن الصراع بين المسلمين وامريكا والغرب قدر لا بد منه. واننا ضحايا هذا الاضطهاد والاستغلال والاستعمار واستنزافها الاقتصادي الدائم. وان كل معركة تجر الأخرى. وإننا كمسلمين وعرب. مجبرون ان ندافع عن أنفسنا فما ذنبنا… قتلنا وشردنا في فلسطين ولبنان والعراق وافغانستان…الخ. يسموننا إرهابيين ويقتلونا وكوننا نقتل ابريائهم. أما طائراتهم وصواريخهم والقتل الجماعي لمئات الآلاف من شعوبنا العربية والإسلامية. فهو مجرد صراع ضد الإرهاب.. داوود وزوجته يعملون ضمن شبكة في أمريكا والعالم لتجنيد المنتمين الإسلاميين للجهاد العالمي. ومساعدة الشباب الإسلامي لتأمين فرصة حياة ودراسة وعمل. ليكونوا جند الإسلام في مواجهة أمريكا العدو الأكبر.. هم الآن يتوجهون لتلبية دعوة الدكتور درويش. ويلتقون بسلمى فهي من عمر ابنتهم. يقنعوها أن تستقر في أمريكا وتستمر بعلمها. يؤمّنون لها منحة دراسية و يوجهونها فكريا لتكون اختا في الجهاد في سبيل الله…
.لقمان.. والد سلمى الطبيب المختص المنفصل عن زوجته ليلى. والذي يذهب لحضور حفلة ميلاد ابنته عند جدها… لقمان انفصل عن ليلى لم يستطع التأقلم مع طباعها وتزمتها وتسلطيتها.. وتعرف مع الزمن على ماريك الطبيبة الهولندية التي يحبها وتحبه. ويعيش معها قصة عشق يدوم لزمن طويل. يتعايشوا عبر الانترنت في رسالة يومية لمدة سنة. ستكون بمثابة قراءة ذاتية نفسية متواصلة بينهم.. هي طبيبة مثله. مسيحية بروتستنتية متدينة ولكن بطريقة أقرب لجوهر الدين منه الى طقوسه. وهو يعشق مصر ولا يستطيع فراقها. رغم إدراكه أنها بلاد متخلفة وشعبها فقير ومستغل وغلبان. وان كل شيء فيها يدل على استحالة وجود علاج يجعل حياة الناس أفضل. المشافي معبر الى الموت مجاني والناس مستكينين مستسلمين لاقدارهم. وهو لا يفكر أن يغادر ويهجر مصر التي اصبحت تقتل وتطرد أبنائها.. وكذلك ماريك التي تحب بلادها ولا تفكر بالمغادرة. لقد عاشوا سوية حب واستحالة. يعني لا امكانية ان يعيشوا سوية.. يلتقي لقمان بمارك مجددا ويتعايشا حب وليد بعد سنين. يتعاشرا جسديا ويعيشا اجمل لحظات عمرهما. ويكشفان انها لبعضهما القرين الروحي. ويجب أن لا ينفصلان.. وينفصلان على امل لقاء قريب في مصر أو في بلادها لعلمها يستطيعا الاستمرار بالعيش المشترك.. لقمان سيحضر عيد ميلاد ابنته عند جدها .
.عدنان.. قريب الدكتور درويش من جهة أمه. المدعو ايضا لحضور حفلة ميلاد سلمى.. عدنان الشاب المصري الذي نشأ في أمريكا مع والده ووالدته. والده الذي عمل سائقا لتاكسي ثم صاحب مكتب سيارات. عدنان يتذكر طفولته ومدرسته الابتدائيه وطفولته كابن ملون مضطهد في مدرسة حيث السيطرة فيها للبيض. يتذكر الإساءات ويتذكر والده وقساوته عليه دوما. وأمه الحنون التي كانت تعوضه الحب والامان.. غادر الى مدينة اخرى ليتابع دراسته ومن ثم عمله. توفيت والدته ولم يخبره والده ليحضر وفاتها.. وتأثر نفسيا فقاطع والده الذي توفي بعد حين. ولم يحضر جنازته.. وجاء الآن ليصفي اعمال والده و يحضر احتفال ميلاد سلمى عند الدكتور درويش…خال والدته…
رباب.. تلميذة الدكتور درويش والمدعوه ايضا. أتت للمطار. وتأخرت الطائرة ثم فاتتها. تعرفت على عدنان بالصدفة هنا. واكتشفت انه ذاهب مثلها لذات المناسبة. وذهبا بالقطار وسيصلون متأخرين.. رباب المحامية المختصة في الدفاع عن حقوق الأقليات والملونين.. كانت قد تخرجت محاميه واحبت اليكس الاجنبي وتعايشت معه. ثم تزوجا. وكانت حياتها هنيه وعملها مستقر في احدى شركات المحاماه. لكن تم فصلها من العمل. واكتشفت بعد حين ان سبب فصلها هو كونها من أصل غير أمريكي. وعاشت معاناتها وقررت أن تنتقل للنضال للدفاع عن حقوق الملونين والغير أمريكيين في مواجهة التمييز العنصري.. قوية الشخصيه مقاتلة شرسة عما تعتقد أنه حقها. لها كثير من الدعاوى على كل من تعتقد انه يضطهدها أو يضطهد أي أحد من الملونين… التقت بعدنان ولفت نظرها سكونه وحياديته وسلبيته.. وهاهم سوية في القطار المتأخر للذهاب الى بيت الدكتور درويش…
.سلمى… صاحبة الحفل القادمة الى امريكا الى جدها لزيارتة والتي سيحتفل بعيد ميلادها. خطأها في تحديد محطة القطار سيجعلها تفوت عليها حفلة الميلاد. هي مهتاجة جدا. فأمّها قاسية عليها وحذرتها من العيش مع والدها. وطالبتها أن تعيش عند جدها او قريبتها اميرة وزوجها الشيخ داوود. هي متردده. تركت وراءها حبيبها. ولا تدري ماذا تقرر هل تستقر هنا وتتابع علمها ام تعود لمصر. لتعيش في كنف امها خاصة أن والديها منفصلين منذ زمن بعيد.. وكان قد عرض عليها الشيخ داوود أن تلتزم دينيا وأن يؤمن لها منحة دراسية وتتعلم وتعمل هنا وتكون واحدة من الأخوات المسلمات المجاهدات لخدمة الإسلام والمسلمين هنا في امريكا… اضاعت محطة القطار وتأخر الوقت أرادت أن تستقل آخر. وفي لحظاتها الأخيرة شبه وحيدة في المحطة ويحيط بها أربعة شبان ملونين. ينظرون إليها ويحادثوها. وهي تعيش رهاب الاعتداء والاغتصاب وقد تقتل ..تتصل بجدها فيخبرها ان لا تخف وتحافظ على توازنها. واميرة تقول لها حاذري واستعملي العنف واحمي نفسك.. يقترب أحدهم منها تضربه بقلم معها على وجهه فتدميه وتهرب للقطار منتقلة لمحطة أخرى.. ويلحقها الشبان ويضربها أحدهم على وجهها في آلة حادة ويسيل دمها. لكنها تفلت منهم. تصل للمحطة واعصابها منهارة وتنزل من المحطة ويغمى عليها .
.هنا تنتهي الرواية…
.توسعت في الحديث عن الرواية الرواية لأنها تستحق.. فهي رواية المغتربين العرب الذين يرون في أمريكا والغرب جنتهم الموعودة. لكنها تتحول لجحيم لبعضهم ولحياة روتينية للآخرين.. حب غير مكتمل. حياة غير سعيدة. الوطن يسكنهم حتى في أحلامهم. عقدهم الشخصية. بؤس أمريكا وموقفها منهم. عدم انغراسهم هناك وعدم تقبلهم من المجتمع الامريكي ايضا. مصائر فردية متنافرة لا رابط بينها إلا الضياع.. لا حياة في هذه الحياة.. هناك في أمريكا. ولا حياة هنا في بلادنا العربيه ايضا..
الرواية تومئ للمأساة الإنسانية. كأفراد وجماعات وشعوب ودول بالنسبة لنا نحن العرب..
. عندما فقدنا انسانيتنا في أوطاننا كانت الغربة حل مستحيل. وكان الاغتراب والضياع مصيرنا..
20.6.2016
رواية “عناق عند جسر بروكلين” للروائي المصري “عز الدين شكري فشير” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي للكاتب “احمد العربي” الرواية رحلة في حياة مجموعة من المصريين بالاغتراب تتقاطع حياتهم مع بعضهم. عبر شبكة العلاقات العائلية. او الدراسة او العمل، قراءة بالعمق لذاتية كل واحد منهم. مع تفاعله بمحيطه. ومصائرهم في غربة عامة و اغتراب داخلي .