قراءة في رواية: ابنة سوسلوف

أحمد العربي

حبيب عبد الرب سوري، روائي يمني، هذه اول رواية اقرأها له. ابنة سوسلوف، رواية يعتمد الكاتب فيها لغة المتكلم عن نفسه، حيث يسرد حكايته تباعا في حيز زمني يبدأ من ستينيات القرن الماضي، الى سنوات الربيع العربي عام ٢٠١١م وما تلاه.

يتحدث عمران الشخصية المحورية في الرواية، عن حياته في حي الشيخ عثمان في عدن جنوب اليمن، متذكرا بأسلوب تهكمي لاذع مراهقته، وبحثه واصدقاؤه عن متع جنسية سريعة عند نساء يمتهن الدعارة، في حي خاص بهن قريب من مدرستهم الثانوية، يتوسع في الحديث عن الجنس في حياته ليكون محورا أساسيا في الرواية وفي حياته كاملة، سيكون له فتاة من الداعرات تسمي نفسها الدكتورة، ستعطيه من وقتها الكثير ليأتي اليها ويمارس الجنس معها. كانت اليمن الجنوبي في ستينات القرن العشرين تصارع الاستعمار الانجليزي وتتحرك نحو الاستقلال، تشكلت مجموعات ثورية مقاتلة، اغلبها يؤمن بالفكر الماركسي، سرعان ما توحدت هذه القوى وشكلت الدولة الحاكمة لليمن الجنوبي المستقل حديثا، تنتهج الماركسية الشيوعية، كانت السلطة الجديدة متأثرة بالتجربة الصينية، سرعان ما اعتقلت النساء الداعرات وشغّلتهم في معمل لتعليب مربى البندورة (الطماطم)، وهكذا خسر عمران فتاته الدكتورة وجولاته الجنسية إليها. اعتمدت السلطة الجديدة على الابتعاث لشبابها إلى الخارج دول المعسكر الاشتراكي أو أوروبا للتعلم والعودة لبناء اليمن الجنوبي حديث الاستقلال. حصل عمران على بعثة الى فرنسا للدراسات الأدبية، كان عمران قد تعلق بهاوية ابنة منظر السلطة الأول سالم الملقب سوسلوف اليمن تشبها بالمنظر السوفييتي، كانت تصغره بكثير من السنين، يرقبها في نفس حي سكناهم، بينهم لغة العيون فقط. احس انه احبها، لكنه لم يتمكن من مصارحتها، غادر الى فرنسا، مشبعا بأفكاره الماركسية التي تبشر بسقوط الرأسمالية وولادة الشيوعية، كحل أخير لتجاوز ظلم الإنسان للإنسان. في باريس عاصمة فرنسا، اكتشف عمران قوة الغرب والرأسمالية، وأنه ليس بالإمكان أن يسقطها أحد، لذلك كان عليه أن يعايش تميزها وعظمتها وفرادتها. لقد أذهلته باريس وسلبت لبّه في كل شيء فيها. في باريس التقى عمران بنجاة الفتاة اليمنية الاب الفرنسية الأم، التي أحبها وأحبته، ويعيشان معا حياة أقرب لحياة الازواج. تمر السنين على عمران يتشرب حبه وعلاقته مع نجاة، كان المال الحاصل عليه من المنحة جيدا في البداية، ثم بدأ يعمل وينتج، لم يترك مكانا في العالم إلا وزاره معها، عاد مجددا وكثيرا بصحبتها الى اليمن الجنوبي، الذي دخلت عليه مع الزمن الكثير من المتغيرات. لقد دخلت السلطة في الصراع  بين قادتها في ثمانينات القرن الماضي، كان دمويا، ضحاياه بالآلاف، تتوج ذلك بسقوط النظام الماركسي في اليمن الجنوبي في التسعينات ودخول قوات القبائل المدعومة من اليمن الشمالي وبداية هيمنة الاتجاهات الاسلامية السلفية على اليمنيين عموما. كان عمران يعيش حياته الامتع والاجمل مع حبيبته نجاة في فرنسا، كانت قد حملت بطفلها الأول. لم تتمكن من انجابه، لانها قتلت في حادث تفجير مترو باريس في تسعينات القرن الماضي، أيام بدأت المجموعات الجهادية الجزائرية، توسع عملها الجهادي ضد السلطة الجزائرية وداعمها الاكبر الدولة الفرنسية، كان استهداف مترو الانفاق وقتها ضد الدولة الفرنسية لكن ضحاياه كانوا من الشعب الفرنسي البريء. كانت منهم نجاة حبيبة عمران، بعد علاقة استمرت خمسة عشر عاما عاد عمران بعد فقدان نجاة الى الاحساس بفقدان الامان بحياته. لقد حقد على الجماعات الجهادية، واعتبرهم ضد العصر والانسانية . توحد اليمن بعد ذلك. لم ينقطع أمل عمران بلقاء حبيبته هاوية في اليمن الذي غرق في السلفية التي أصبحت مسيطرة مجتمعيا. تعرف على أمة الرحمن داعية منهم، لقد تعرف فيها على هاوية ابنة منظر الماركسيين ايام سيطرتهم. لقد اصبحت داعية دينية سلفية جهادية في اليمن الذي كان فيه بن لادن مستقرا قبل ان يتوجه الى افغانستان، كانت تحت حماية امام السلفيين الهمداني الذي تبناها وغسل دماغها منذ هربت من اليمن الجنوبي إلى صنعاء، وزوجها لابنه عمر، واستمر معها على علاقة جنسية سرية. تعرفت هاوية امة الرحمن على عمران وعاد حبها القديم له، واصبحا يلتقيان في شقة سرية كلما عاد الى اليمن من باريس التي استقر فيها، يعمل ويعيش، كان عمران منسجما مع نفسه انه تجاوز الأديان واصبح جزء من عصر العلم وحق الغرائز والحاجات الانسانية بالاشباع دون قيد أو رادع، كانت هاوية امة الرحمن تعيش انسجاما مع حاجاتها الجسدية سواء مع راعيها وحاميها الهمداني ولو انها زوجة ابنه السكير الذي لا يقربها أبدا، ومنسجمة مع ممارستها للجنس مع حبيبها عمران، كانت داعية سلفية كبيرة، تعمل لاسقاط الرأسمالية والغرب، لأنها ترى بهم دولا اتت بالشر على المسلمين جميعا، وآمنت بالعمل لبناء دولة الإسلام وخلافته، لم نعلم كيف توافقت كل هذه المتناقضات في عقل هاوية امة الرحمن، لا نعلم كيف قبل عمران وصم الجهاديين كل الوقت بكونهم متخلفين وضد الانسانية ويودون عودة البشر الى العصور المتخلفة الظلامية، دون أن يومئ ولو عابرا الى دور معادلة الظلم الذي مارسه الغرب الاوربي والامريكي على العالم العربي والإسلامي ودفعه للدفاع عن نفسه عبر الجهاد العالمي. يتابع عمران حياته المتنقلة بين باريس واليمن ولقائه بأمة الرحمن هاوية وعيشهم فردوسهم الجنسي عبر سنوات طويلة، إلى أن حصل الربيع العربي بدء بتونس ثم مصر ثم ليبيا ثم اليمن وبعده سورية. يفرح عمران كثيرا بالربيع العربي ويراه نافذة النور الى عالم افضل يجب ان تقترن مع سقوط دول الاستبداد ودخول الشعوب عصر الحرية، حاول ان يكون قريبا من الثورات، وناسها في ميادينهم، ذهب الى اليمن وتابع الثورة هناك عن كسب، رصد حركة الشباب المندفع لاسقاط الاستبداد وبناء الدول الديمقراطية العادلة، لكنه سرعان ما أدرك كيف تم الالتفاف على ثورات الربيع العربي ومن ثم اسقاطها، حيث تحالف بقايا حكامها الذين لم يسقطوا مع الدول المجاورة، وأعادوا إنتاج انظمة الاستبداد نفسها. كما حصل في اليمن حيث احتكر التيار الاسلامي الثورة، تحالف الإمام الهمداني مع دول الخليج وصادر الثورة، واعيد خلق توافق بين بقايا الحكم ورجال الدين المتحالفين مع دول الخليج، وخرج الشباب الثائر من الثورة بخفي حنين. يئس عمران من انتصار الثورة، كان قد التقى بهاوية أكثر من مرة، لقد انضمت للثورة، تخلت عن سلفيتها، أصبحت قائدة ميدانية استمرت علاقتها بالسر مع الإمام الهمداني، ومع عمران، لم تستطع أن تتخلى عن أحدهما. ظهرت انها تلبس في كل ظرف أفكار الطرف الغالب، تبقى قائدة الميدان. أنها انتهازية بالفطرة. انكفأ عمران عن الثورة يئس منها ولاحظ كيف سرقتها القوى الاقليمية والتيار الديني، يئس من حبيبته وامكانية ان تلتحق به في فرنسا حيث يعيشون بشكل سوي و يبنيان اسرة، رفضت وبقيت تعيش في أجواء الإمام الهمداني. يئس من مصائر الثورات العربية كلها، وكيف سُرقت وكيف دُمرت، مر على الثورة السورية وفعل النظام الذي قتل الشعب وشرده ودمر البلد. عاد عمران لفرنسا، وأسس حياته مع صديقته الصينية، التي تتمثل روح الإنجاز الصيني وبنى معها حياة اعتبرها افضل من كل ما مر به.

هنا تنتهي الرواية.

 في تحليلها نقول:

تعتمد الرواية أسلوب سرد متهكم، فيه الكثير من العنجهية، يظهر الراوي وكأنه يمتلك الحقائق المطلقة يوزع شهادات حسن السلوك ووصم الاخرين، هذا الاسلوب الفوقي المتعالم لا يريح ولا يخدم عالم السرد.

ينتصر الراوي للعلم وضمنا للغرب ويجعله مثالا للنور والتقدم والحرية والحياة الأفضل، يوصم الاتجاه الإسلامي. كلهم عنده سلفيين ظلاميين وارهابيين. وهذا تصنيف متعسف. فمن جهة هناك تعدد وتنوع في صلب كل العقائد، وليس كل إسلامي سلفي وارهابي. كما أن توحيد الغرب والعلم ظلم للعلم الغير منتمي إلا لذاته كمنجز يستخدم سلبا أو إيجابا في حياة البشر، وتغطية على جرائم الغرب التي طالت في القرون الاخيرة كل البشر وضحاياها بعشرات الملايين. كما انه ظلم الاسلاميين واعتبرهم متخلفين لكونهم اسلاميين واعتبارهم ارهابيين بالفطرة والتكوين، لم يقترب أبدا من التساؤل عن ظاهرة الجهاد العالمي ودور الأنظمة الاستبدادية الظالمة والدول الغربية وظلمها للشعوب ودورها في وجود هذه القوى بدء من القاعدة وانتهاء بداعش.

اخيرا: تنتمي هذه الرواية الى موجة وصم الاسلام والاسلاميين بكل انواع السوء، وتظهر الغرب بكونه المنقذ والعلم وكونه النموذج الذي يجب ان يحتذى. كما أن هذه الغرائزية التي ظهرت في تصرف الراوي وأن الجنس هو كل شيء يعيشه ويتحرك له، حتى الحب ليس أكثر من غطاء لجوع جنسي مرضي يبدوا انه غير قابل للإشباع.

نحن امام رواية قد ترضي بعض المتعصبين للغرب و المعادين للإسلام. لكنها ذات دور ظلامي من حيث النتيجة لأنها تجافي الحقيقة فيما تحاول ان تقوله لقارئها.

٦/٩/٢٠١٩

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “ابنة سوسلوف” للروائي اليمني “حبيب عبد الرب سروري” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي للكاتب “احمد العربي” الرواية تنتمي الى موجة وصم الإسلام والإسلاميين بكل أنواع السوء، وتظهر الغرب بكونه المنقذ والعلم وكونه النموذج الذي يجب ان يحتذى للأسف والحقيقة عكس ذلك .

زر الذهاب إلى الأعلى