صدرت رواية عندما اشتهت السفن عن دار موزاييك في اسطنبول ، للكاتب نادر عازر، وهذا أول عمل روائي أقرأه له.
يعتمد الكاتب على أسلوب السرد على لسان الراوي. متحدثا عن منطقة شمال شرق سوريا وتحديدا مدينة الحسكة. وذلك بعد سنوات على حصول الربيع السوري عام ٢٠١١م.
تبدأ الرواية عندما تزداد ظروف الصراع بين النظام السوري من طرف وبقية القوى المنضوية بالثورة السورية وكذلك الجماعات الجهادية القاعدة “النصرة” وداعش، كذلك دخول حزب العمال الكردستاني ممثلا بقوات سوريا الديمقراطية بدعم من النظام ليحارب الثوار ومن الامريكان ليواجه داعش التي بدأت تتوسع في أغلب المناطق المحررة من قبضة النظام في سوريا…
في هذه الظروف نتابع حياة سما المسيحية، الفتاة العشرينية ابنة الحسكة ، تجهز نفسها لتذهب الى والدها الموجود في السويد منذ أكثر من عقدين من الزمن. احسّت انها مستهدفة من كل الأطراف. ولم يبقى لها أحد تخاطر وتستمر لأجله في سوريا. حيث كانت انتحرت قبل أيام صديقتها الاعز نور ابنة جيرانهم وزميلتها في المدرسة وفي عيش مراهقة فيها الكثير من التعايش الجسدي فقد كانتا مثليتين . كما افتقدت قبل ذلك جدها وجدتها الذين توفيا ايضا…
تعود سما بذاكرتها الى جدها الشيوعي السابق الذي عايش أجواء الحزب الشيوعي قبل انشقاقه. في سبعينات القرن الماضي. كان انشقاقه لأسباب كثيرة أهمها الموقف من النظام السوري ومن الاتحاد السوفييتي والقومية العربية وقضية فلسطين. حزب منهما واكب النظام في تبعية مطلقة وحزب واجه النظام وكان مصير منتسبيه الاعتقال والملاحقة والموت و الهروب والتخفي. كان جدها نقديا تجاه الحزبين. ترك العمل التنظيمي منذ ذلك الوقت، لكنه استمر يحمل الأفكار الشيوعية وانتقل الى الكتابة وانجز كتبا كثيرة…
كان في حياة سما ندبة نفسية كبيرة فهي نشأت تحت رعاية جدها وجدتها. ابوها سافر منذ طفولتها الى السويد. وأمها توفيت وهي بعمر سنة ونصف. لم يخبروها ما سبب وفاتها. خوفا عليها من أي ردة فعل. لقد علمت بعد ذلك من والدها حين وصلت الى السويد أن والدتها كانت مناضلة في الحزب الشيوعي المعارض للنظام -المكتب السياسي- وأنهم اعتقلوها وعذبوها كثيرا في الثمانينات، وبعد فترة اعتقال أفرج عنها مريضة جدا. توفيت على أثر ذلك .
احتفظ جدّ وجدة سما بأوراق أمها وسلموها إياها بعد نضجها. أخذتهم معها إلى السويد لكي تطلع عليهم وعلى كتب جدها هناك بعد سفرها…
أنجزت سما تجهيزاتها وتواصلت مع والدها الذي تواصل مع مهربين لكي تتمكن من السفر الى لبنان ومنه الى تركيا ومن ثم إلى اليونان وبعد ذلك الى السويد. مرت رحلتها بسلام لكنهم اكتشفوا في السويد انها تحمل جوازا مزورا فوضوعها في مجمع للاجئين. وسرعان ما حضر والدها الحائز على الجنسية السويدية وأخذها إلى بيته…
والدها الذي كان قد تزوج ثانية بعد وفاة والدتها وانجب ابنا شابا من عمر سما تقريبا وهو يعيش مع زوجته وابنه في فيلى وإمكانياته المادية جيدة، حيث فتح مصبغة لتنظيف الملابس ونجح فيها وهي تدر عليه أرباحا مجزية…
لم تتقبل زوجة الاب الابنة القادمة بمودة، وكانت تعاملها بجفاء وحذر. اما سما فقد جاءت وهي ممتلئة بأفكار شيوعية تؤمن من خلالها بدور مطلوب من الشيوعيين والشباب بشكل أساسي لمواجهة الرأسمالية المهيمنة في كل مكان وأن الثورة الشيوعية مازالت مستمرة وان سقط الاتحاد السوفييتي.
اعتكفت سما على ما كتبت والدتها وجدها تقرأ وتتعمق. وكانت مرشدتها التي فرزتها لها الدولة السويديّة تحمل مثل افكارها. وصلتا إلى مرحلة أن عاشتا معا في بيت مرشدتها. وحصلت بينهما علاقة مثلية وكان ذلك طبيعيا. و انخرطت سما لسنوات في النضال مع الأحزاب اليسارية التي تنشط بكثافة من أجل العمل للثورة وإسقاط الرأسمالية العالمية…
حاول والد سما ان يوضح لها طوباوية ما يحلم به هؤلاء الشباب وهذه الأحزاب على كثرتها. فهي هامشية في المجتمع وفي التأثير في سياسة الدولة. كان نجاح أحدهم في المجلس المحلي يعتبر انتصارا. كما ظهر من متابعة سما لحالة هذه الأحزاب فوجدت أنها تدور في حلقة مفرغة ولا تستطيع فعل شيء سوى استهلاك طاقة الشباب وهدرها دون مردود حقيقي. لذلك بدأت حملة مراجعة لمسارها بعد مضي سنوات. اقترن ذلك محاولة زوجة والدها أن تسيطر على المصبغة وأن تبعدها عن إدارتها، وأن تزج بأخيها بتسيير عمل المصبغة مما أدى الى الفشل وانهيار العمل في المصبغة وحصول أزمة قلبية لوالدها نتيجة ذلك. مما دفع سما للعودة إلى المصبغة واستلام إدارتها. بحيث استطاعت وبزمن قياسي أن تعيد العمل لنجاحه واصبح المردود أفضل وتجاوز والدها أزمته الصحية. كما ابتعد أخاها عن المصبغة وحاول فتح مطعم فشل به أيضا وخسر ما جمعه وما اقترضه. كما تورط بالمقامرة. أصبح مفلسا وضائعا لولا دعم والدته له، حيث إعادته للعمل بالمصبغة تحت اشراف اخته سما.
كانت السنوات التي مرت على سما وبعد قراءة ما كتبه جدها ووالدتها وكثير من الكتب الأخرى وتجربتها مع الأحزاب اليسارية الطوباوية جعلها تفكر ان الحل ليس بالرأسمالية التي تسخر كل العالم لمصلحة أفراد قلائل وإن اليساريين المغرقين في أحلامهم عاجزين عن فعل أي شيء حقيقي على الأرض. وان هناك طريق ثالث بدأت تحدد معالمه وأن مهمتها ايجاده وطرحه ليتم السير عليه. لقد أوجدت لها قضية تعمل لأجلها…
في أجواء المصبغة تعرفت سما على أحد العمال وكان مهاجرا مسيحيا من مصر. حدثها عن كيفية مغامرته بالذهاب مع المهربين إلى ليبيا ثم إيطاليا بالبحر ثم وصل للسويد ومن ثم عمل عندهم. وان واقع مصر لم يكن جيدا. وأنه شارك مع الشباب المصري في الثورة المصرية في بداياتها. وان الثورة انحرفت وان اضطهادا دينيا للمسيحيين حصل اضافة لبعض التفجيرات في كنائس وتجمعات مسيحية دفعه للهرب واللجوء للسويد…
ونحن نقول هنا بالنسبة لهذه الجزئية ان التحقيقات أظهرت وبالتفصيل تورط أجهزة استخبارات النظام البائد في خلق الفتنة الدينية الطائفية في مصر لتبرير الانقلاب على محمد مرسي الرئيس المنتخب لمصر ومن ثم عودة حكم العسكر بكل جبروته وبطشه وظلمه حيث استفتح عهده بالمذابح التي واجه بها شباب الثورة في اعتصاماتهم وتجمعاتهم…
توطدت العلاقة بين سما والشاب المصري وأصبح بينهما تناغم نفسي وعاطفي وبدأت سما تنشدّ إليه متجاوزة مثليتها مع صديقتها حيث تركت العيش معها وبدأت تفكر بالعيش مع الشاب المصري حبيبها في بيت واحد . حياة مساكنة مشتركة قد تنتهي بزواج…
لكن متغيرا حصل انهى هذا الحب إلى مأساة، لقد كان في المجتمع السويدي عصابات سرقة وقتل وتجارة مخدرات وإدمان… كل ذلك تحت نظر الدولة. كانت عقوباتها غير رادعة. فلا تواجه تجارة المخدرات بحزم. ولا تعاقب السارق او القاتل الا لفترة محدودة ليعود الى سابق عهده. وكان من سوء حظ سما ان شاهدت جريمة قتل لأحد الشباب من هذه العصابات وعرفت القاتل ورفيقه. وبعد فترة اعتقل القاتل وكان لابد أن يوجد من يشهد عليه والا فلن ينال جزاؤه. تشجعت سما للشهادة رغم ان والدها وصديقها المصري قالوا لها ان ذلك يجعلها في خطر وأن العصابة لن تسكت عنها. لكنها لم تستجب لهم هاهي الفرصة تأتيها لتتصرف وفق مبادئها ومثلها وتحارب الجريمة علنا. شهدت بما شاهدت ولقي القتلة جزاءهم بالسجن…
مرت الأيام وسما تجهز نفسها للذهاب إلى بيت حبيبها المصري والعيش معها. جاءها أحد أفراد العصابة ملثما يحمل السلاح. أطلق عليها عدة رصاصات، قتلها وولى هاربا…
كان مقتل سما فاجعة لوالدها فقد حاول الانتحار. وكذلك الحال على حبيبها. الذي قرر أن يحمل رسالة سما ويكمل بها محاربة العصابات المجرمة والسير في الطريق الثالث لتحقيق العدالة الاجتماعية ومواجهة توحش الرأسمالية…
الى هنا تنتهي الرواية.
في التعقيب عليها أقول:
كنا ننتظر موقفا واضحا من الثورة السورية وخاصة أن أحداث الرواية حصلت بعض مضي سنوات على حصولها. إن عدم الخوض في ذلك نقطة ضعف. وكأنّ سما ومحيطها كانوا يعيشون في غيتوات ذاتية. يخافون مما حصل. نعم لقد ذكرت الرواية القصف والقتل والتدمير والكيماوي كأفعال للنظام دون أن تربطها بكونه نظام طائفي استبدادي قاتل وعبر عقود طويلة وان الشعب ثار لإسقاط النظام واستعادة الكرامة الإنسانية والحرية والعدالة والديمقراطية لكل السوريين…
ليس كافيا ان تظهر سما هاربة من النصرة و داعش وقوات سوريا الديمقراطية او المسلحين الاخرين وكأنها وامثالها ضحايا كل ذلك فقط.
صحيح أن الأم كانت معارضة للنظام وماتت نتيجة التعذيب والاعتقال ومن ظلم النظام سابقا. ولكن لم تظهر الرواية اي تعاطف مع الثورة التي حصلت عام ٢٠١١م ومطالبها المحقة…
وكذلك لفت نظري وكأن شخصيات الرواية هم مسيحيين فقط. سما المسيحية. الشخص الذي ساعدها في السفر أرمني مسيحي. وحتى عندما وصلت الى السويد. تفاعلت مع المصري المسيحي الذي أصبح حبيبها. رغم أن جدها وأمها متجاوزين ذلك كونهم شيوعيون وأن واقع حياتها فيه انخراط بنشاطات كثيرة متنوعة لا علاقة بدينها بل من مختلف مع الدين عموما…
كذلك للرواية أهمية طرحها ما عاشه المهاجرين الهاربين من ظلم الانظمة الى السويد وكيف عاشوا و حاولوا ان يبنوا حياة جديدة منتجة ونافعة.
كما كشفت الرواية بنية المجتمع السويدي ونمط علاقاته وأمراضه. وأنه حتى في السويد هناك جريمة وتمييز ومخدرات وعصابات وان لكل بلاد همومها وان لها مشاكل تحتاج لأن تحل…
كما أن الرواية تصر على وضع اشارة اتهام للرأسمالية بصفتها تظلم مجتمعاتها. ولو أن الظلم في اوروبا اصبح محمولا ويتعايش معه الناس وان الرأسمالية تعيش على استمرار استعمار الشعوب الأخرى من نوع حديث: ينهب الشعوب ويبقيها على تخلفها محكومة بأنظمة مستبدة ظالمة لا ترحم.