مشروع رؤيه سياسية للثورة السورية

أحمد العربي

2 – سوريا في الثورة :

موقف النظام من الثورة.

اولا ً. استنفر النظام واجهزته الامنية والاعلامية .منذ الأيام الأولى للربيع العربي. واستشعر الخطر. فعمل على منحيين. الأول إعلامي يشكك احيانا ويتفهم ما يحصل عند الآخرين لخدمة توجهاته، فتارة يقول الثورات رد على تبعية هذه الدول لأمريكا عند الحديث عن تونس ومصر. ورد على مواقف هذه الانظمة من قضية فلسطين وغيرها. وعند الحديث عن ليبيا يصل لنظرية المؤامرة… وعلى الارض بدأ النظام بحملة استطلاع شاملة تطال قطاعا واسعا من السياسيين (معارضة وسلطة) سائلا المخبرين والناس العاديين عن رأيهم بما يحصل. وبكل الأحوال كان لسان حال النظام يقول نحن دولة ممانعة ومقاومة متمكنين من جبهتنا الداخلية عبر (السيطرة الأمنية المطلقة) ولن نتأثر بهذا الربيع.. وشاع تعبير (سوريا غير)..

ثانيا ً. لسان حال الشعب كان: فعلا سوريا غير بقية الدول فعلا، وكان أغلب المسيّسين والناس العاديين يفضلون التريث ليروا ما يحصل عند الآخرين من دول الربيع العربي. حيث تاريخ القمع والتجذر الأمني كذلك الأمن والجيش تحت السيطرة الذي يصل لأكثر من مليون كادر تجعل اي احد يفكر مليون مرة قبل الخروج للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة..ولكن أطفال درعا كسروا المحظور وخرجوا يسخرون من النظام ومن الشعب الخانع ايضا…

ثالثا ً. كان رد فعل النظام على أطفال درعا مدروس ومحدد. وهو التعامل مع أي تحرك متأثر بالربيع العربي بمنطق البطش الأمني. ليشكل رادع واقعي (قمعي وحشي). على أي شكل من أشكال التحرك.. ولم يكن يدرك النظام أن هذه الردة الفعل الوحشية .(العلنيه وتحت وسائل الإعلام والتي تصل للملايين) سيكون لها ردات فعل مختلفة واغلبها سيكون تحرك مضاد للنظام وقمعه خاصة أن الذهن الشعبي مليئ بذاكرة القمع والحقوق المغتصبه… وهكذا تحول رد النظام القمعي الوحشي . إلى حذر الشارع والنزول المتدرج الثابت و المتنامي وحصل ما سمي ربيع سوريا…

رابعا ً. منذ بداية الربيع السوري وقبله ايضا تعامل النظام مع الربيع ومطالبه بالحرية والكرامة والعدالة والدولة الديمقراطية انه عداء مباشر ووجودي مع النظام الاستبدادي وما يمثله من مصالح مباشرة لعصبة حاكمة بامتدادها العائلي والطائفي. وان الربيع السوري يعني إلغاء هذه المصالح والمكاسب التي شملت كل سوريا: اقتصادها ومواردها وافقها المستقبلي.. لذلك اخذ قراره الاستراتيجي بإنهاء الربيع السوري وبأي طريقه. وبدأت تظهر مقولات مسربة من النظام تعبر عن خططه والردع ايضا :(أخذنا الحكم بالقوة ولن نتركه الا بالقوة) . (الاسد او نحرق البلد ) . (الاسد او لا احد) . (لا اله الا بشار) كتعبير رمزي عن الهيمنة المطلقة والإرادة المطلقة في التصرف الوحشي بحق السوريين وسوريا أيضا.. وظهر هذا على الأرض عبر سنوات الثورة…

خامسا ً. كان للنظام من اوائل ايام الربيع .مسارين للتعامل مع الحالة.. المسار الأول أمني وهو التعامل مع الربيع لإنهائه وبأي طريقة. فكان الاعتقال والملاحقة ومنع الاحتشاد ومنع التظاهر. وواجهوا الناس في المساجد وحولها. كان مسارا امنيا متدرجا متصاعدا… والمسار الآخر حراك داخلي وخارجي و إعلامي يعمل للالتفاف على الربيع وإنهاؤه ايضا… حيث عمد النظام الى الاعتراف اللفظي بوجود اخطاء وضرورة الإصلاح. وان النظام يعمل للإصلاح( الذي يتطلب وقتا) .وأن هناك مؤامرة خارجية أمريكية (اسرائيلية).تطال دور سوريا المقاوم والممانع. وان هناك مجموعات ارهابية متطرفة وطائفية تخدم الغرب وتعمل لتخريب البلد ويجب مواجهتها وذلك لتبرير مواجهته الامنية العنيفة للربيع السلمي. ويبرر القتل الذي فعله كذلك التفجيرات والاعتقالات.. ويحمله كل ذلك على المؤامرة والإرهاب..

سادسا ً. عمل النظام لتشكيل تحالف واسع في معركته على الشعب السوري. فبدأ بالتفاهم مع روسيا حلفه الاستراتيجي. معتمدا على خيبات الروس من انحسار نفوذهم منذ الاتحاد السوفييتي . حيث سقط العراق كحليف وقبله أفغانستان وبعده ليبيا ولم يبقى لروسيا حلفاء في المنطقة غير سوريا وإيران. حيث حصل اتفاق استراتيجي مبكر بين النظام وروسيا. تتعهد به روسيا بدعم النظام دوليا في مجلس الأمن وتغطية له ومانعة استصدار أي قرار يدينه. أو يؤثر على فعله القمعي ضد الشعب السوري. وعسكريا بالعتاد والسلاح وكل ذلك بالمال السوري. وبدعم مالي والسلاح ايراني و يغطي طلبات النظام من ايران عراق المالكي… وهكذا حصل..

سابعا ً. وحصل اتفاق استراتيجي بين النظام وإيران وحزب الله وعراق المالكي. واتفقوا ان هذا الربيع يقصد انهاء حكم النظام وما يعنيه من ضرب للعصبة العائلية وامتدادها الطائفي (كعلويين) بشكل غير مباشر وبواجهة ادعاء فكر قومي عبر حزب البعث. والتي تتقاطع مع إيران وحزب الله وعراق المالكي .الذين عبروا علنا عن بعدهم الطائفي كشيعة. فوق الرابطة الوطنية. وادعاء المشروع الإسلامي الشيعي الفارسي وأنهم جميعا ضد اسرائيل والغرب وامريكا ادعاء. واعتبروا ان هذا الربيع يعني ضرب لهذا التحالف ولكل مكون على حدا. فإسقاط النظام يعني ضعف وضرب لحزب الله .واضعاف للمالكي في العراق وقطع يد إيران في المنطقة.. ومواجهة إيران وقوتها العسكرية ومشروعها النووي على أرضها.. لذلك وضعوا كل ثقلهم السياسي والاقتصادي والعسكري مع النظام وأصبحوا عمليا شركاء مع النظام بالحرب على الشعب السوري وثورته وإنهاء الثورة.

ثامنا ً. عمد النظام على الاستمرار بمساره القمعي الوحشي ضد الشعب السوري وحراكه الذي أصبح ثورة بعد تحوله للعمل العسكري. الرد على عنف النظام. وبشكل متصاعد بالحدة ودرجة القوة. حيث وصل للقصف بالصواريخ والدبابات والمدفعية. والطائرات المروحية والطائرات المقاتلة، واستعمل الكيماوي بشكل مخفف ثم أكثر تركيزا ليطال حوالي الف وخمسمائة انسات في الغوطة.. واعتمد النظام على واقع استئصال الثوار والحاضنة الشعبية والبنية التحتية والإنتاجية لهم. قتل للناشطين واعدامات ميدانية. اعتقالات عشوائية وتعذيب ممنهج وتصفيات. قتل عوائل الثوار هدم البيوت قلع الاشجار قتل المواشي والاستعمال العنيف  والوحشي للطرق البدائية من ذبح وقطع رؤوس الناس .انها حرب ابادة كاملة للشعب السوري وثواره بقصد إنهاء الثورة بأي ثمن.. حصل ذلك بدعم وتغطية من حلفائه. وصمت العالم وقواه الفاعلة.. واستمر هدر الدم السوري وتشريد الملايين وتدمير أكثر من نصف البلد .

تاسعا ً. لم يعتمد النظام على دعم حلفائه فقط. بل ايضا على رد فعل الغرب الذي ظهر أنه لفظي وغير جدي ودون أي فاعلية. واعتبرها فرصة لينهي الثورة. وأن تعود الأمور لما كانت عليه. الغرب لم يدعم الثورة السورية بشكل جدي . خوفا من امتداد الربيع للمشرق العربي ويطال دولا حليفة للغرب.. وأيضا لمصلحة (اسرائيل). التي وجدت أعدائها النظام السوري وحزب الله وإيران (كأعداء تحت السيطرة). في حرب استنزاف ذاتي . هذا زيادة على تدمير سوريا وإضعاف قوتها واعادتها للخلف عشرات السنين. والعمل على تأجيج الشعور الطائفي وخلق مناخ لحرب أهلية. وخلق مناخ مناسب لاستدعاء القاعدة وحزب الله وكل المتطرفين في الأرض لخوض الصراع على الأرض السورية . وقودها الشعب السوري وأهله وامكانياته ومستقبله ايضا… لذلك كان الغرب يعتمد على التنديد اللفظي. وعدم الدعم العملي للثورة. وعدم السماح للثورة ان تحصل على أسباب القوة الكافية لاسقاط النظام بعد ان فقد شرعيته وخرج كل الشعب السوري ضده.ومنع تدفق السلاح. وخاصة النوعي وترك الحالة السورية ضمن ادارة ازمة مزمنة وليس حلها.

عاشرا ً. لم يستطع كل الدعم القادم للنظام من حلفائه. ولا الصمت الغربي عنه ولا وحشيته. عن بداية انهياره أمام الشعب وثورته. فقد بدأ اغلب الجنود وبعض الضباط بالخروج من الجيش . منهم من التحق بالثورة واصبحوا من بنيتها المركزية. والبعض الآخر غادر وينتظر دورا ما قادم.. المهم لم يبقى في بنية جيش النظام إلا من يعود انتمائه وولائه الى بعد طائفي ( كعلويين) أو مرتزقة من الخارج. وعوض عن النقص عبر حملة تطويع في الجيش كشبيحة أو كتائب دفاع وطني .واغلبهم من بنية النظام الطائفية (علويين) وكذلك استدعى حزب الله للقتال  بشكل مباشر وعلني. وادى هذا مع نقص عتاد الثوار وضعف إمدادهم لأن يعيد النظام تماسكه ويتقدم على بعض الجبهات مثل القصير وغيرها.. ولكن ذلك لم يستمر .حيث أعاد الثوار التوازن نسبيا. والأمور على الأرض أصبحت تراوح مكانها عسكريا. مما اضطر النظام ان ينتقل للتوسع باستعمال الكيماوي حتى يعدل توازن الأرض وينهي الثورة.. وكان حصل على ضوء اخضر من حلفائه . ولكن أمريكا والغرب استفادت من هذا العمل للتقدم خطوة تجاه النظام وسوريا كلها ايضا…

إحدى عشر . لم يكن يعلم النظام أن استعماله للكيماوي سيؤدي لأن يكون أمام احتمالين احلاهما مر: أمريكا والغرب تتعامل مع الكيماوي على انه خط احمر يمكن للنظام أن يستعمله خارجا وخاصة (اسرائيل) وجاءت الفرصة الذهبية للانتهاء منه بالتدمير عبر ضربة تطاله وتطال كل قوته العسكرية وتساعد على سقوطه. أو من خلال توافق في مجلس الأمن للانتهاء من سلاح النظام الكيماوي عبر اتفاق مع النظام نفسه. كان النظام سباقا لقبول خيار  تدمير  السلاح الكيماوي وأنه سيناور مع روسيا وحلفائة. ليستوعب نتاج ضربه للكيماوي . ويستمر في معركته لإنهاء الثورة. واظهر المجتمع الدولي انه لا يهتم بالشعب السوري و دمه المهدور وملايينه المشردة. ويهتم فقط بكيفية التخلص من الكيماوي و تحييده…

إثنى عشر . استفاد النظام من قبول المجتمع الدولي التفاوض معه على تدمير الكيماوي والتفتيش.ودخل في حرب إبادة مسعورة على الشعب في كل المواقع. و بوتيرة قصف لا يتوقف .مجازر متنقلة. وقتل الحاضنة الشعبية في كل مكان. وحصار معيشي كامل وصل في بعض المواقع لاكثر من سنه. مثل المعضمية وبعض المناطق الأخرى. ففوق الموت بالقصف هناك الموت جوعا وعطشا ومرضا.. وكل ذلك والعالم مشغول بالكيماوي.. ومازال النظام عند مربعه الأول إنهاء الثورة وعودة الشعب عبيدا ولو قتلى والبلاد مزرعته ولو خراب..

ثالث عشر . اعتمد النظام على الاستفادة من خطط الغرب لسوريا والاستفادة منها. فقد بدا متوافقا معه في موضوع الإرهاب .ورعى بعض المجموعات ويعتقد أن له امتداد بالقاعدة وغيرها. ودائما يظهر ما يؤكد ذلك. وعمل على تخويف المكونات الاثنية الأكراد و الدينية المسيحية. و الطائفية العلويين والدروز والإسماعيليين. بان هؤلاء ارهاب اسلامي سيقضي عليهم أو يفرض عليهم سلطة تطهدهم.. لكن ذلك لم ينجح والتحق الكل بالثورة وكل حسب الإمكان.. واستعمال شبيحته في كل الفئات.. كجماعة حزب العمال الكردستاني. أو جماعة صالح مسلم حزب العمال الكردستاني بين الأكراد التي ظهر أنها اداة عند النظام .وأنها تتصرف مثلة قتلا بالشعب وهي مستهدفة بالثورة النظام وأعوانه.. وكذلك بين كل مكونات الشعب السوري..

رابع عشر . يعمل النظام الآن على طور جديد في استراتيجيته. فقد تأكد من جدية النظام العالمي معه وأنه مستهدف للسقوط .وضرب حزب الله وتحجيمه.وقطع يد إيران. فاعتمد تكتيك القبول بالتنازل عن الكيماوي. وأنه يقبل بالدور الدولي. وانه اعترف بعدم قدرته على الحسم عسكريا. وأنه يقبل بوقف إطلاق نار وحوار أمر الواقع على الأرض. وهذا اعتراف منه بالثورة و قوتها وامتدادها. وهذا يعني قبولا شرعيا في الحوار في واقع المشكلة السورية. بعد ان كان يتصرف وفق منطق الحرب على الإرهاب. ويعني إنهاء الثورة التي بقيت عند هدفها اسقاط النظام ومحاسبته وبناء الدوله الديمقراطيه…

خامس عشر . كل تكتيكات النظام فشلت باعادته .ليكون نظام العصبة والسيطرة على الدولة والمجتمع. وانه يزيد من جراح الناس وانه لن يكون له أي دور في مستقبل البلد وأنه سيخضع للمحاسبة بعد السقوط ولن تسقط حقوق الشعب وستحصل من كل من أوغل في الدم والمجتمع السوري. وان الغرب اكتفى منه بخدمته الذاتية بقتل الشعب وتدمير البلد واضعافها عسكريا وعلى كل المستويات. وأنه زائل ومعه حزب الله… وهو يحاول تأجيل ساعة الحقيقة تلك..

سادس عشر . مازال للنظام دور يطلبه منه الغرب مزيد من التدمير للدولة السورية .واستنزاف قوتها. وتسليم سلاحها. وأن تكون مجرد طرف حاضر في مؤتمر جنيف القادم. الذي يسعى الغرب الى وضع اليد على سوريا ورسم صورتها المستقبلية. محققة مصلحته اولا . لكن شعبنا وثورته مستمرون هدفنا إسقاط النظام ومحاسبته وبناء دولتنا الديمقراطية رغما عن الكل.. وبارادة الشعب المطلقة…

أخيرا . ان مسار النظام تجاه الثورة السورية كان محكوما .استراتيجيته المحددة بإنهاء الثورة واستمرار عصبته المستبدة باستعباد الشعب واحتلال البلد. ودعمه  بحلفائه وغازل كل الأطراف الدولية  ولعب وسيلعب بالوقت ليؤخر ساعة الحقيقة (سقوطه). لكنه لن يلغيها. وأن الغرب لن يتمسك به (كعدو تحت السيطرة). سقطت شرعيته الشعبية. واوغل بالدم وان الشعب السوري لن يتنازل عن إسقاطه ومحاسبته وبناء الدولة الديمقراطية… تنوعت الطرق وتؤدي كلها لذلك.

جنون قوة النظام كان قاسيا على شعبنا. وقد لا نستطيع تجاوز نتائجه بعشرات السنين.. لكنه كان القبر الذي يسقط به النظام وكل أذنابه… وان شعبنا قادر و يصنع نصره..

بعون الله.

٢١ . ٩ . ٢٠١٣م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى