على الرغم من الاختفاء بشكل كلي لمشهد الانتشار العلني بالزي العسكري لعناصر الميليشيات الإيرانية أو التابعة لها، من شوارع بلدة «حجيرة» الملاصقة لمنطقة «السيدة زينب» المعقل الرئيسي لطهران، بريف دمشق الجنوبي، فإن نشاط ونفوذ الأخيرة في المنطقة مستمر ويزايد على الأرض وتحتها.
ويضم ريف دمشق الجنوبي الشرقي عدداً من البلدات والقرى، أهمها وأكبرها ناحية «ببيلا» وقريتا «يلدا» و«بيت سحم» وبلدة «حجيرة»، وتتبع جميعها إدارياً محافظة ريف دمشق، في حين يحدها من الشمال «مخيم اليرموك» للاجئين الفلسطينيين وحي «التضامن»، ومن الشمال الشرقي حيا «سيدي مقداد» و«القزاز»، ومن الجنوب منطقة «السيدة زينب»، ومن الشرق غوطة دمشق الشرقية، ومن الغرب ناحية «الحجر الأسود».
ومنذ بداية الحرب في سوريا، اتخذت إيران من مسألة «الدفاع عن مزار السيدة زينب»، الذي يؤمه آلاف الزوار «الشيعة» من إيران والعراق ولبنان وأفغانستان وباكستان، حجة لجذب المسلحين منها ومن أصقاع العالم إلى سوريا، إلى أن أصبحت تنتشر في سوريا ميليشيات إيرانية ومحلية وأجنبية تابعة لطهران، يزيد عددها على 50 فصيلاً، ويتجاوز عدد مسلحيها 60 ألفاً، يعملون تحت قادة خبراء عسكريين إيرانيين على تنفيذ استراتيجية طهران التي قامت بمحاولات عدة لمدّ نفوذها أكثر في ريف دمشق الجنوبي، لتشكيل «ضاحية جنوبية» شبيهة بتلك الموجودة في بيروت؛ لكن روسيا سعت بكل قوتها إلى عدم السماح بذلك.
وسيطرت الحكومة السورية على «ببيلا» و«يلدا» و«بيت سحم» صيف 2018، من خلال اتفاق «مصالحة» برعاية روسية، أفضى إلى تهجير مقاتلي فصائل المعارضة المسلحة الرافضين للمصالحة وعوائلهم إلى شمال سوريا، بعد سيطرتها على «حجيرة».
وفتحت السلطات السورية حينها طريقين للوصول إلى «ببيلا» التي تبعد عن مركز العاصمة نحو 4 كيلومترات؛ الأولى من «حي القزاز»، المشرف على جسر المتحلق الجنوبي، الواقع شرق منطقة الزاهرة بنحو كيلومتر واحد، والأخرى من طريق مطار دمشق الدولي عبر قريتي «بيت سحم» و«عقربا»، مع إبقاء الطريق العامة من «ببيلا» إلى منطقة «السيدة زينب» مغلقة أمام السيارات، حيث تم وضع حاجز للقوى الأمنية على مدخل «حجيرة» الواقعة قبل نحو كيلومتر واحد من «السيدة زينب»، ويتطلب الوصول إلى الأخيرة سلوك طريق مطار دمشق الدولي، والدخول في العقدة المؤدية إلى محافظة السويداء.
وفي سياق مشاريعها لترسيخ وتوسيع سيطرتها ونفوذها في سوريا، أقامت إيران «مجمعاً ثقافياً – رياضياً – ترفيهياً» ضخماً في بلدة «حجيرة»، وافتتحته في فبراير (شباط) عام 2021، ويشغل مساحة شاسعة من الأراضي على أطراف منطقة سكنية في البلدة لم يعد إليها إلا قلة قليلة من سكانها بعدما نزحوا منها بسبب الحرب، وتفتقر لوجود الخدمات الأساسية.
وأقيم المجمع في الجهة الشمالية الغربية من «حجيرة»، التابعة لناحية «ببيلا»، التي تبعد نحو كيلومتر واحد شمال «السيدة زينب»، المعقل الرئيسي للميليشيات الإيرانية في ريف دمشق الجنوبي الشرقي، الواقعة على بعد نحو 8 كيلومترات من العاصمة دمشق، وأطلق عليه اسم «مجمع الشهيد العقيد هيثم سليمان».
وخلال سنوات الحرب انتشر في «السيدة زينب» و«حجيرة» كثير من الميليشيات الإيرانية وميليشيات أخرى تتبع طهران، وبات انتشار عناصرها بالزي العسكري يشاهد بشكل واضح وكثيف في عموم شوارع المنطقة والبلدة. لكن في السنوات القليلة الماضية، ومع تكثيف إسرائيل من ضرباتها على مواقع عسكرية إيرانية داخل سوريا، خصوصاً في ريف دمشق الجنوبي، تراجع إلى حد كبير ظهور عناصر إيران والميليشيات التابعة لها بالزي العسكري في عموم شوارع المنطقة والبلدة.
لكن المشهد حالياً مختلف جذرياً في «حجيرة»؛ إذ اختفى كلياً مشهد عناصر الميليشيات الإيرانية المرتدية الزي العسكري من شوارع البلدة، وكذلك مشهد عناصر الميليشيات الأخرى التابعة، إذ يقتصر الانتشار بالزي العسكري على عدد قليل من العناصر على حاجز وضع على طريق بلدة «ببيلا» قبل نحو 50 متراً من بداية الحدود الإدارية لبلدة «حجيرة»، بينما وُضع ساتر ترابي ضخم عند مدخل الأخيرة لمنع دخول السيارات، وخلفه حاجز آخر، يقف عليه أيضاً عدد قليل من العناصر يدققون بالداخلين سيراً على الأقدام وعلى الدراجات النارية والهوائية إلى البلدة.
ويعتقد أن تلك العناصر تتبع أجهزة الأمن السورية، وهو ما بدا واضحاً من لهجتهم في الحديث مع الناس، كما تقتصر الأعلام والصور المثبتة على تلك الحواجز، على علم البلاد الوطني وصور الرئيس بشار الأسد.
وبعد وضع يافطات دعائية لـ«المجمع الثقافي – الرياضي – الترفيهي» في شوارع «حجيرة»، منها يافطة ضخمة على منتصف الطريق العامة، تلفت الانتباه حالياً إزالة تلك اليافطات، بينما تم تشويه واحدة متبقية عند بداية الطريق الفرعية المؤدية إلى «المجمع»، إضافة إلى إزالة رايات الميليشيات الإيرانية وميليشيات أخرى تتبع طهران من الطرقات.
المشهد العام السابق في «حجيرة»، وإن كان يوحي بتراجع نفوذ وسيطرة ميليشيات إيران والميليشيات الأخرى التابعة لها في البلدة، فإن الواقع بعكس ذلك، بحسب ما كشفت لـ«الشرق الأوسط» مصادر في المنطقة، أكدت أن «عناصر تلك الميليشيات ما زالوا موجودين، ولكنهم باتوا لا يظهرون في الشوارع بالزي العسكري».
ولفتت إلى أن «البلدة تشهد تزايداً في عمليات شراء العقارات، من قبل سماسرة يقومون بها لحساب إيرانيين وزعماء ميليشيات في المنطقة، لأن أغلب العقارات السكنية التي يتم شراؤها يقطنها مباشرة عناصر من تلك الميليشيات». وأضافت: «في الحقيقة ما يجري في المنطقة هو تزايد للتواجد العسكري لإيران وميليشياتها، وليس تراجعاً».
وتفيد معلومات «الشرق الأوسط» أنه في كل فترة تأتي مواكب سيارات «دفع رباعي»، زجاجها أسود داكن (فيمي) يمنع رؤية من في داخلها، إلى منطقة تقع شمال «المجمع»، يعتقد أنها معسكر أقامته إيران منذ سنوات. وتشير معلومات أهالي المنطقة إلى أن تلك السيارات تختفي بمجرد دخولها، وسط تخمينات بنزولها إلى مقرات مقامة تحت الأرض.
المصدر: الشرق الأوسط