قراءة في كتاب : سؤال المصير ٤ من ٨ ||  قرنان من صراع العرب من أجل السيادة والحرية

أحمد العربي

الفصل الرابع :

أوهام العقل من التغيير إلى التنوير :

الحداثة في مواجهة التراث :

في هذا الفصل يطل د برهان على الواقع الفكري العربي ممثلا ببعض مفكريه وكثير من مثقفيه، فبدلا من البحث عن أسباب فشل مشروع الحداثة العربية منذ مفكري النهضة الذين طرحوا ضرورة الأخذ بأسباب الحداثة والعلم والعقلنة والتصنيع وخلق فرص الحياة الأفضل وتحقيق العدالة. حيث استمر هذا التوجه وواكبه المفكرين الذين طعموا توجهاتهم الفكرية بالاشتراكية أو الليبرالية لصناعة المستقبل الأفضل للعرب.

لكن هزيمة العرب أمام إسرائيل جعل بعض المفكرين والمثقفين يعيدون سبب هزيمتنا وعدم قدرتنا على صناعة نموذج الدولة الحديثة يعود إلى مشكلات بنيوية بالعقل العربي وبنيته وماهيته وفي بنيته المعتمدة بشكل أساسي على الاسلام. وأن للاسلام دور في حالة التخلف وعدم تمكن العرب من تجاوز واقعهم المتخلف وان العمل الحقيقي هو التحرر من هذا العقل وهذه الآلية في التفكير، وأن يتم مراجعة الإسلام دينا وتراث…

لقد تنوع نقد الذات لدى هؤلاء المفكرين: طرح صادق جلال العظم كتابه النقد الذاتي بعد الهزيمة ، كذلك نقد الفكر الديني حيث يعيد تخلفنا وسبب هزائمنا الى بنيتنا الفكرية الاسلامية المغلقة الغير عقلانية. وبذلك يظلم الإسلام فليس كله كذلك له وجوه عقلانية كانت أساس التطور في البحث والترجمة والفلسفة وعلم التاريخ والجغرافيا في ذروة الحضارة الإسلامية تطور الغرب على أثرها وموجبها. وغض الطرف عن الفاعل الأكبر في هزائمنا وهو الغرب الذي يمتلك أسباب القوة والإدارة والتفوق والتخطيط والامكانية لهزيمتنا كعرب حتى الآن ربما. أما تعنيف الذات والنقد الذاتي والغوص في ذواتنا على انّنا مرضى نفسيين لا سبيل الى علاجنا إلا إن تخلينا عن هويتنا العربية والإسلامية و بالمحصلة تتراكم مشاكلنا الحقيقية بمشكلة ذاتية وهي عقدة النقص وغياب الشعور بالجدارة وامكانية صناعة البديل لحياة افضل. فنحن كصنف بشري وأفكار، عطبنا ذاتي ولا حل لنا لخروجنا من مأزقنا . تتقاطع هذه الأفكار مع ما طرحه المستشرقين إرنست رينان وبرنارد لويس  عن العرب والمسلمين اننا صنف بشري غير عقلاني محكوم بعقلية دينية متخلفة لا تجعله مؤهلا ليدخل عصر الحداثة والعلم والتقدم وجعلوا ذلك مقدمة لشرعنة تخلفنا والسيطرة الغربية علينا استعمار مباشر وغير مباشر…

كذلك طرح عبد العروي في كتبه واقع البنية الفكرية العربية القابلة لأن تنهزم وتعجز عن مواجهة العصر والتقدم نموذج كتبه كتاب الايديولوجيا العربية المعاصرة  كذلك ياسين الحافظ في كتابه الهزيمة والايديولوجيا المهزومة، وكذلك مشروع محمد عابد الجابري على تميزه وعمقه وتوسعه في التبحر في التراث العربي في نقد العقل العربي. فهو من زاوية النظر لمشكلتنا الوجودية المباشرة مع ذاتنا والحداثة وصراعنا مع الغرب أعادنا في حساب ختامي الى المشروع الضخم الذي أنجزه إلى بديهيات مفكري عصر النهضة: يجب الأخذ بالعقل والعلم لمواجهة مجتمعاتنا والعصر والعالم. وهو عود على بدء ..

 مما جعل الجانب السياسي القصدي في فعل الغرب ضدنا كشعوب عربية وإسلامية مغيبا …

 ونفس القول حول مشروع حسن حنفي في التجديد الديني على أهميته لكنه في موضوع صراع الوجود مع الغرب والتخلف والانظمة المستبدة يجعلنا عند نقطة البدء ولم يجب عن ما العمل؟… وهكذا حال كثير من المفكرين …

 

فتنة الحداثة أو الجهاد من غير عدو :

يؤكد د برهان في هذا الفصل أن الحداثة لم تكن مطلبا مباشرا معاشا عند الأنظمة التي ولدت وتكونت في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. فهذه الأنظمة كانت تعمل لخلق بنيتها كوجود بالقوة والدعم الخارجي من الغرب الذي يحدد الحدود والامتداد . نموذج ذلك تشكيل دولة آل سعود بدعم بريطاني ثم امريكي في الجزيرة العربية. وكيف منعت من التمدد إلى الإمارات الصغيرة التابعة للانكليز على الخليج العربي. وكيف اصبحت هذه الانظمة منذ ذلك الوقت وكيل شرعي لهذا الغرب في إمداده بالمواد الأولية وخاصة النفط وتصريف البضائع الغربية وان تكون حاضرة لتنفيذ اجندة الغرب في صراعات المنطقة على مدى قرن من الزمان: إمداد حرب العراق ضد إيران وبعد ذلك تحرير الكويت وأن تحشد قوات الغرب لاحتلال العراق عندها. الدعم المعنوي والمادي والبشري للامتداد السلفي في أفغانستان وما تلاه من ظهور القاعدة وتحويلها لعدو يبرر للغرب الحضور الدائم واحتلال الدول مثل العراق وأفغانستان.

لذلك لم تكن الدعاوى الفكرية المزيفة عن صراع بين الحداثة الغير موجودة فعلا و المستباحة من الأنظمة المسماة جمهورية او نتاج “ثورات” والمستخدمة كأدوات هيمنة مجتمعية وسيطرة على الناس واغتراب عنهم. وحرب ضد تراث غير موجود الا بعقول من ابتدعه عدوا. وليس التراث عند العرب والمسلمين الا هوية تم التلاعب بها من الغرب والانظمة وبعض معارضي الانظمة ليكون اداة في حرب لا يخسر بها سوى العرب و المسلمين والشعب والإسلام ذاته بتشويه حقيقته وإلغاء مشروعيته.

الدولة والعصبية :

يركز د برهان هنا على عجز الانظمة الاستبدادية التابعة عن مواكبة حاجات الناس وتحقيق الحداثة وبناء المجتمع المتقدم العادل. هذا غير بنيتها الاستبدادية العصبوية المتناقضة بنيويا مع الديمقراطية كنظام اجتماعي. لذلك ارتكزت هذه الدول التابعة للغرب والتي كانت جزء من خططه للهيمنة والسيطرة واستمرار التخلف والتبعية، اعتمدت على البنى ما قبل الوطنية الدينية والطائفية والمذهبية. وبعضها اعتمد بنى حزبية تحولت الى طوائف ناجية في مجتمعات مظلومة. سوريا نموذج للحكم الطائفي المغطى بدعوى حزب البعث القومي كذلك العراق سابقا . العراق الآن حكم طائفي تابع لإيران ولبنان متسلط عليه حزب الله في دولة مقسمة طائفيا. وهكذا دواليك كل الدول العربية لها عصب قبلية أو طائفية تبرر حكمها وتسلطها وكلها استبدادية تابعة للغرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى