يتعين نجاح أية مسألة سياسية أو جيو سياسية، بدلالة توفر الأجواء المواتية والمناسبة لإنتاش بذورها، ولقدرتها على العطاء والتفاعل. وعلى هذا الأساس فإن كل التحركات العربية والإقليمية التي باشرها بعض النظام العربي الرسمي (تسللًا) إبان الزلزال المدمر الذي ضرب الشمال السوري، والجنوب التركي، لن تؤتي أُكلها المفترضة، وسوف لن تعطي مايريده المطبعون بتصريحاتهم، مهما كانت الغايات والأهداف من ذلك، ومهما حاول البعض الهرولة سريعًا نحو إعادة العلاقة مع نظام القمع والعسف الأسدي، متناسين أرواح مليون شهيد قتلهم المجرم الأسد ونظامه، والذي دمر ماينوف عن 65 بالمئة من البنية التحتية السورية، وهجر ماهو أكثر من نصف الشعب السوري بين نازح إلى الشمال السوري أو لاجيء في بلاد الله الواسعة. ناهيك عن المعتقلين الذين زج بهم في غياهب السجون وغيبهم قسريًا دون القدرة على معرفة مصائرهم بعد 12 عامًا من الاعتقال والتوقيف غير القانوني.
ويعود موضوع الفشل في التطبيع الجاري فصولًا وآخره زيارة وزير خارجية النظام المجرم إلى جدة، لأسباب عديدة منها:
إن سورية على يد نظام وعصابة الأسد أضحت دولة فاشلة لا اقتصاد فيها، ولا أمنًا ولاأمانًا ولا مؤسسات صحيحة، ولا قرار سيادي، بعد أن أصبح القرار السياسي السوري في العاصمة الإيرانية طهران، أو في قم، أو في موسكو أو مااقترب منهما. ولأن الدولة الفاشلة لايمكنها توقيع الاتفاقات ولا الالتزام بها، ولا الإمساك بتعليماتها التنفيذية، فإن مآلات أي اتفاق مع النظام السوري سيتموضع ضمن صعوبة كبيرة بل استحالة في التنفيذ.
يضاف إلى ذلك حالة الفساد والإفساد المتفشية في كل مفاصل وهيئات النظام الأسدي، وهو ماسيحول دون إمكانية المضي في أي علاقات تطبيعية بينه وبين أي دولة بدون أن يمر على دهاليز الفساد التي بدورها تعوق أي اتفاق وتنهيه بأرضه، على صخرة (الصمود والتصدي) الموبوءة بالفساد والصدأ، الذي علا كل المؤسسات، هذا إن بقي في الدولة السورية من مؤسسات بعد أن استباحتها أدوات الشبيحة ومراكز قوى آل الأسد وداعميهم الإيرانيين.
كما أن ملك الكبتاغون الذي تم تصنيفه أميركيًا وعالميًا على هذا الأساس، لم يعد باستطاعته (فيما لو أراد) إيقاف مصانع الكبتاغون وتجارتها، وهي من الشروط الموضوعة خليجيًا، حيث سمعها المقداد في اجتماع جدة، كي تتوسع عملية التطبيع معه.لأن نظام الأسد جعل من ديناميات تصنيع الكبتاغون جزءً من وجوده، ومعظم اقتصاداته تقوم عليها، وجل اتكاءاته واستناداته التي تؤدي إلى استمراره، فهو من أصبح عاجزًا على الاستمرار في الحياة بدون تفعيل عمل مصانع وتجارة المخدرات الموجهة إلى دول الخليج أولًا، بل وإلى كل الجوار والعالم، حسب الاحصائيات والوقائع التي تم تثبيتها مع كل إمساك بتهريباته الكبتاغونية.
وإذا كانت عملية التطبيع معه، قد أتت وتسارعت مع بعض دول الخليج قبل القمة العربية المرتقبة في الرياض، نتيجة للتفاهمات السعودية الإيرانية، التي أعلن عنها بتاريخ 11 مارس/ آذار 2023، حيث اتفق البلدان بوساطة صينية على استئناف العلاقات بعد سنوات من العداء. وبعدها جاءت لقاءات وزراء خارجية البلدين حيث أكد الجانبان على “أهمية متابعة تنفيذ اتفاق بكين وتفعيله، بما يعزز الثقة المتبادلة ويوسع نطاق التعاون، ويُسهم في تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة”. فإن إيران مابرحت ممسكة بتلابيب النظام السوري، وتعتبره جزءً مهمًا من مشروعها الفارسي الطائفي للمنطقة، الذي تريد تصديره للمنطقة كلها، وهي حريصة عليه كل الحرص ليبقى نظامًا تابعًا وتحت هيمنتها، ومن ثم فإنها لن تسمح له بالإنفكاك عن السياسة الإيرانية، لأن ابتعاده عنها يعني بالضرورة انهياره، وسيكون ذلك تقويضًا لمفصل مهم من مفاصل مشروعها الكبير للمنطقة برمتها، وهو مالايمكن أن تسمح به.
حتى في سياق عملية التسارع المرادة تركيًا للتطبيع مع نظام الأسد قبل انتخابات تركيا البرلمانية والرئاسية القادمة، فإن تعويق إيران لذاك التقارب، قبل ذلك، وإصرارها على الدخول مع الروس كمراقب وميسر ومسير في نفس الآن، لمثل هكذا لقاءات أو تفاهمات، هو ما حال دون حصول أي تقدم في المباحثات الأخيرة، التي جرت في موسكو على مستوى معاوني وزراء الخارجية، لأن إيران مازالت ترى في الوجود التركي في الشمال السوري خطرًا على سياساتها، وهي ترى أن أي دخول ضمن العملية السياسية في سورية، سيكون مصيرها انهيار النظام، وهو مالا تسمح به أيضًا، بعد أن اعتقدت أنها حققت الكثير من الانتصارات ا لعسكرية على المعارضة السورية وساهمت في إعادة تعويم بشار الأسد من جديد.
ولاننسى أن الأوربيين والأميركان مازالو وحسب تصريحاتهم يؤكدون أن لا إمكانية لإعادة تأهيل بشار الأسد، وأن هذا النظام آيل للسقوط، وقد انتهت صلاحيته، ولاموافقة على عمليات التطبيع معه، ولاتراجع عن العقوبات، وهو النظام الذي بات يشكل خطرًا على العالم بعد تصنيفه كملك للكبتاغون بقرار أميركي. وحتى لو صمتت الولايات المتحدة الأميركية عن بعض عمليات التطبيع، فهي لن تشجع أحدًا عليها، بل سوف تطالهم العقوبات الأميركية حسب قانون قيصر، وأيضًا الكبتاغون.
لكل هذه الأسباب ولوجود محددات أخرى كذلك، فإن العودة إلى الجامعة العربية أو الانفتاح الكلي عليه عربيًا وإقليميًا ليست عملية سهلة، ولا سلسة، وليست بهذه السرعة المتوخاة، وبل إن هناك الكثير من العقبات التي مازالت تحول دون ذلك، منها أن قرارات الجامعة العربية تكون عادة بالإجماع وليس الأغلبية، حيث ماتزال هناك 5 دول عربية غير مقتنعة بإعادة النظام الأسدي إلى الجامعة العربية قبل ولوجه الجدي في الحل السياسي، علاوة على أن هذا النظام، لم يعد قادرًا ولاراضيًا (وبدعم إيراني) على إعادة المهجرين قسريًا، ولا السوريين بمقتنعين أن هذا النظام من الممكن أن يحقق لهم الأمن بعد عودتهم المتوخاة، والأمثلة كثيرة ومتعددة، التي تبين كم هو كاذب بوعوده، وكم من أناس عندما صدقوه فعادوا إلى دمشق اعتقلوا على الحدود قبل وصولهم إلى أهليهم.
صحيح أن أركان النظام الرسمي العربي قد ملَّت من استمرارها طويل الأمد بإقصاء النظام عن اجتماعات الجامعة العربية، وهي في معظهما لم تكن يومًا مع الثورة السورية، ثورة الحرية والكرامة، إلا أنها ستقف وتتردد كثيرًا قبل الولوج مع النظام الكبتاغوني بأية عملية تسووية، وقد وضعوا له الكثير من الشروط والتي أبرزت له قبل التطبيع معه، وهو اليوم أعجز بكثيىر من أي وقت مضى، عن تحقيق أو تنفيذ أي من شروط الدول المجاورة أو العربية، ومن ثم فإن العملية التطبيعية بكليتها لم ولن تكون ناجحة مع كل مايحصل على طريقها من تسارع قبل القمة العربية، حتى لو تمت عملية إدخال النظام السوري من جديد إلى الجامعة العربية أو أقيمت بعض العلاقات الدبلوماسية معه جراء الضغوط التي تمارس على الدول المتمنعة.
المصدر: موقع أورينت