– “الحوار” و”الإنقاذ الاقتصادي”.. فرصة ذهبية لاستعادة شعبية النظام لو أجاد استخدامهما
– “التنفس السياسي” والإفراج عن المحبوسين من الإيجابيات غير المباشرة لـ”الحوار”
– إضعاف الحياة السياسية وإنهاك القوى المدنية يفسح المجال لعودة الإخوان
– رفض إجراء الانتخابات البرلمانية بـ”القوائم النسبية” سيقوض الحياة الحزبية
– القوى السياسية سبق وتوافقت على نظام انتخابي 40% قوائم نسبية و40% فردي و20% قائمة مغلقة
– نسير بمنطق “قل كما تشاء لكن نحن نقرر ما نشاء”
– البلد لا يمكنها الاستمرار فى ظل انسداد الأفق السياسي
– المواطن المصري قادر على التحمل بـ”الرضا” وليس بـ”الترهيب”
أكد المحلل السياسي والكاتب الصحفي الناصري عبد الله السناوي، أن الحوار الوطني يمثل فرصة كبيرة للنظام لتجديد شعبيته، إذا تعامل معها بحرص، لكنه في نفس الوقت قد يؤدي لأزمة ثقة إذا لم يسفر عن نتائج حقيقية.
وقال السناوي في حواره لـ”الرئيس نيوز” إن إعادة إنتاج مجالس نيابية بنظام القائمة المغلقة أمر لم يعد مقبولا، معقبا: “النخبة تريد مجلسا نيابيا له احترامه”.
وأشار إلى أن المزاج العام وغالبية المواطنين يميلون إلى الاستقرار، بشرط الاقتناع أن النظام حريص على تحقيقه، موضحا أن المواطن المصري قادر على التحمل بـ”الرضا” وليس “التحمل الاضطراري”. وإلى الجزء الأول من نص الحوار..
وحذر من إجراء انتخابات رئاسية تفتقد لضمانات النزاهة والجدية لأنها ستصيب المواطنين بالإحباط فى ظل أزمة اقتصادية وتجفيف البيئة السياسية ما يمكن أن يمهد لعودة جماعة الإخوان الإرهابية إلى الشارع السياسي. وإلى الجزء الأول من نص الحوار..
■ تتباين المواقف بين التفاؤل والتشاؤم بشأن مجريات الحوار الوطني.. كيف ترى مساره حتى الآن؟
– سؤال الحوار الوطني يطرح نفسه على كل القوى السياسية، والمسكوت عنه في هذا الشأن أكثر مما هو معلن، والقضية ليست تفاؤلا أو تشاؤما، لكن ما هي الحقيقة على الأرض، منذ أبريل 2022 حتى الآن، إذ مر أكثر من عام على دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي في إفطار الأسرة المصرية.
والمشكلة الأولى أنه لم يكن هناك تصور للحوار سواء من جانب القوى الداعية له أو المعارضة، وبالتالي جرى تصميم وبناء المسار على حسابات معقدة تداخلت فيها الأجهزة الأمنية والحكومة والقوى المعارضة فضلا عن الطلب الملح بالإفراج عن المحبوسين على ذمة قضايا سياسية، وتفعيل لجنة العفو الرئاسي، لذلك كان الحوار معطلا، وقيل إنه بغرض الإعداد الجيد للمحاور والجلسات، لكن يبدو أن المقصود هو التحكم الكامل بمخرجاته.
أما المشكلة الثانية فهي أن هناك تصورا مسبقا لنتائج هذا الحوار، وظهر ذلك في الجلسة الأولى لمناقشة قانون الانتخابات البرلمانية، والتي شهدت طرح نظام القائمة المغلقة المطلقة على المشاركين، حيث تدخل أحد مسؤولي الحوار فجأة واعتبر أن القائمة المغلقة مسألة منتهية، وهذا يعتبر نوعا من المصادرة، فالحوار لا بد من أن يكون بين أنداد لديهم أفكار مختلفة، يجري التوافق بينهم بشكل أو بآخر لتحسن المناخ العام، وفتح المجال السياسي.
(يتساءل) كيف يتم المصادرة في قضية حاكمة ومهمة وتعد أحد مؤشرات نجاح الحوار من عدمه؟
النظام الانتخابي محطة فارقة في قضايا المحور السياسي، ويبدو أن هناك تمسكا بـ”القائمة المغلقة” كالتزام بالتمييز الإيجابي للفئات بالدستور.
والقائمة المغلقة المطلقة نظام انتخابي غير مناسب، والجميع يعرف كيف تم إجراء انتخابات المجلس النيابي الأخيرة، فالتشكيل غير مرض باستثناء وجود أصوات محدودة، الناس والنخبة تريد مجلسا نيابيا له احترامه.
فنحن نسير بمنطق “قل كما تشاء لكن نحن نقرر ما نشاء”، والتعنت ضد القوائم النسبية سببه أنها ستؤدي لإحياء الحياة الحزبية وتقوية الأحزاب.
ولدينا تجربة توافق سابقة بين القوى السياسية على النظام الانتخابي في ظل الإلزام الدستوري، إذ أدارات جريدة الشروق في 2014 حوارا ضم جميع الأحزاب بالإضافة إلى اللواء محمد العصار، واتفقت الأحزاب بالإجماع على وثيقة موقعة بنظام انتخابي يشمل 40 % قوائم نسبية، و40 % فردي، و20 % قائمة مغلقة للفئات المميزة، وهذا الحل تاريخي، وهذا الاقتراح ما زال صالحا هو وغيره.
إنما الإصرار على إعادة إنتاج مجالس نيابية بهذا الشكل أمر لم يعد مقبولا، وحتى الآن لا يوجد انتخابات محلية رغم أنه التزام دستوري ملزم.
■ ما هي الآلية المثلى للحوار.. ومن يمثل النظام؟
– هذا أحد أخطاء مسار الحوار، وفكرة عدم تمثيل النظام فيه مشكلة كبيرة وموجودة وطرحتها مبكرا فى أحد الاجتماعات التمهيدية، وطلبت وجود شخصية لإدارة الحوار تحظى بالقبول من السلطة وتكون محل احترام من المعارضة بحيث يستطيع أن يدير التناقضات والأفكار المختلفة للوصول إلى مخرجات.
المشكلة أنه إذا نظرنا إلى بنية السلطة الحالية تجدها تعانى من غياب شخصيات سياسية، وكل الأنظمة السابقة كان يوجد بداخلها شخصيات سياسية ومن قلب السلطة، اليوم إذا أردنا أن نختار سياسيا من داخل السلطة لن نجد، حد يشاور لي على شخصية فى مجلس الوزراء عنده قماشة سياسية تمكنه من إجراء مثل هذه الحوارات، فكان الحل البحث من خارج السلطة والاستقرار على رئيس هيئة الاستعلامات، وهو بشكل أو أخر يمثل السلطة، مع ملاحظة ضرورة أن يكون وزير الشؤون النيابية حاضرا فى مناقشات مشروعات القوانين بالمحور التشريعي للحوار الوطنى، ليعبر عن وجهة نظر السلطة، وأن تلى النقاشات الواسعة أخرى على نطاق أضيق لبحث التفاصيل.
■ هناك من يرى أن الحوار كان يجب أن يكون قاصرا على المحور السياسي دون غيره من المحاور الاجتماعية والاقتصادية؟
– هذا خطأ المعارضة وليس النظام فقط، هناك اعتقاد أن الناس غير معنية بالشأن السياسي فقط وبالتالي لا بد من الكلام في الشأنين الاقتصادي والاجتماعي وأنا أعتقد أن هذا سوء تقدير.
والكلام في الإصلاح السياسي يفتح الباب على بقية الملفات، والحوار الاجتماعي مهم وضروري ولكنه لا ينتهي ومفتوح ويحتاج إلى أفق أوسع من حوار تحتويه جلسات معدودة.
والمحصلة هي غرق الحوار في المستنقع البيروقراطي ولجان ينبثق عنها لجان بدعوى الإعداد الجيد.
ويبدو أن الأمانة الفنية أعدت مسبقا مخرجات الحوار، لأنها تلقت أوراقا واقتراحات من الأحزاب والهيئات والأفراد وصاغتها وفق مقتضيات رؤية السلطة وأي مقترحات تخرج عن السياق المعد مسبقا يتم مصادراتها، الأمر الذي يفقد الحوار مصداقيته.
■ ما هى النتائج الإيجابية التى حققها الحوار حتى الآن؟
– النتائج الإيجابية التي يمكن أن ننسبها للحوار حتى الآن هي مخرجات غير مباشرة وتتمثل في: أولا الإفراج عن المحبوسين رغم أنها منقوصة لكنها خطوة إيجابية جدا، وأنا غير مستعد لسماع أي تحفظ على هذه النقطة، ولو أن هذا الحوار نتج عنه الإفراج عن شخص واحد بريء فالمشاركة تستحق، والإفراج عن أكثر من ألف شخص هو رسالة إيجابية، إن كانت تحمل في طياتها تساؤلات عن حقيقية القضايا التي كانوا محبوسين على ذمتها ومدى خطورتهم، ومدى انفلات القواعد القانونية في البلد.
المكسب الثاني غير المباشر وهو مسألة تقديرية نسبية، وهي حالة الحوار نفسها وأن الناس بتتكلم وإن فيه قدرا من التنفس السياسي، رغم أنه محدود، وهناك وجوه خرجت للإعلام ولكنها مرة ودمتم، مازلنا نحتاج إلى حالة من تنافس السياسي والانفتاح الإعلامي، لأن البلاد لا يمكنها الاستمرار في ظل حالة انسداد الأفق السياسي.
■ يبدو واضحا من البداية أن الرئيس يتخذ خطوات متباعدة بينه وبين السياسة.. كيف انعكس ذلك على أداء السلطة؟
– هذا تصريح للرئيس شخصيًا “أنه ليس سياسيا”، لكن بالتعريف الدستوري فإن وظيفة رئيس الجمهورية سياسية، ومهامه تدخل فى إطار العمل السياسي، وبالطبع انعكس ذلك كأحد الأسباب الجوهرية لأزمات كثيرة مرت بها البلد كان يمكن تجنبها، فمصر تعيش حالة انكشاف سياسي، لا يوجد أفق سياسي واضح، ولا تصور ولا إدارة سياسية.
مثال أحداث الجمعية العمومية غير العادية لنقابة المهندسين، فهذه الأزمة تستدعي التوقف عندها بالتعلم والدرس، فى البداية جرى التصعيد من منتسبي أحد الأحزاب وجرى الذهاب إلى طرح الثقة بالنسبة للنقيب طارق النبراوي لعزله، رغم أنه مستقل ولا يمكن وصفه بأنه معارض خشن، فهو نقيب مهني ومستقل ورغم خلفيته السياسية إلا أنه توقف عن ممارسة العمل السياسي المنظم منذ فترة طويلة، والمفاجأة أن الأغلبية الساحقة من أعضاء النقابة استشعروا الرسالة، وما حدث تدخل سافر فى إرادتهم فكانت الهزيمة فاضحة، وهو ما يكشف حالة من سوء التقدير السياسي، وسط تراجع لشعبية النظام وممثليه وهو ما حدث خلال انتخابات نقابة الصحفيين، وستظهر نفس الحالة في أى انتخابات تتمتع بأى قدر من الشفافية والنزاهة.
السؤال ما الذي يضر نظام الحكم أن يكون هناك نقيب مهني مستقل ومرن وتفاوضي؟، لا يوجد مبرر سياسي أو غير سياسي للاستعلاء بالقوة وسوء التقدير السياسي، ولكن اللافت أن الدولة انتبهت لعواقب ما حدث فى عمومية نقابة المهندسين وتداركت الأثار وجرت معالجة سياسية للأزمة بشكل لائق، فلماذا لا يكون هناك إدارة سياسية لكافة الأزمات من البداية.
■ هل هناك فرصة لوقف نزيف شعبية النظام فى الشارع؟
– ما زال هناك فرصة أمام النظام لتدارك نزيف شعبيته في الشارع، الأولى هي الحوار الوطني وتمثل فرصة كبيرة لتجديد شعبيته إذا ما أثبت أنه جاد في إحداث إصلاحات جوهرية وحقيقية وراغب في سد الثغرات، وهنا كل القطاعات المترددة وفاقدة الثقة تعيد الالتفاف حول الرئيس السيسي.
والمزاج العام وغالبية المواطنين يميلون إلى الاستقرار، بشرط الاقتناع أن النظام حريص على الاستقرار وليس بالترهيب، لكن سياسة “الربع خطوة” والتراجع عنها لن يكون كافيا للإقناع والمصداقية.
والحوار الوطني فرصة جيدة بشرط أن يصل إلى نتائج مقنعة في المجال العام، وفرص حقيقية للتنافس السياسي.
والفرصة الثانية، هي احتواء الضجر الاجتماعي، فالمعارضة نوعين سياسية متهالكة، وأخرى اجتماعية تتمثل في الضجر الاجتماعي وهي معارضة حقيقية جذرية لا تحتويها أحزاب أو أطر سياسية وليس لديها منابر رأي عام لكنها حالة ملموسة في الشارع.
ولو تحسن الوضع الاقتصادي بالطبيعة سيخفت الضجر الاجتماعي وينفتح الأفق لعودة شعبية النظام، المشكلة أن النظام لا يريد مراجعة أولوياته أو سياساته.
وكثير من الخبراء تكلموا وقدموا أطروحات كثيرة، وتم الاستهزاء ببعضها وصم الأذان عن البعض الآخر.
والمحور الاقتصادي يحتاج إلى مجموعة عمل من الخبراء الاقتصاديين من الداخل والخارج، تطرح عليهم المشاكل ويدخلون في الحلول مباشرة برعاية الرئيس شخصيا، وبحضور أعضاء المجموعة الاقتصادية، لوضع روشتة اقتصادية وطنية، نتحلل فيها من سياسات صندوق النقد الدولي، ونخفف من وطأة بيع المقتنيات العامة.
لا بد من أن يقتنع الرأي العام بسياسات مختلفة وهو أن المواطن المصري قادر على التحمل ولكن ليس “التحمل الاضطراري”، ولكن التحمل بـ”الرضا” وليس بـ”الترهيب”.
المصدر: “الرئيس نيوز”