روزا ياسين حسن روائية سورية متميزة وناشطة معارضة لها الكثير من الروايات، قرأت اغلبها وكتبت عنه.
نتابع قراءة روايتها بحثا عن كرة الصوف .
جاد وكندة الزوجين السوريين القادمين من ابو ظبي الى هامبورغ في المانيا. جاد جاء يحمل هوايته الفنية الرسم. يطمح أن يتابع عمله على مجموعة لوحات تصور الحالة السورية بما آلت إليه. ليكون له معرضه الفني في ألمانيا حيث يجني ثمرة تعبه لسنوات طويلة. زوجته كنده امرأة وجدت في ألمانيا شيئا من ذاتها وحريتها وبعضا من هواها. اطلعت على عالم اليوغا وبدأت تدخل غماره أول بأول، تتوسع بإطلالاتها وممارساتها على دعاة جدد وطرق مختلفة وفلسفات وهي تزداد غوصا في ذلك. تبتعد أكثر عن زوجها وعالمه الفني. تكتفي بروحانياتها. تعيش في ذات البيت وحتى ذات السرير مع زوجها لكنها تصل إلى مرحلة القطيعة معه. لا تواصل جنسي بينهم. ولا تقترب من عالمه وأعماله ابدا. حتى الطعام لم يعد مشتركا. كانت فرحة جاد بتقدمه في الرسم وفي معرضه الفني كبيرة لكنها مصحوبة بغصة خسارته لزوجته. التي لم تحضر افتتاح المعرض أو زيارته حتى. منغمسة في عالم اليوغا والروحانيات الشرقية. قررت أن تفتح ناديا لليوغا وتتفرغ له مغادرة معنويا وجسديا وحياتيا لزوجها وللعلاقة معه.
عائلة العطار: الزوج عبد القادر والزوجة ناريمان والأبناء عمر وأخيه واخته. عائلة نموذجية عن أغلب السوريين. وصلوا إلى ألمانيا هاربين من أهوال الحرب السورية، عائلة ذكورية ، الاب الآمر الناهي المستبد والزوجة المطيعة، والاولاد الذين اخذوا يشقون طريقهم حسب مؤثرات المجتمع الألماني الذين انغمسوا به . عبد القادر له سطوة الزوج الذي لا يتورع عن استعمال العنف مع زوجته وأولاده، حسب مزاجه ودون أي رادع. سمع جيرانه الألمان صوت استغاثة زوجته وأخبروا البوليس واجبروه على مغادرة بيت العائلة والابتعاد عن الاحتكاك بزوجته. التي سرعان ما حصلت على الطلاق منه، كان ما حصل معها مقدمة لاستجابتها لما يعتمل في نفسها فهي لم تلبس الاشارب عن قناعة بل بحكم الظرف الاجتماعي، لم تغادر تدينها بل بررت خلع اشاربها بآراء بعض الإسلاميين مثل محمد شحرور، مع ذلك لم يرحمها ابنها البكر عمر الذي وجد في مساجد هامبورغ ملجأ نفسيا وحياتيا له. وانفصل معنويا عن أمه بالكامل حيث اعتبرها خرجت عن دينها بخلع حجابها. هذا غير تأثير الزوج على أولاده وتحريضهم ضد امهم. عمر يزداد تدينا وتقربا من أحد الشيوخ السلفيين الذين ينشطون في ألمانيا للترويج للذهاب الى سورية والالتحاق بداعش للدفاع عن الاسلام حسب اعتقادهم ، كما حصل في أفغانستان والعراق سابقا. لكن شيخا آخر متنورا صوفيا يلتقط عمر قبل أن يتورط بالالتحاق بداعش ويجعله من جماعته الصوفية التي انقطعت عن التواصل مع المجتمع الألماني، و عن تواصل عمر حتى مع عائلته. لم يغفر لأمة خلعها الحجاب، زوجها السابق تزوج أخرى وبنى حياة له وأنجب طفلا . حاول تزويج ابنته الصغيرة من رجل متدين مثله للحفاظ عليها حسب رأيه وذلك قبل بلوغها السن القانوني للزواج في ألمانيا. الابن الأصغر انغمس في المجتمع الألماني ولم يعد يكترث لاهله وأحوالهم. ناريمان الزوجة بدأت تحس بالوحدة ، ابتعد زوجها عن مناكفتها بعدما تزوج وأنجب و تخلي ابنها الاكبر عنها . احست بحاجتها للجنس ولحياة سورية شجعتها صديقتها الالمانية على ان تتزوج ألمانيا مثلها مطلق ولديه طفلين ، التقت بالرجل وبقيت مترددة عالمها غير عالمه…
رودي الكردي وسيلفا الارمنية. رودي القادم من الشمال الشرقي السوري إلى ألمانيا محملا بأمل ان يغادر حياة لم تكن مقبولة من قبله في سوريا. غير منتمي لأي من الأحزاب الكردية الكثيرة، التي تقارب الحلم القومي الكردي ببناء دولة خاصة بهم. يعرف واقع حال ال ب ك ك حزب العمال الكردستاني في سوريا ممثلا بال ب ي د وقوات حماية الشعب والادارة الذاتية الكردية وروج آفا غرب كردستان كما يدعون. وان واقع الحال الكردي فيما بينهم ليس بخير فهم على صراع ذاتي فيهم المعتقل والمقتول والمضطهد، وان الادارة الذاتية هي أقرب لعصابات سلطة مسلحة تخدم اجندة أمريكا سواء في محاربة داعش او استثمار ارض شرق الفترات الخيّرة وامتصاص النفط السوري هناك. غادر كل ذلك لكنه لم يستطع مغادرة كرديته. حيث سيجد في هامبورغ حيث هو من يعاديه لهذا السبب فالعرب والمكونات الأخرى في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية مضطهدين ودمرت قراهم وشردوا وقتل الكثير منهم. لذلك يجد العداء له حاضر دوما. وكذلك تنشط في ألمانيا امتدادات الأحزاب الكردية ومنها ال ب ك ك ، حيث يحاول بعضهم أن يجتذبه إليهم ليكون منهم يشارك نشاطهم بلم التبرعات للاكراد او للتظاهر دعما لهم خاصة ايام الحرب على عفرين كذلك دعم التدخل الدولي لحماية الأكراد هناك. وهكذا وجد رودي نفسه منخرطا رغما عنه في كل ذلك دون أن يكون منتميا حقا لأي من دعواها. رغم إحساسه بالغبن كسوري لم يحصل على الجنسية السورية يوما او لم يحق له والأكراد مثله التعلم بلغتهم الاصلية ، إنها أزمة هوية. كان يبحث عن أمانه ، لعله يحققه.
سيلفا الارمنية الحلبية الثريّة التي غادرت حلب بعدما سيطرت المعارضة المسلحة على بعض حلب . عاشت في ألمانيا تجتر مجدها وثرائها الذي غادرته. تواصلت مع صديقها رودي الكردي يتحدثان عن المشتركات بينهم تحكي له عن قصة اجدادها وهجرتهم من تركيا، ودور الأكراد في بعض مالقوا من عنف وعيشهم في مدن سوريا، وكيف استقروا في حلب وصنعوا ثراءهم الكبير. وكيف تركت أخاها هناك. وكيف جاءها خبر خطف أخيها من بعض المسلحين ومطالبتها بفدية له وقرارها أن تبيع دكان لهم وتبعث فدية أخيها لتنقذه من موت محقق. لقد أصبح السوريين وقتها ضحية عصابات مسلحة واغلبها بدعم من النظام تقتل وتخطف وتعتقل وتطلب الفدية وتمثل بالمقتولين لتخويف الناس ليدفعوا لخاطفي ذويهم…
تنتهي الرواية عندما تخرج هديل متوهمة أنها برفقة ميلاد مع صديقتها الالمانية في مظاهرة لنصرة الشعب السوري واللاجئين وفي مواجهة العنصريين الألمان. تفصل بينهم الشرطة الألمانية . لكن تتوهم هديل اندفاع ميلاد لمواجهة العنصريين ويقع أرضا بإصابات من تعارك معهم وتندفع معه لتحميه وتصاب هي ايضا ويتم اسعافها الى مشفى في هامبورغ…
في التعقيب على الرواية اقول:
اننا امام رواية متميزة جدا، فهي أقرب لدراسة علمية اجتماعية عن سوريا والسوريين وبكثير من الانصاف وان اختلفنا في بعض التفاصيل مع الكاتبة وهذا طبيعي. سواء بأصولهم وواقع حالهم في سوريا قبل الثورة وبعدها. وكذلك في رحلة لجوئهم وانغراسهم في ألمانيا . وما صاحب هذا الانغراس من متغيرات نفسية ومجتمعية كثيرة.
اغلب السوريين إن لم يكن كلهم لهم ما يجعلهم بحاجة لعناية نفسية ومعالجة لرضاتهم التي أصيبوا بها في سوريا التي تحولت إلى بلاد قتل واعتقال وتشريد ودمار…
لم يغب عن عالم الرواية تشريح النظام السوري وأفعاله وبنيته الطائفية والفاسدة والتي اعتمدت على قتل السوريين وتشريدهم لتستمر بالحكم .
كل ذلك حاضر وإن كان كخلفية للحدث الروائي كله…
كذلك حضر المجتمع الألماني بتنوعه واعتماده على مبدأ الحرية الشخصية. الجنس المباح كالطعام والشراب. المخدرات التي تسوق مثل أي شيء. داعمي اللاجئين ، والعنصريين النازيين. نوادي المثليين والمدافعين عن حقوق المختلف. داعمي المرأة. داعمي المبدعين والمتميزين. سيطرة الدولة بالمطلق عبر القانون شبه المقدس….
أكثر ما يحزن في الرواية المآلات المأساوية لكل شخصيات الرواية من السوريين. رغم كونهم قادرين على تغيير مصائرهم… وكأنهم محكومين بأقدار قاهرة ظالمة…
لكن واقع حال السوريين في ألمانيا وغيرها أن هناك الكثير من قصص النجاح العلمي والمجتمعي التي كنت اود كقارئ أن أرى بعض نماذجها ضمن شخصيات الرواية. .
اخيرا اقول مرة اخرى اننا امام رواية تؤسس إلى طور جديد في إبداع روائيتنا المتميزة روزا ياسين حسن.