البنية الحزبية في سورية

أحمد العربي

عرباً وكرداً…
.قبل الثورة..وبعدها..
.ما لها وما عليها…
.ضرورة المراجعة والنقد…

اولا.ان اجواء الربيع العربي ونتائجه المتسارعه على الارض.حيث سقط النظام التونسي وثم المصري وبعده الليبي.والحل الوسط في اليمن .والهجوم المضاد على هذه الثورات. لاسقاطها وعودة الامور لما كانت عليه واسوأ…والحالة المتروكة في سوريا.تحت استمرار النظام يقتل الشعب ويدمر البلد.وفي ظل دعم مطلق من حلفائه.وصمت (مدان) يوافق على ما يحصل. ممن يدعي انه مع الشعب السوري.واصرار الثورة والثوار على اسقاط النظام وبناء الدولة الديمقراطيه.ومع وجود التشتت في العمل السياسي والعسكري. وسيطرة المصالح الضيقه والفئويه على حساب الثورة. يجعلنا نعيد التفكير بادوات الثورة من احزاب وحركات وبنى مشكله سابقا وبنى قيد التشكيل.القديم منها كان في حالة موات وتآكل وفناء. والجديد منها نبت كالفطر في جو حراك ثوري متسارع. دون ان يمتلك شروط الوجود الصحيحه والاستمراريه والنجاح…..

ثانيا.ان البنيه الحزبيه العربيه والكرديه في سوريا والمنطقه.تعود في جذورها واصولها الى القرن الماضي .فالحزب الشيوعي السوري والاخوان المسلمون يعودان للثلاثينيات من القرن الماضي.والبعث للاربعينيات والقومي السوري بنفس التاريخ تقريبا. والاحزاب الكرديه والاشتراكيه والقوميه الناصريه.تعود للخمسينيات او بداية الستينات. وهي كلها لم تقم بحالة مراجعة ذاتيه الا ما ندر .رغم ان دراسات كثيرة ومن مراكز ابحاث مختلفه درست الكل تقريبا.ولكن بقيت على بنيتها الفكريه والتنظيميه..واستمرت وكأن العالم لا يتغير.وهي كانت تسير باتجاه الانقراض لولا الربيع العربي.الذي كان رافعا لها وللسياسة في عالمنا العربي…

ثالثا.وعند النظر في البنية الفكريه .لهذه الاحزاب فهي تقتات من افكار مختلفه ومنها الحركات الاسلاميه .دون ان تقوم بمراجعة كاملة للاسلام كدين وكتاريخ وتجربه وممارسه.وكانوا مكتفين بالتعامل معه بمنطق ايماني وغيبي وتواكلي.ومحملين بكل ما علق بالاسلام عبر التاريخ .من رواسب ليست من صلبه واحيانا متناقضه جوهريا معه.كالطائفيه في الفكر والسلوك.وكتسليم القائد زمام الامر بالمطلق وتبرير استبداده بفقه متخلف. وتحويل قيادات الاحزاب لمستبدين صغار.وعدم وجود اجوبه معاصرة عن اسئلة السياسه والاقتصاد والاجتماع.وكانت بعض الاجوبه ضد مصلحة الجماعة. كدفاع الاسلاميين (في مرحلة ما) عن الرأسماليه.وعدم فهم علمي لموضوع الاقتصاد وتطورة من بنوك وغيره .وتحويل البنيه الحزبيه مع الزمن. لتراتبيه تحكمها مصلحة اميرها او مرشدها او امينها العام وحاشيته.وتحول الحزب او الجماعة لهدف بحد ذاته وليس لخدمة هدف..عدا عن ازمة الكل ومنهم الاسلاميين.بالاقصاء وعملهم لبناء دولتهم النقيه.والكل عليه الامتثال والا فعليه العقوبه.لقد كانت الحزبيه الاسلاميه .بسلوكها تعيد انتاج التخلف التاريخي بالتأسيس لحكم الفرد المستبد وحزبه الاسلامي.وتعيد انتاج افكار متخلفه ابتعدت عن جوهر الدين الاسلامي .بالانتصار للحريه والعدالة والحياة الافضل المضمونه جميعها بمقاصد الشريعه الاسلاميه..

رابعا.وبالنظر للاحزاب الشيوعيه التي نشأت في سوريا عربا وكردا .سنجد انها جاءت بفكر تصبه على واقع مختلف دون هضم للفكر. ودون دراسة للواقع وخصوصيته. خاصة لجهة الدين وحضورة في الوجدان والقيم والسلوك الشعبي.وكذلك القوميه بصفتها هوية جامعة.وقفزت فوق هذين المكونين.وظهرت وكأنها متعاليه على الواقع الاجتماعي وحصلت ريبه متبادله.ولم تستطع عبر عشرات السنين ان تتجذر في الواقع كفكر.اتهم بانه إلحادي وانه منفلت اخلاقيا مما حرق مراكبهم داخل الواقع. وهذا لا يلغي وجود بعض مناضليهم بحضورهم المجتمعي. او تاريخ صراعهم مع النظام .وحصلوا على الرضى الشعبي ولكن بصفتهم السخصيه.وبنضالهم المشهود..اما البنيه التنظيميه.التي استوردت بنية الحزب اللينينيه الحديديه.التي تحول الحزب لجيش ملتزم بالتراتبيه.وبامينه العام ولتوجه القياده.وهذا خلق بنيه مستبده مهيمنه ضمن الاحزاب. صنعت تاريخيا. ولاء ومناصرين ومارقين. مما انتج انشقاقات حزبيه سواء للاختلافات الفكريه في القضايا النظريه (الدين والقوميه وفلسطين مثلا).او الخلافات التنظيميه.بحيث هيمن القائد المؤسس على الحزب حتى وفاته.وبعض الاحزاب ورثها الابناء…ان الفكر الماركسي لم يتصالح مع الديمقراطيه.الا حديثا وعبر بعض المفكرين.فهو فكر شمولي خلاصي وعبر حزب الطبقة العامله الذي سينقذ البشريه من ويلات الرأسماليه.لكن الواقع فرز حزبا مستبدا .تغول على المجتمع والدولة واصبح قمعيا ومستغلا لمناصبه. ليحول مقدرات الدوله لمصالح خاصه.وحصل الاختناق المجتمعي من الاستبداد والحرب الباردة مع الغرب .وسقط نموذج الحزب الشيوعي الشمولي في الاتحاد السوفييتي. وانعكس ذلك على كل الاحزاب الشيوعيه بالعالم ومنها سوريا.وعاشت حالة تراجع.وتكاد تخرج من المشهد السياسي بالكامل…

خامسا.اما الحركات القوميه العربيه.فبعضها وصل للسلطة .كحزب البعث في سوريا والعراق.وكان نموذجا للعمل عكس الاهداف. ومن خلفيه استبداديه اقصائيه. ومستغله للدولة والمجتمع لمصلحة الحاكم وعصبته.واصبحت هذه الانظمه تستخدم الحزب كمجرد واجهه لتغطية الاستبداد ونتائجه الكارثيه على البلاد والعباد..واما الناصريين بفئاتهم المتنوعه والتي رأت بعبد الناصر ونموذجه.قدوة سياسيه وفكريه للقومية العربيه.واستمدت من مواقفه التحرريه .والوحدة السوريه المصريه.مرجعا لتوجههم الوحدوي.و صاروا جزء من نسيج الحزبيه العربيه والسوريه.وكانت مصابة بذات امراض البنيه التنظيميه التراتبيه التي تعطي للقياده موقع الفعل المطلق .وتخلده في منصبه.ويصبح الامين العام المرجع الذي يتنعم بالتابعين.ويبعد المختلفين وتظهر الانشقاقات.سواء لاسباب فكريه او تنظيميه..واحيانا لاسباب انتهازيه.والانتقال للمعسكر الاخر..ومع الزمن صار الحزب احزاب وبعضه معارض وبعضه في ركاب النظام طبال زمار..ونفس الحال عند الشيوعيين والقوميين السوريين..ولم يسلم اي تشكيل حزبي من هذه الامراض..

سادسا.وعند الحديث عن التجربه الحزبيه.عند اخوتنا الاكراد في سوريا.فسنجدها مسكونه بهاجسين.الاول قومي بانها تعبر عن حاجة الكرد للتوحد ولصناعة دولتهم الموحدة.والغاء الغبن التاريخي لهم .بانهم قسموا في العصر الحديث في دول كما حصل مع العرب والكرد .وعملوا ايضا ضمن الدول التي اصبحوا مواطنين بها لاجل حياتهم الافضل ولقيم الحريه والعداله. ولنعترف ان كل الحزبيه العربيه والكرديه كانت ضحيه استقطاب المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي.وكانوا ضحايا استخدامهم وبدمهم وبشكل مباشر وغير مباشر .في صراع الاطراف.وكانوا يتركوا في منتصف الطريق كضحيه في اغلب الاحيان…وكانوا متوزعين بين زعامات تاريخيه.كالبرزاني وغيره.يستمدون من مواقعهم الاجتماعيه وعلاقاتهم الدوليه .منطلقا لدور سياسي. وبين سياسيين جدد اخذوا بالفكر الشيوعي منطلقا للتعبير عن حقوقهم القوميه والمجتمعيه .وكانت هذه الاحزاب في اغلب الاحيان تنصب على المؤسس وعصبته. واصبح مع الزمن هو مدار الحق والصواب. وكل منتمي له ينطلق من الولاء وليس الاخلاص للمشروع.وكل مختلف يبتعد او يصنع حزبا جديدا .واصبحت الارض ممتلئه احزاب وكلها بمرض واحد.بنيه حزبيه زعاميه تقتات من حاجات الناس .ولا تخدمهم… وكذلك وجود وامتداد الاحزاب الكرديه التي تأخذ بالفكر الشيوعي(كما ذكرنا) .والتي كانت نموذجا للحركات المنفصلة عن الواقع. والمزاودة على الناس .والتي لا تحترم قيم المجتمع وتتعالى عليه..وكان اهمها حزب العمال الكردستاني .وامثاله كصالح مسلم وغيره.التي زاودت على الاكراد .بادعاءات جوفاء غير ممكنة التحقق.وصنعت جروحا دامت عقودا.عدى عن الاستنزاف بالمال والاولاد. الذين يذهبون بعمر الورد للحرب او الموت او الضياع…وكانت البنيه التنظيميه.لكل هذه الاحزاب اقرب للبنيه العسكريه الاوامريه وعلى قاعدة الولاء.ولا تخدم الهدف المعلن بل الزعيم رئيس التنظيم وعصبته.وكل مختلف مقصى واحيانا يعتقل او يقتل…لقد كانت الحالة الحزبية في اغلب الاحيان عبئا على المجتمع.الموحد بهمومه ومشاكله وحاجاته.والمشتت باحزابه وتنوعها وانشقاقها واجندات زعاماتها وارتباطاتهم الدوليه والاقليميه.الا ماندر…

سابعا.نعم حاول القليل من الاحزاب ان يتجاوز .استبداديته الفكريه والتنظيميه.وان يتطور ويقترب بنيه حسنه. ليعدل من افكارة و من بنيته التنظيميه ليخدم اهداف الشعب الذي قاموا اصلا من اجله.فبعض الاسلاميين.عملوا لاعادة قراءة الفكر الاسلامي. وتصالحوا مع الديمقراطيه والمدنيه والدستور المقرر شعبيا ودولة القانون. والانتخابات والمجلس النيابي وتعدد السلطات وفصلها واستقلالها وتداولها..وكانت اغلب فروع الاخوان المسلمين قد وصلت لذلك في البلاد العربيه والاسلاميه ايضا…وكذلك الاحزاب القوميه وخاصة بعض الناصريين الذين التحقوا بالخيار الديمقراطي. وان الدولة الوطنيه يجب ان تحكم ديمقراطيا وبتوافق وطني عام.وكذلك بعض الشيوعيين الذين اعادوا الاعتبار للديمقراطيه فكرا وسلوكا في الدوله والمجتمع.وتصالحوا مع القوميه وقضية فلسطين واتخذوا موقفا جذريا من النظام الاستبدادي…وكذلك الاحزاب الكرديه التي وضعت يدها بيد الاحزاب الوطنيه الديمقراطيه السوريه. وتوافقوا جميعا على الخيار الوطني الديمقراطي لسوريا المستقبل. منذ اعلان دمشق في اواسط الالفين..كل ذلك اقترن مع فرز كبير بين من يعبر عن الشعب وتطلعاته.وبين من التحق بركب السلطه.وقدم لها الغطاء السياسي والمشروعيه. واصبح اداة من ادواة الاستبداد وشرعنته.. وهذا طال اغلب ممثلي الافكار وكثير من التحزبات المخترقه والانتهازيه…

ثامنا.لقد ظهر واضحا التحول الفكري .عند اغلب الاحزاب والحركات في سوريا.انما البنيه التنظيميه لم تواكب الحالة الفكريه.فما زالت الاحزاب تقاد من مؤسسيها التاريخيين.وما زالت هذه الاحزاب اقرب لتكون احزاب افراد بعينهم. بدل احزاب افكار محدده وبرامج ورؤى سياسيه.يتم التوافق عليها والتحرك بموجبها..وما زالت الهرميه التراتبيه الاقصائيه.وقاعدة الولاء هي المهيمنه.ومازال الكثير يتشبث بمواقعه وكأن الشعب عجز عن توالد جيلا جديدا يقوم بالدور المطلوب..والكثير لن يغادر مواقعه الا للقبر…وهنا تظهر البنية الاستبداديه في الاحزاب..التي تثمر هيمنة فرد او مجموعة وهيمنة رأيهم .واغلب الاحيان مصالحهم. سواء التنظيميه او الماديه ايضا.وهنا يظهر التناقض بين الادعاء الديمقراطي .والسلوك الاستبدادي المصلحي المناقض لصالح التنظيم ومصلحة المجتمع من بعده…من هنا نفهم استمرار التشرذم وزيادته ايضا وخاصة بعد الربيع السوري…

تاسعا.وعندما حصل الربيع العربي وبعده الربيع السوري.وخرج الشباب السوري ومن ورائه الشعب.مطالبا بالحرية والكرامة والعدالة والدوله الديمقراطيه.من موقع المظلوميه.ورفضا للاستبداد..توقفت الاحزاب امام الحالة مذهولة وخافت من التورط ب(مراهقة سياسيه) قد يدفعون ثمنها غاليا.وسرعان ما التحق بالثورة اغلب كوادرها..ثم انحاز اغلبها للثورة .لان الشعب حسم موقفه ..ولكن بقيت هناك مشكلة بالتعاطي مع الثورة. التي كانت بحاجه لمن يتقدم الواجهة لكي تقود الثورة.ولم يكن بالمشهد الا هذه القيادات التاريخيه.التي حضرت(باغلبها)بعقدها وامراضها الذاتيه والتنظيميه.ووجدت نفسها تتحكم بالثورة السوريه والتعبير عنها.وزاد الوضع سوء اختلاف الاطراف الداعمه للثورة السوريه.وتناقض اجنداتها.فكانت واجهات الثورة السياسيه.اصغر بكثير من طوحات الشعب .فنقلت للتشكيلات الجديده. من مجلس وطني وائتلاف وغيرهم كل امراضهم…ورغم العجز الموجود اصلا.. بان من صنع هذه المكونات ارادها ضعيفه وعاجزه.ومع ذلك كان اداء السياسيين اقل من المطلوب واحيانا يناقضه.ونحن هنا لا نتحدث عن الفساد او خيانة الثورة.وهذا ممكن وموجود (في كل الثورات).بل نتحدث عن امراض الماضي التي انتقلت للبنى الجديده..لذلك كانت الشلليه والمحاصصه والبيروقراطيه .وارضاء المانحين والتناقضات الذاتيه..هي من ظهر في الصورة. وعطل المكونات عن ان تقوم بدورها لمصلحة الشعب وثورته…ويظهر ان الثورة والشعب ومصلحته هو الغائب الاكبر في المشهد السياسي للثورة وممثليها…

عاشرا.يبدو انه للان لم يدرك اغلب من تصدرالمشهد اننا في ثورة .وان الشعب يضحي باغلى ما عنده. ابنائه وجنى عمرة لاجل حقه الانساني بالدولة الديمقراطيه. والحياة الحرة الكريمة العادلة.وما زالوا يتصرفون وكان الشعب وثورته اقطاعيته .وملك له…(للاسف كالنظام)…ومطلوب من الكل ان يتجاوز امراضه ومصالحة يرتفع لمستوى الشعب وثورته وتضحياته.وليدرك الكل ان الشعب لن يغفر لمن يضر بمصالحه عن وعي او بدون وعي ولا احد فوق المحاسبة .حتى ابناء الثورة الذين يسيؤون لها وفي اي موقع… …

.اخيرا.نحن في ثورة يجب ان تطال كل شيئ عندنا.عقلياتنا المتخلفه.بنيتنا الحزبيه الاقصائيه الزعاميه.شلليتنا ومصلحيتنا وعقدنا وامراض الزعامة والفراده وجنون العظمه فينا.وان نتعلم من شعبنا الذي رمى كل شيئ وراء ظهرة. لاجل حقه بالحرية والكرامة والعدالة ولاجل بناء دولته الديمقراطيه لتحقيق الحياة الافضل…
.لندرك ذلك الان واننا في معركة مع نظام يحاربنا بوجودنا كله ومعه كل العالم…
.لندركة الان ونكون مع شعبنا وعند حسن ظنه وننتصر لثورتنا وبثورتنا…

26.11.2015..

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. البنيه الحزبية العربية والكردية بسوريا والمنطقة. تعود في جذورها واصولها للقرن الماضي .كالحزب الشيوعي والاخوان المسلمون والبعث والقومي السوري والأحزاب الكردية والاشتراكية والقومية الناصرية ولم تقم بأي مراجعة لها لتجاوز .استبداديتها الفكرية والتنظيمية ، قراءة موضوعية للبنية الحزبية للأحزاب .

زر الذهاب إلى الأعلى