حمزة المصطفى باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. وكتابه المجال العام الافتراضي في الثورة السورية بعناوينه الفرعية : الخصائص . الاتجاهات . آلية صنع الرأي العام . هو دراسة مبكرة تنتهج المناهج العلمية في دراسة الثورة السورية التي حصلت في ربيع ٢٠١١م وذلك في سنتها الأولى بشكل تقريبي…
المجال العام والمجال العام الافتراضي.
بدأ الباحث دراسة الثورة السورية بمدخل نظري منهجي في الحديث عن المجال العام المجتمعي بصفته الحيز الذي يشمل كل ما يتعلق بالصالح العام، الدولة ، نظام الحكم، الأحزاب السياسية ، البنى المجتمعية المختلفة، في حالتها الواقعية وحركتها سواء ذات العمق التاريخي الطوائف والجماعات الدينية والإثنية أو ذات البعد المجتمعي المستجد من نقابات ومؤسسات مجتمع مدني…الخ .
كما تناول الباحث الطور الإنساني الجديد المتشكل على خلفية وجود الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. فيس بوك ويوتيوب واتساب وسكايب وغيره التي شكلت في أوائل العشرية الثانية للقرن الواحد والعشرين مجتمعا افتراضيا مكملا للمجتمع الحقيقي المعاش للناس، خاصة عندما كانت وسائل التواصل الاجتماعي المنبر الأهم وليس الأوحد المعبر عن حراك ثورات الربيع العربي بدء من تونس الى مصر وليبيا واليمن وصولا الى سورية بعد ذلك…
وسائل التواصل الاجتماعي التي استطاعت أن تكسر حاجز الخوف من جهة حاجز المنع وأن يعبر من خلالها أبناء الثورات العربية عن وجودهم و تطلعاتهم ومطالبهم وخطط تحركهم واستقطابهم، بحيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مسرح عمليات مسبق لصناعة وقائع يراد تحقيقها على الأرض بغض النظر عن مقدار نجاحها أو فشلها…
الصفحات التعبيرية في الثورة السورية.
مهد الباحث بالحديث عن مسار بدايات الربيع السوري. وكيف تطور من متابعات الشباب السوري المهتم والمتأمل بتغيير واقع الاستبداد والفساد والقمع كما حصل في دول الربيع العربي ليصل الى سورية، وأن تاريخ العمل السياسي المعارض في سوريا لم يكن ينبئ بأي ضوء في المستقبل. النظام اعتمد على استئصال السياسيين والسياسة المعارضة بكل انواعها عبر عقود في سورية. بحيث ظهر ان لا رافعة مجتمعية قادرة على أن تحتضن انعكاسات الربيع العربي في سوريا وتبدأ في خلق ظروف الحراك الثوري ورعايته والعمل لنجاحه…
لكن واقع الظلم المجتمعي في سورية على كل المستويات السياسية والاقتصادية والتعليمية والخدمية والثقافية..الخ . الفساد والمحسوبية والفقر والقمع والذل والتقية وسطوة النظام كانت حاضرة بحيث جعلت كل مواطن سوري يحس ببعض من هذه المظلومية وأنه ضحية لها. لذلك كان لا بد من ثورات الربيع العربي تسبق الحدث السوري المندفع نحو الثورة وتمشي معه احيانا وتتبعه في أغلب الأحيان…
وهنا كان دور وسائل التواصل الاجتماعي .
يؤكد الباحث أن استثمار وسائل التواصل الاجتماعي الفيس بوك واليوتيوب خاصة كان مدخلا مباشرا للناشطين الذين تداعوا لكي يكونوا جزء من حراك الثورة السورية وصانعين له. بعضهم في الداخل السوري تستر بأسماء مستعارة. وبعضهم في الخارج خاصة ممن هرب من بطش النظام منذ عقود ماضية. وأنها استغلت إتاحة النظام لشبكة الانترنت . واستفادتهم من الأساليب المتبعة لاجتياز المنع والقدرة على التواصل والسرية في ذلك عندما يحتاجوا…
كان لتطور اندفاعة الربيع السوري من بدايات اطفال درعا وكتاباتهم الجريئة ورد النظام المجرم ودرجة قسوته على الأولاد وعلى اهلهم. وتطور الاندفاعة الشعبية بعد ذلك وتوسعها من درعا الى أغلب المدن والبلدات السورية. جعل وجود وسائل التواصل الاجتماعي والاعتماد عليها كقائد افتراضي وموجه ميداني مهم جدا خاصة وان الساحة السورية كانت قد أُفرغت عمليا من اي بنية معارضة واسعة قادرة ان تستلم الراية وتقوم بدور ميداني مباشر. جاءت مواقع التواصل الاجتماعي لتسد النقص وتتمّم الدور…
افتتح الناشطين مواقع الكترونية تتابع شؤون الثورة السورية منذ الأيام الاولى للربيع السوري. كان اهمها:
صفحة الثورة السورية ضد بشار الاسد ٢٠١١
التي كانت تتابع شأن حراك الثورة والحراك العملي الميداني للثورة السورية والحديث هنا عن السنة الأولى للثورة. فهي ترصد المتغيرات وتتابع المعلومات ومقاطع اليوتيوب المنقولة عن الحراك الميداني للمتظاهرين في كل حالاتهم. مواجهة الشبيحة او عنف النظام او اطلاق النار وسقوط الشهداء… الخ. اضافة الى المقالات والنصوص السياسية المتابعة للحدث الثوري السوري أولا بأول.
كما تواجدت أيضا شبكة شام الإخبارية:
التي قامت بذات الدور التي قامت به صفحة الثورة السورية بحيث تكاملت معها وتابعت على ذات الخط في التوثيق ومحاولة توجيه الحراك الثوري على الأرض..
كما تواجدت صفحة أوغاريت الإخبارية :
التي اهتمت بنقل أخبار الساحل السوري معلوماتيا أول بأول…
توقف الباحث عند حقيقة غياب قيادة ميدانية حقيقية للحراك الثوري السوري. وان الواقع المعارض والثوري السوري غير متوافق استراتيجيا على افق مستقبلي يجب التحرك له كعمل جبهوي سياسي للمتنوعين عقائديا لكن لهم أهداف مشتركة. لقد أخذت الثورة السورية الكل على حين غرّة. لذلك وفي التعامل مع الواقع اليومي المستجد للثورة في حراك الناشطين وفي ردود فعل النظام واستراتيجيته العنفية المواجهة للثوار. عاد الناشطون إلى أصولهم المسبقة العقائدية بحيث ظهر انقسام علماني إسلامي لم يكن يخدم الثورة بل كان ضد مسارها المفترض أن يكون كل ناشطيها على قلب واحد وفي الاتجاه نفسه… خاصة وان هناك ضخ إعلامي معادي للحراك الثوري دفع الى تعميق هذا الاختلاف…
الصفحات التحريضية الدينية.
توقف الباحث عند بدايات تحول الحراك الثوري السوري نحو الاسلمة وفي بعض وجوهه نحو الطائفية وان ذلك بتأثير الخلفيات الاسلامية لاغلب الناشطين وخاصة الموجودين في الخارج. وان هناك دعاة إسلاميين أثّروا في توسع ظاهرة الأسلمة في الثورة السورية.
لم يذكر الباحث أن بنية النظام الطائفية العلوية في الجيش والأمن وفي كل مفاصل الدولة كان يمثل الفعل الطائفي الأول في سورية. وان الرد الطبيعي من الناشطين أن يكون في احد اوجهه ردا طائفيا. ونحن هنا لا نبرر لكننا نفسر ونفهم الحالة. كما أن النظام اعتمد في أعمال العنف في بعض البلدات والمدن على الدافع الطائفي لمجازر شارك في بعضها بعض العلويين من أهالي البلدات المجاورة، نموذج ذلك مجزرة البيضا …
الشيخ يوسف القرضاوي.
يربط الباحث أدوار بعض القنوات الفضائية وخاصة الجزيرة ودورها في الترويج لثورات الربيع العربي وكيف كانت منبرا متاحا لكثير من أنصار الثورات، كان القرضاوي من أهم الوجوه التي دعمت كل الثورات العربية وأنه وجّه رسائل مباشرة للثائرين السوريين وحتى للنظام. وأومأ بها للطائفية عند النظام ودوره. ونحن هنا نرى أن ذلك صحيح ومطلوب. وان الفعل الإجرامي للنظام لم يكن ينتظر اسلمة الثورة حتى يبطش بالشعب السوري وثورته. بل كان يسير وفق خطّته المعتمدة على مقولة الأسد أو نحرق البلد وعلى انهاء الحراك وقتل الناشطين والثوار وحاضنتهم الشعبية وتدمير بلداتهم ومدنهم وتهجير من تبقى منهم. واخلاء سورية ديمغرافيا للنظام وحلفائه إيران وحزب الله وروسيا. وهكذا حصل…
لذلك لم يكن لخطاب الشيخ العرعور الطائفي على سوئه أي دور حقيقي في توجه النظام الذي اعتمده ضد الشعب وثورته الا كذريعة. وان النظام نفسه هو من اطلق الإسلاميين السلفيين الجهاديين القاعدة وداعش من السجون حتى ينجزوا مهمة النظام بالقضاء على الثورة السورية عبر اختراقها خاصة في جانبها العسكري هذا ما سيحصل بعد سنوات من الثورة ومن زمن إنجاز هذا الكتاب…
لذلك لم يكن للخطاب المعقلن لتيار الإخوان المسلمين الموجه للحراك الثوري اي تأثير حقيقي على حراك الثوار والثورة على الأرض الذي أصبح رهينة بيد النظام وحلفائه وبيد داعمي الجناح المسلح للثورة من دول كانت راضية عن اسلمته. وحتى عندما كان للغرب دور عبر غرف الموم والموك لتقديم الدعم المدروس للثوار كان الصمت عن الاسلمة هو قبول ضمني لانحرافها. وكان لعدم تقديم الدعم الكافي للثورة دورا في استمرار استنزاف الدم السوري من كل الاطراف وان : لا يسقط النظام ولا تنتصر الثورة… وهذا حديث آخر…
تحدث الباحث عن مواضيع مهمة كان للتداول وصناعة الرأي حولها دور مهم في صفحات التواصل الاجتماعي. وهي:
تسمية أيام الجمع . وعلم الاستقلال . و الجيش السوري الحر.
حيث تم اعتماد التصويت في المواقع المذكورة سابقا وكان الناشطين المشاركين يصل لعشرات الآلاف . وظهر هنا ايضا الانقسام المجتمعي وخاصة المثقفين والسياسيين علماني إسلامي وظهر أن التوجهات المستقبلية للثورة السورية وشبابها غير مبلور استراتيجيا.
ينهي الباحث كتابه أن واقع حال الثورة السورية مع مضي الوقت تجاوزت ان تكون اسيرة غرف انترنت لمتابعتها وتوجيهها وانتقلت لتصنع ادواتها العملية على الأرض. فأنشأت :
تنسيقيات الثورة السورية .
التي تشكلت كحاجة عملية ميدانية في المدن و الأحياء والبلدات وان بعض هذه التنسيقيات كان افتراضي وبعضها كان له فاعليته في الميدان. وان التطور الطبيعي لها كان وصولا الى اتحاد تنسيقيات الثورة السورية. وان كل هذا الحراك أصبح جزء من الحراك العربي والدولي حول القضية السورية. حيث سيعلن ولادة المجلس الوطني السوري بغطاء عربي مع تجميد عضوية النظام السوري في الجامعة العربية. واصبح هناك تمايزات واختلافات على قضايا استراتيجية. فقد اختلف الناشطون حول التدخل الخارجي وعسكرة الثورة السورية خاصة أن هناك من اندفع لنقل الحالة الليبية التي انتصر بها الشعب الليبي عبر تدخل عسكري دولي ادى لقتل القذافي وإسقاط حكمه…
إن أهمية الكتاب الذي بين يدينا بأنه من أوائل الدراسات العلمية الرصينة التي تناولت الثورة السورية في سنتها الاولى… وهذا امتياز الكتاب وميزته…
لقد كان مبكرا استنتاج أن السياسة بالنسبة للدول هي مصالح اولا وان قضايا الشعوب وتحررها وإسقاط الاستبداد بها وبناء دولها الديمقراطية هي هواجس هذه الشعوب ولا تعني عند الدول بأي قيمة إلا بمقدار افادتها من دعم هذه الثورات او تدميرها. للاسف نحن كشعب سوري وثورة كنا فقط مسرحا لصراع المصالح ونحن الشعب كنا الطريدة. روسيا وإيران والميليشيات الطائفية حزب الله وغيره دعموا النظام وقتلوا وشردوا الشعب السوري. الشهداء فوق المليون والمشردين أكثر من نصف الشعب السوري، سوريا خراب ومحتلة من امريكا ايضا وبعضها يسيطر عليه حزب العمال الكردستاني الانفصالي تحت الرعاية الأمريكية . بعض سورية تحت سيطرة النظام يعيش حياة فقر وقهر وعوز، بعض سوريا محرر مكتظ سكانيا و له شجونه. وبعض سوريا محرر وتحت الرعاية التركية يحاول أن يصنع مستقبلا افضل…
في السويداء ثورة متجددة تطالب بإسقاط الاستبداد وبناء دولة الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية لكل الشعب السوري…
في حمص مذبحة جديدة للضباط الخريجين وعائلاتهم من طائفة النظام… كرة النار للسياسة السورية تتحرك بكل الاتجاهات…