يجري الحديث طويلًا من بعض المتابعين والمراقبين، عن أن صيف سورية سيكون ساخنًا جدًا، وأن متغيرات كثيرة سوف تحصل في المسألة السورية، وأن هناك انزياحات كبرى حصلت، سوف تؤدي إلى انفلاتات أمنية، قد تودي في الوالقع السوري إلى مجاهل لاتحمد عقباها، وهم في ذلك يستندون إلى الخلافات البينية التي تمظهرت مؤخرًا بين اللاعبين الرئيسيين في القضية السورية وهما تركيا وروسيا، وخاصة بعد أن وافقت تركيا على انضمام السويد إلى حلف الناتو بعد فترة طويلة من التمنع، حيث حصدت من خلاله تركيا على العديد من المسائل التي تعطي القوة الأكبر للدبلوماسية التركية، وكذلك زيارة الرئيس الأوكرني إلى تركيا واصطحابه بطريق العودة الكثير من الضباط الأوكران الذين كانوا أسرى لدى موسكو، وأُفرج عنهم بوساطة تركية، على أن يبقوا في تركيا حتى انتهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وهو مالم يحصل، بعد أن سمحت تركيا بأخذهم إلى أوكرانيا قبل وقف الحرب، مما أدى إلى انزعاجات روسية أعلن عنها بعض المسؤولين الروس ولم يخفوها.
كل ذلك سوف يؤدي حسب بعض الآراء تلك إلى انفجارات كبرى تودي بالتفاهمات التي حصلت بما يخص الواقع السوري وخاصة شماله، ومنه بالضرورة اتفاق بروتوكولي وقعته روسيا وتركيا في 5 آذار/ مارس 2020 يتعلق بأوضاع إدلب، وبقاء حالة اللاحرب واللاسلم قائمة، إلى أجل غير مسمى، علاوة على الخلافات التركية الروسية المتعلقة بشمال شرق سورية، وهو مايمكن أن ينعكس بالضرورة على واقع تلك المنطقة برمتها. وكذلك اتفاقات الحبوب بين روسيا وأوكرانيا برعاية الأتراك ومصالحهم فيها، والتي قد تصل إلى انقطاع لايمكن استكماله بعد تلك المتغيرات.
لكن مايجب قوله بوضوح أن تركيا هي عضو في حلف الناتو ولها مصالحها الإقليمية والدولية التي لن تتخلى عنها، ويدرك الروس ذلك ويتفهمونه، وكما يدرك الغرب ذلك ويستوعبونه بل يحضون عليه، حتى تبقى السياسة التركية التي هي جزء أصيل ومؤسس في الناتو بيضة القبان في العلاقة مع الروس، وحتى لاتنقطع شعرة معاوية، ويبقى للسلام مطرحًا ولو صغيرًا.
بما يخص الوضع السوري فإنه ليس هناك أية مؤشرات توميء إلى انزياحات كبرى، حتى لو شهدت المنطقة بين الفينة والأخرى بعض القصف العدواني الروسي على الشمال السوري أو مناطق إدلب تحت دعوى محاربة الإرهاب، وقد تركت تفاهمات الروس والأتراك (قبل ذلك) الباب مفتوحًا لها في معظم التوافقات التركية الروسية. لكن جوهر التفاهمات الروسية التركية لاتغيير جذري فيه ولامتغيرات ذات أهمية توحي بانزياحات ما، فكلا الدولتين لهما مع بعض مصالح بينية اقتصادية وجيوساسية كبيرة لايمكن لكليهما التخلي عنها، بدلالة إعلان تركيا أنها بصدد استقبال الرئيس الروسي بوتين الشهر القادم، لمتابعة تمديد تلك الاتفاقات والتفاهمات التي جرت بينهما سابقًا حول اتفاق الحبوب الأوكراني الروسي وسواه.
المصالح بين الدول هي دائمًا في المرتبة الأولى، ولا مكان في السياسات الدولية للعواطف والتغيرات التي لاتخدم المصالح، من هنا فإن بقاء (الستاتيك) في الشمال السوري مابرح يحمل إمكانية استمراره وديمومته المؤقتة، والمؤقت لايمن أن يكون دائمًا بأي حال من الأحوال، ومن ثم فإن أس أساس السياسة الروسية التركية يقوم على المصالح، ومابينهما هو شراكة استراتيجية لاترتقي إلى مرحلة التحالف بأي حال من الأحوال، ولن ترتقي، ويتفهم الطرفان ذلك ويعوه ويوافقون عليه، ويعملون على استمراره، بما يحقق المزيد من المصلحة البراغماتية لكليهما.
المشكلة الأساس لدى السوريين ليست بالعلاقات الروسية التركية، ولا بانزياحات السياسة الأميركية، ولا بالموقف الأوربي، المشكلة الأساس هي في الابتلاء بصيغة معارضة رسمية لاتحرك ساكنًا، وتتفرج على كل مايجري وكأن الأمر لايعنيها، بل الأهم لها هو مصالحها الذاتية ومحاصصاتها، ومقاعدها التي يجب أن تحافظ عليها، دون الأخذ بنظر الاعتبار مصلحة من يُفترض أن تمثله وهو الشعب السوري. حيث تبقى في صف المتفرجين والمتلقين ليس إلا، ضمن مجمل المسائل التي تتواجد فيها، في اللجنة الدستورية، أو هيئة التفاوض، أو مسار أستانا، سيء الصيت، حيث كانت فيه المعارضة ودائمًا كشهود زور على كل ماحصل حتى توقف مؤقتًا (غير مأسوف عليه)، من قبل الدولة المضيفة كازخستان.