محمود الوهب كاتب سوري له عديد من المجموعات القصصية. رواية قبل الميلاد كتبت في عام 2010 .
تبدأ الرواية من همام عاصم الصخرة بطلها، وهو بين النوم والصحو، يأتيه صوت يستحثه على النهوض والقيام بالدور المهم المنوط به. بين الصحو والنوم وفي تداخل نفسي بين المعاش فعلا؛ والمأمول أن يعاش، سندخل في عوالم همام. همام حفيد عاصم الصخرة الرجل الذي واجه يوما تلك الصخرة التي انهارت على البلدة واستطاع انقاذها واوقفها في نقطة دافعا لها بظهره؛ (وهذا تعبير عن دور وطني ما). همام محمل برصيد البطولة لجده، ومواقفه الخيّرة لعموم الناس، الصوت يطالبه أن يهيئ نفسه للأعمال العظيمة، ويحثه على ارتداء ملابس جده، وان يحمل سيفه (الخشبي المنخور) ؟!!. همام يرتدي ملابس جده ويتقلد سيفه؛ (الذي لا يراه ولا يهتم به أحد)، ويخرج ليقوم بدورة الرسالي. مع عدم وضوح ما الذي يجب أن يقوم به.؟!. سيتوجه الى صديقه خالد وزوجته، سيجده جالسا على اطلال البيت الصغير الذي بنوة في العشوائيات حول حلب -(والرواية مسرحها حلب)- خالد الرفيق في الحزب الشيوعي الموالي للسلطة. البلدية تهدم بيته ولا يشفع له ان حزبه متحالف مع السلطة، يتحدث خالد وزوجته وهمام عن التسلط على الفقراء، والصمت عن مخالفات حلفاء النظام وشركائه في كل المجالات، ولسان حالهم يتحدث عن الرمرام (رامي؟ !) قريب الحاكم و الآكل لاقتصاد البلد كله، ويفكروا سوية كيف سيعيدون بناء البيت من جديد. سيحمل عاصم مشكلة صديقه خالد كمطلب أول يجب ان يعالجه، سيتعامل معه من يلتقيه بصفته صاحب دور ويخبره عن مشكلته. سيصل إلى أحدهم الذي اخبره انه تم الاعتداء عليه جسديا، وانتهكوا مؤخرته بأداة لأنه لم يقدم الرشوى المطلوبة للشرطة؛ التي أخذته بدل أخيه العريس، لان احدهم اطلق النار ابتهاجا في عرسه. طالبوه أن يجلب السلاح او ان يدفع رشوة فوق طاقته، انتهكوا جسده واساؤوا لفظيا له ولاسرته جميعا. حمل همام هم الرجل ووعده بحل يعيد له كرامته. همام ينتقل من مكان لمكان كرسول، يعيش هواجسه كواقع، وينتقل وجدانيا من حالة إلى اخرى وكأنه يصنع حلولا. تتوسع معلوماته عن الفساد والخراب الاجتماعي، سيتعرف على ابو الليل الرفيق الشيوعي (المناضل) -طبعا من حلفاء النظام- سيلتقي عنده بهيام، سيكتشف انه يعرفها وأنه يحبها، ويتذكر تلك الطفلة فتحية، التي تعرف عليها منذ الطفولة، خطبهما جدّه عاصم لبعضهم. هيام ستكون نصفه الذي ينتظره ويخرج معها، كحبيب وحبيبة ، سيذهبون لفندق فخم يعيشون فيه اجواء الف ليلة وليلة، يناموا فيه؛ تغادرة باكرا وتترك له رساله بانها ستعود له، وليخرج باحثا عنها، وليعلم أن هناك فتاة خرجت من الفندق وقتلها أحدهم، يبدوا انه اخاها؛ وكأنها جريمة شرف، سيخاف على هيام، ويعيش احساس انها المقتولة، يحاول أن يصدر وثيقة زواج بأثر رجعي ليرفع قضية على القاتل، ودون أن نعلم ما الذي حصل بعد ذلك بدعواه. سنرى نوعين من التدين، احدهم حدي نصي، والاخر عقلاني متفهم. سيكون له صديقة متميزة واصيلة مياسه، لكنها ستكون ضحية موظف مسؤول، تدرج في سلم الفساد وأصبح من رجال السلطة. يتعرف على أحدهم من رفاق خالد وحزبه الشيوعي، ويكتشف انه يملك مطعما وشبكة علاقات مع السلطة وانه نافذ. يصل الامر للرفيق خالد، الذي ستتراكم عنده المعاناة فيتخلى عن الحزب ويتنصل منه، رغم أنه كان قد رهن حياته له وفيه. حزب يصمت عن أخطاء السلطة؛ ويتعامل معها بانتهازية مباشرة أو مقنّعة. يفكر همام ان يحمل كل الهموم التي تراكمت في نفسه ويبحث عن حل لها، وان يذهب الى (السيد الجليل) يعني الرئيس؛ ينقل له كل شيء فهو أبو الفقراء ؟!!، الموجودين حوله ينهشون المجتمع ويعيشون عالة عليه، طبقة فساد تنخر جسد المجتمع، سيذهب وسيصل؛ لن يرى السيد الجليل لكنه سيسمع صوته؛ فهو يعلم كل شيئ وفي وقته؛ وان الحل قادم، وان لاتيأس. يعود ادراجه يسقط على الأرض يتهشم. يتوجه الى ساحة حلب، ويجلس بجوار نصبها وسينصب غيره وغيره حتى يوضع نصب لعبد الرحمن الكواكبي، حاملا كتابه (طبائع الضباع) كرمز لكتاب طبائع الاستبداد. الساحة ممتلئة على الاخر والافراح فيها، هناك كل الفاسدين؛ على رأس الدبكة؛ قاتل هيام، الرفيق الانتهازي، المحافظ المرتشي، كل مصاصي دماء الناس. اين الحل الذي وعد به السيد الجليل.؟!!. يتسلق نصب الكواكبي ويأخذ كتابه، وزّع منه كثير من النسخ، ولسان حال الكواكبي : من هنا نبدأ
.هنا تنتهي الرواية وفي قراءتها نقول
انّ اللغة المشاعرية فيها قويّة وتدخل في نفس القارئ بمتابعة شيقة، إن التداخل بين الواقعي والمتخيل كثير جدا؛ لدرجة توحي أن الرواية كلها حديث داخل ذات الروائي؛ فيها الحكايا والأماني والكلام المباح والكلام الممنوع الملغوز، هي رواية كتبت كنقد ذاتي في دولة يحكمها نظام قمعي محكوم شعبه بالخوف، وان المطلوب هو الإصلاح من الداخل وبيد النظام نفسه؟!!. معذور الروائي ونصه لأنه كتب في ذلك الزمان قبل الثورة؛ وفي ذلك المكان سورية مملكة القمع، لكن بالمعنى التاريخي. هي قصرت حين لم تصل لاتهام (السيد الجليل) الرئيس وعصبته، وراء كل الخراب والفساد وامتهان إنسانية الإنسان وسرقة البلد واستعباد العباد. في الرواية غمز من جانب كل من ركب مركب السلطة المسمّين الجبهة الوطنية التقدمية، والحقيقة أنها جبهة الانتهازيين المتاجرين بالشعارات والعقائد والناس
.الرواية تتحدث عن ظروف ما قبل ميلاد الثورة السورية عام ٢٠١١م
ستحصل الثورة؛ ويخرج الشعب ضد النظام؛ وسينتصر الناس لحقوقهم بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل، ويدفعون ثمن خروجهم
المعركة مستمرة وحقوق الشعب مازالت تنتظر من يستردها.