.نجوى بن شتوان روائيه ليبيه معاصرة، والروايه تتحدث عن فترة ماضية تمتد في عمق التاريخ الليبي منذ العثمانيين وصولا لحكم الاستعمار الايطالي، والمنطقه بنغازي وما حولها من بيوت الصفيح المتناثرة التي يسكنها العبيد والمسمات زرايب العبيد.
تبدأ الرواية وعتيقة بنت تعويضه – ذات الاصول الافريقيه السوداء سليلة العبيد- تقوم بأعمال بيتها في خرايب العبيد، انتهت قبل قليل من عملها كممرضة في المركز الصحي، وزوجها جاء من دكانه الصغير في الخرائب نفسها وأولادها يلعبون حولها، جاءها طارق على باب بيتها يسأل عنها، وتلتقيه ويخبرها انه ابن خالها علي بن شتوان، وأنها ابنة محمد بن شتوان وانه جاء يستأذنها بزيارات اخرى سيحضر لها كاغدها (ورقة نفوسها) التي تؤكد أنها ابنة شرعية لمحمد بن شتوان وليست عبده مجهولة النسب…
.من هنا تبدأ الرواية على طريقة الخطف خلفا، تقودنا الروائيه باقتدار للاطلاع على اقدار بشر عرفوا يوما ما انهم عبيد في ليبيا وافريقيا وعبر قرون…
.لنتابع حياة تعويضه العبدة التي امتلكها محمد بن شتوان الكبير وفرغها للخدمة في بيته مع عيديه العبدة الاخرى وغيرها كثير، العبيد الرجال الذين يستخدمون للاعمال الدنيا جميعها في حياة المدن والحواضر والارياف الليبية، وقد يخصى بعضهم لضرورة العمل في بيوت المالكين وبين نسائهم، والنساء العبدات التي يخدمن في كل شيء بما فيها التسري الجنسي للمالك بصفتها (ملك يمين) له، تعويضه في بيت سيدها تتبادل الحديث مع عيديه العبدة الاخرى انها ومنذ دخولها بيت سيدها طفلة صغيرة ونضجها الان لم يقترب سيدها او احد ابنائه منها للتسري الجنسي، وكانت تنظر لنفسها كفتاة سوداء غير ذات جاذبيه وقليلة الحظ ايضا فاغلب العبدات حظين مع اسيادهن بليالي جماع جنسي كحق شرعي للسيد، مع ذلك ستستقبل سيدها محمد الصغير في ليلة شتوية على باب البيت وهو في حالة سكر وستساعده في دخول البيت والنوم في غرفتها، سيتعرف عليها وسيفكر ان يكتشف عالم الجنس عن النساء السود العبدات وذلك بعد ان سمع تشجيعا من احد اصدقائه وهكذا حصل، سيتعاشر مع تعويضه وسيعتبرها خليلته وسيحبها وستحبه -وهذا ما لم يكن مألوفا في عرف العلاقة بين السادة والعبيد-، سيراقب الاهل العلاقه فزوجته الشرعية ذات الاصول العربيه من طرابلس ام بناته لم تقبل نزوات زوجها التي جعلته يهجرها، وكذلك امه التي خافت من هذه العلاقة التي ستؤدي لانجاب الاولاد وتؤدي لوجود اولاد من عبداتهم، سيعترفون بهم كأبناء لكن سيعيشون بينهم كخدم وعبيد دون حقوق (ان عاشوا)، فالام والجده يلاحقن العبدات بشكل دائم وفي حال ظهور الحمل عندهن فإنهن يسارعن الى سقايتهن مشروبات عدت خصيصا لهن تؤدي لاجهاضهن -دون علمهن طبعا- وبأعذار مختلفه، وتعويضه منهن فقد اجهضت مرتين من حملها من محمد دون معرفة السبب، محمد التاجر الذي تتالى عليه الايام ويزداد شغفه بالعبده تعويضه، وتبدأ خطط الاهل بالتخلص منها لكي لاتؤثر على ابنهم وزوجته وضرورة ان ينجب منها ولده الذكر الذي سيرث اباه والعائلة، سيخطط الاب والام لتزويج تعويضه من احد عبيدهم سالم، فهذه الظاهرة كانت منتشرة بينهم حيث يزوجون عبيدهم من بعضهم فينجبون اولادا ذكورا واناث عبيدا بالولادة والوراثة يخدمون في بيت اسيادهم، لكن محمدا لا يقبل بالزيجة ويجعل زوجها يطلقها ويلزمه بالصمت والحماية لها والا سيعاقبه لدرجة الموت، وعادت العلاقة بين تعويضه وسيدها محمد لما كانت عليه، وتعيش تعويضه كزوجة للعبد سالم وتنجب طفلا لكنها تعاشر محمد والطفل ابنه، محمد ينتظر الوقت ليبرز ورقة طلاق تعويضه من سالم ويعلن ابوته للطفل الصغير، لكن تعويضه تخطئ يوما في الحفاظ على لحم وليمة للعائله فتضرب وتحبس وتحرم من ابنها الذي يموت من الجوع، وعندها يخبر سالم سيده الكبير ان الطفل الميت ابنهم وانه الطفل الوحيد الذكر الذي جاءهم ولو من عبده، وكان محمدا في سفر وعندما عاد وعلم الامر حزن على ولده وقرر الانتقام وانه لن يتخلى عن تعويضه، اما الاهل وبعد انكشاف واقع تعويضه ومحمد سيخططون لبيع العبدة تعويضه وابعادها مطلقا عن حياة ابنهم، ويحاولون بيعها في غيبته في احدى سفراته، لكن ابن اخته علي يفشل البيع وتعاد للبيت مرة اخرى، ويخسر علي رعاية جده ويطرده لانه كسر كلمته امام الناس، لكن الاهل سيعيدون بيع تعويضه مرة اخرى للفقيه في المدينه – وهو رجل دين يمثل الشرعية الدينيه – و الذي تربطه مع العائلة علاقة مصالح تجاريه، والذي يشعر بالعداء اتجاه محمد ويريد الانتقام منه لانه كشف ان ابنه لوطي (مثلي) ويهدد الفقيه بفضحه وينافسه في تجارته، سنتعرف على حقيقة حياة الساده الاحرار في المدن كبنغازي؛ الرجال الذين يتنافسون في كل شيء ويعيشون متعهم دون رادع وستكون النساء العبيد ادوات متعهم الاهم، وسيكن ضحايا كيد النساء الحرات اللاتي سيعملن لاجهاضهن وبيعهن -وقتلهن ان الزم- لكي لا يصبحن منافسات لهن، هن واولادهن المحتمل قدومهم وتحولهم لمنافسين،
سيشتري الفقيه تعويضه وسيأخذها الى طرابلس ويسلمها لاحدى بيوت الدعارة على الا يقترب منها احد وهي خاصته، وتبتئس تعويضه ولاتستطيع فعل اي شيء وتنتظر محمدا ان ينقذها، ومحمد لا يعرف كيف يصل اليها فقد بيعت في غيابه في احد سفراته التجارية، اما تعويضه فيتم ترويضها عبر ارغامها على تناول الخمر لتدمنه، ولتقبل حياتها كيفما كانت فهي اخيرا عبده لا يكترث لامرها احد، وسيأتي الفقيه اليها مرارا وتكرارا عبر سنوات وسيمارس معها الجنس وستحمل وتجهض وتعيش حياة جحيم، اما محمد فقد يئس من ايجادها وبيت في نفسه انه سينتقم من كل من حرمه من حبه حتى من اهله، ومع الايام ستستغل تعويضه فرصة ولادة امرأة بيضاء من الاحرار ولدا في بيت العاهرات، وستأخذه على ان تتركه امام المسجد لعله يجد من يحن عليه ويأخذه بدل ان يرمى في القمامة، ككل الاطفال المولدين من العبدات او من علاقات حرام لتأكلهم الكلاب والقطط، وفعلا تأخذ تعويضه الطفل الابيض الصغير وتهرب به من نزل العاهرات، وتذهب الى بيت صديقتها عيديه وزوجها وتحكي لهم قصتها وانها تريد ان تصل لحبيبها محمد، ويقترحون عليها ان تنساه فقد نسيها ولن يغفر لها انها كانت عاهرة، والحل لها ان تنتقل للعيش مع الطفل الصغير الى زرائب العبيد تعيش بينهم ومعهم وتغير اسمها وقصتها وتبدأ حياتها من جديد وفعلا هكذا حصل. اما محمد فقد علم بقصة تعويضه والفقيه وذهب لنزل العاهرات لكنه اكتشف انها قد هربت، عاد وانتقم من الفقيه عبر حرقه من عضوة وتركه لمصيره، وبحث عن تعويضه ووجدها في زرائب العبيد لكن الحب بينهم انكسر، هو لامها على كونها اصبحت عاهرة ولم تستطع ان توصل له خبرا عنها عبر سنوات، وهي لامته انه تخلى عنها ولم يبحث عنها وتركها لمصيرها السيء، لكن جذوة من الحب كانت في أعماق نفسيهما تعيدهما لبعضهما دوما، وسرعان ما حملت مجددا وأنجبت ابنتها منه عتيقه التي أعطاها ورقة نفوسها ونسبها له لتحتفظ بها للمستقبل، وانه سيأتي يوما سيعلن بنوته للطفلة ويتحدى كل العائلة.
.ستعيش تعويضه في زرائب العبيد مع طفلتها وبجوار صديقتها عيديه التي حصلت على حريتها مع زوجها ويعملون ويبنون حياتهم وينجبون اطفالا احرار. سيكون عمل سكان زرائب العبيد في كل ما يخدم سادتهم بجوارهم في بنغازي، في البيوت وخدمتها، في غسل الصوف، وفي الحصول على الرمل وهزه، وفي حمل الماء من الابار، في كل الاعمال الدنيا، وتنشأ عتيقه في حضن امها على انها خالتها وان امها ماتت يوم ولادتها وستنسج لها قصة ام عبدة جاءت من عمق الصحراء الافريقية انجبتها وماتت، ستكبر عتيقه وسط الزرائب التي ستمر عليها متغيرات الحياة، ستعيش كل حكايا العبيد اللذين كانوا ادوات متعة وعمل عند الاسياد ستدرك مع الوقت تحول بعض الفتيات لسوق المتعة والملاهي والافراح والمناسبات، كن يعشن حياة رفاه قياسا بسكان الزرائب، لكنهم كن ساقطات اجتماعيا بحكم كونهن يمتهنون الدعارة وسيلة عيش.
.اما تجارة العبيد التي كانت رائجة. فاننا سنطل على اسوأ فعل للبشر في التاريخ: انه الاستعباد حيث تذهب حملات صيد العبيد الى بلادهم جنوب الصحراء الافريقيه، حيث الصراعات القبلية تفنيهم وتحول حياتهم، لجحيم وعصابات تجار الرقيق تسرقهن، اطفال وطفلات ينتزعن من حياتهم، ونساء ورجال وخاصة النساء اللواتي سيحضرن للبيع للمتعة الجنسية والعمل عند الاسياد، سيعانون عبر سفر اشهر في الصحراء، فالموت يترصدهم بالمرض والجوع والاغتصاب يتركون في الصحراء جثثا او مرضى ينتظرون الموت، كشهود على وحشية الانسان في عصر ما او في كل العصور، لكن العبودية لن تدوم فسرعان ما سينتهي حكم العثمانيين ويأتي المحتل الايطالي، الذي سيلغي قانونيا وجود العبيد، وسيحررون جماعيا لكن حياتهم لن تتغير، فهم مستقرون هنا في زرائب العبيد ولخدمة الاسياد في كل شيئ ولو انهم احرار اسميا…
.ستنشأ عتيقه وسط الزرائب وتكبر ستعيش حياة مقبولة ضمن ظروف الخرائب فهي تحت حماية عمتها تعويضه، والتي ستكتشف انها امها لكن بعد فوات الاوان، فالايطاليون سيقررون حرق زرائب العبيد بمن فيها من بشر لكي تقضي على مرض الطاعون المنتشر وقتها والمتهم العبيد انهم مصدره، وستحاول تعويضه الدخول لعشتها لتحضر كاغد ابنتها بابوة محمد بن شتوان لها، لكنها تذهب لقدرها فتموت حرقا، ولتخبرها عيديه بعد ذلك قصتها الحقيقيه وان لها اهلا سيبحثون عنها ويصلون اليها يوما ما، ستتألم عتيقه على امها التي لم تعرف انها امها الا عندما ماتت، ستكبر عتيقه وسط الخرائب وتعمل وسيحبها يوسف الذي يكبرها ويحميها وسيتزوجها وينجب منها الاطفال ويعيشون حياة حب ووئام ولو انها قاسيه، الى ان يأتي ابن خالها علي بن شتوان ليرد لها نسبها، ويقص عليها حكايتها ويخبرها عن والدها الذي كان يحب امها ويحبها، وكان ينتظر حتى ينتقم من كل من سبب الشقاء لحياته ويستردها كإبنه ويعلن بنوتها، لكنه سيغرق في تجارته كغيره، ستموت امه و كذلك والده وسيقاطع اخته التي اساءت له ولامها تعويضه، وعندما اقترب من ان يلم شمله مع ابنته مات فجأة في نزل في المدينه، واستلم علي ابن خالها الامانه وها هو الان يسلمها كاغدها (ورقة نفوسها)، ويتم لها معرفة حكايتها، تاريخها وجزء من تاريخ ليبيا الاجتماعي عبر قرون. هنا تنتهي الروايه.
.وفي قراءتها نقول: كنا نحتاج أن نطلع على هذه المرحلة من تاريخ ليبيا والشمال الإفريقي عموما لنعرف عمق المأساة الاجتماعية لمرحلة العبودية هناك، ولنطل على هذا الجانب المسكوت عنه في تاريخنا، ولندرك مدى عمق الجانب الوحشي في الإنسان تجاه أخيه الإنسان، وأن نمط الحياة المعاشة تاريخيا كساده وعبيد ممتلئة بكل ما يجعل هكذا حياة معاشة بكل تعقيداتها عار اجتماعي عام تم التوافق الضمني بين الجميع على الصمت عليه وقبوله كمعطى مطلق للاسف البعض يحيله لله كأقدار أو دين أو عرف اجتماعي…
.انتصارا لانسانية الانسان واعترافا تاريخيا بما حل به مآسي وما عاشه من عار عبر قرون في بلادنا وباشكال مختلفه تندرج هذه الرواية كعمل ابداعي متميز وممتاز، ويبقى الحب النساني الخلص والعام، بصفته اسمى معاني الانسانية هو المحاولة الأبرز لتجاوز هذه العبودية المديده والانتصار عليها…
.وما الربيع العربي في ليبيا وفي كل بلاد العرب الا استجابة لهذا التوق للانعتاق من العبودية على كل المستويات. وصولا للحرية والكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية والتشاركية السياسية (الديمقراطية) والحياة الأفضل …
7.6.2017
رواية “زرايب العبيد” للروائية الليبية “نجوى بن شتوان” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي للكاتب “احمد العربي “الرواية تتحدث عن فترة ماضية تمتد في عمق التاريخ الليبي منذ العثمانيين حتى الاستعمار الإيطالي، ولمنطقه بنغازي وما حولها من بيوت الصفيح المتناثرة التي يسكنها العبيد والمسمات “زرايب العبيد” ناقلة عمق المأساة الاجتماعية لمرحلة العبودية والتي كانت نتيجتها الربيع العربي .