مـــــؤتـــــمــــــر “الـــهــــاويـــــة الـــعـــــربـــــيــــــــة” فـــي نـــواكـــشـــــــوط !

محمد خليفة 

ليت قمة نواكشوط العربية لم تنعقد اصلا , فذلك افضل من انعقادها بهذه الصورة البائسة والباهتة ويحفظ مهابتنا واحترامنا أمام العالم وأمام أنفسنا . ويبدو أن المملكة المغربية كانت معذورة في التهرب من استضافتها لكيلا تحمل اسمها , ولو أن الاشقاء العشرين توقعوا خيرا منها لتسابقوا على استضافتها بعد اعتذار البلد الاصلي , ولكنهم تسابقوا في التهرب من استضافتها ومن حضورها أيضا , لعلمهم المسبق بعدم جدواها حاليا وحتمية فشلها , فتركوها لأضعف الاشقاء وأبعدهم عن مواقع الصراع والازمات الساخنة التي تطحن الكيان العربي , مما يعني أن تركها لموريتانيا ليس تكريما لشعبها العربي الوفي بل إهانة له ! فهي لم تكن قمة .. بل هاوية تصور الانهيار والانحدار في أداء النسق العربي الرسمي .

واستطرادا يبدو أيضا أن اختصار اعمالها ليوم واحد أو بالأحرى لساعات كان منطقيا ما دام القادة اختصروا حضورهم لبضعة أمراء ورؤساء , واختزلوا ملفات العمل القومي المشترك في ” مكافحة الارهاب ” دون توسع في محتواه وطبيعته ومصادره الحالية . وللأسف تدل العبارة على أن اهتمام القمة بالارهاب مجرد مجاراة للاهتمام الدولي واستعمال لمسكوك رائج في اللغة الدولية والتعامل معه بنفس المعايير, لإرضاء الدول الكبرى بدل أن يكون بحثا جديا في مواجهة ( الارهاب الايراني ) في عموم البلدان العربية بعد أن اصبح أولوية مطلقة للأمن القومي , يتفوق على الخطر الاسرائيلي في هذه المرحلة ويهدد بمشروع صهيوني استيطاني جديد وأوسع , ولكن القادة أثبتوا أنهم أصغر وأضعف من مواجهة هذا الخطر أو التحدي .

هل يمكننا سؤال القادة والمسؤولون الذين ذهبوا الى نواكشوط بماذا افادوا شعوبهم وبلدانهم بهذه القرارات التي لا قيمة لها ولا معنى ..؟

اكتفى هؤلاء بمطالبة الفرقاء اليمنيين بالاتفاق عبر الحوار لحل مشكلتهم , وهم يعلمون أنها ليست مشكلة بين يمنيين بل هي غزو ايراني مقنع بنقاب حوثي .

 واكتفوا في الملف السوري بتأييدهم الفارغ للجهود الدولية لتحقيق حل سياسي , بدل أن يطالبوا ايران وروسيا بالانسحاب من هذا البلد العربي المستباح , ويطالبوا الدول الكبرى بوقف الارهاب السافر والاجرام الهمجي الواقع على الشعب السوري وإلا اتخذوا قرارات عقابية على روسيا وايران خصوصا مثل العقوبات التي فرضها الاتحاد الاوروبي على روسيا بعد غزو اوكرانيا .

حتى القضية الفلسطينية التي احتلت مساحة كبيرة نسبيا من خطب القادة وممثليهم وديباجة البيان الختامي تبين ان هذه الميزة لا تعكس تطورا في فعالية الاهتمام القومي بها بقدر ما يعكس هروبا من مواجهة الازمات الساخنة والمعقدة الاخرى في سوريا واليمن ولبنان والعراق الى قضية لا يختلفون عليها وباتت أصغر من سواها , مع أنهم لم يعودوا يهتمون بها بل صار بعضهم شركاء استراتيجيين لاسرائيل في مجالات الامن والتنمية وممرا للوصول الى قلب واشنطن القاسي !

للأسف تهرب “القادة” من التصدي لأهم الأخطار والازمات والتحديات التي تتهدد العالم العربي , وتسلّوا بمسائل ثانوية كاللاجئين, والاغاثة, والامن الغذائي , والاستقرار في الصومال والسودان , كالاطباء الذين يعالجون الرمد والزكام والصداع ويتجاهلون السرطان .

كانت شعوبنا المبتلاة بقادتها قبل أي شيء آخر , وقبل أي عدو خارجي تنتظر أن تتصدى القمة للخطر الايراني وأن تصنف ايران عدوا قوميا للعرب لا يختلف عن الاسرائيلي ولا يقل عنه , وأن ترسل انذارا قويا لطهران بدل أن تلتف على هذا الخطر وتلجأ للغة ديبلوماسية تحمل اشارات عن حالة وهن عام واهتراء تشجع الايرانيين ولا تردعهم , بل ترسل اشارة مشجعة لكل الاعداء والجيران الطامعين مفادها أن العرب فقدوا وزنهم النوعي , وأمنهم القومي , وتضامنهم , ولذلك بإمكان الجميع استغلال الفرصة وفعل ما شاؤوا .

قمة نواكشوط لم تقدم لشعوبنا شيئا مما ينتظرونه , وتهرب القادة من حضورها هو دليل عجزهم , والنتائج التي صدرت عنها تعكس مرة عاشرة وجود أزمة عميقة جدا في بنية النظام العربي , وفي اساسيات وقواعد العمل العربي , وتعكس قبل ذلك التزام الانظمة العربية بوحدة الأمة العربية , ووحدة المصير , والمصالح , والأمن . وتعكس انقساما حادا يصل درجة التناقض بين شعوب تباد وتهجر وتدمر أو تسرق بلدانها من ناحية , وحكومات وأنظمة وقيادات لا تمثل سوى شرائح طفيلية وعصابات عسكرية متسلطة تشارك الاعداء الكبار مخططاتها وتفتح لها الابواب لتغزو بلداننا وتنهبها وتدمرها بموافقتها .

وللمرة الالف نكرر : الأزمة ليست في القمة , ولا في الجامعة العربية نفسها, ولا في رابطة العروبة بل هي في صعود هذه الفئات الطفيلية المتحالفة مع اعداء العرب الى قيادة بلداننا , وانخراطهم في تنفيذ مشاريع الاجهاز على الامة وكيانها ومصالحها الاستراتيجية وتسليم مفاتيح بيوتنا الى الايرانيين والاسرائيليين والروس والاميركيين , والمشاركة في خطط وصفقات هدفها تهجيرنا واقتلاعنا وبيعنا بالجملة لأوروبا كثيران تخصيب جنسي , ولحم آدمي لتعويض نقص السكان فيها .

هل يمثل بشار الاسد بلده وشعبه ..؟ أم يمثل نوري المالكي وحيدر العبادي شعب العراق ..؟ أم علي عبد الله صالح وعبد الملك الحوثي شعب اليمن ..؟؟ أو حتى بوتفليقة شعب الجزائر ..؟ , أو محمود عباس شعب فلسطين ..؟ أو عمر البشير شعب السودان ..؟؟؟

اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا !

==============================================

هذا المقال منشور في مجلة الشراع اللبنانية , العدد 335 الصادر بتاريخ 29 – 7 – 2016 , لذا وجب التنويه .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى