كانت العلاقات الإيرانية مع دمشق في عهد الشاه ليست جيدة ولا سيئة، إنما مقبولة نوعا ما. السمة كانت وقتئذ خير الأمور أوسطها وكأن حافظ الأسد كان يعي المرحلة الآتية من العلاقات بين البلدين، لهذا أمسك العصا من الوسط ردحاً من الوقت لكنها لم تبق هكذا حتى دعمت دمشق المعارضة الإيرانية ضد الشاه، رغم اعتراف طهران باستقلال سوريا عام 1946، كما أصدر الأسد قراراً للسفارات السورية حول العالم بمساندة الثوار الإيرانيين، خاصة السفارة السورية في العاصمة الفرنسية باريس، بعدما استقر فيها الزعيم روح الله الخميني.
لقد اتسمت العلاقات السورية الإيرانية منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام1979 ببعدها الاستراتيجي من خلال تلاقي إرادتي البلدين وحرصهما على تعزيز التعاون في جميع المجالات، ورفض الإملاءات الخارجية والتدخلات الأجنبية، وتطابق الرؤى والتشاور المستمر لإيجاد الحلول لقضايا المنطقة والتأكيد على الحقوق العربية الثابتة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية واستعادة سوريا للجولان المحتل.
هذا المعلن ولكن ما خفي أعظم، إذ يبدو أن النظام في طهران يسعى إلى أبعد من هذا الطرح وهو إبقاء سوريا تحت جناحها كقاعدة للانطلاق للخليج العربي والمناطق العربية الأخرى، كما فعلت في لبنان وهي اليوم بعد زيارة رئيسي لدمشق تبرهن على أنها ماضية في سياسية “فرسنة” البلاد العربية بكل ما وأتيت من قوة.
القناعة الإيرانية
في الواقع يثير تكثيف الزيارات الإيرانية لسوريا كثيراً من التساؤلات، حول مدى استمرار العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية بين البلدين في ظل القناعة الإيرانية التي تعتبر سوريا بعداً استراتيجياً لأمنها، وخلال أكثر من عقد من الزمن أوجدت طهران شبكة مهمة من الممرات الجوية والبرية من أجل توريد المعدات العسكرية لسوريا عبر العراق، وهي ما زالت تدعم الجيش السوري بجميع أنواع الأسلحة, وقد ترك غياب روسيا عن الحلبة السياسية لإيران وتفكيكها القواعد العسكرية في درعا وحمص واللاذقية لولوج طهران بشكل لافت للنظر وبقوة مما سمح للحرس الثوري الإيراني أن يسيطر بشكل قوي ويحل محل القوات الروسية. وهذا أدى لتكثيف النشاط والضربات العسكرية الإسرائيلية ضد القواعد التابعة للحرس الثوري الإيراني والجيش السوري، لكن تبقى طهران عازمة في البقاء في سوريا لنقل خبراتها التي اكتسبتها في حربها مع العراق للجيش السوري وهيكلة الجيش السوري وتنظيمه وتدريب قواته، حتى يكون قادراً على الدفاع عن ما تبقى من هيبته التي فقدها في المعارك قبل عقد من الزمن.
على ما يبدو فإن سقوط بشار الأسد ليس خيارا يرضي الطرف الإيراني، ما دام الرئيس السوري يلبي كل ما تريده طهران. فقد وافق على تحويل أغلب الأراضي السورية إلى قواعد عسكرية تابعة للحرس الثوري الإيراني، فضلا عن التمهيد لنشر الفكر الاثني عشري الذي تدين به إيران. كل هذه العوامل مجتمعة تجعل طهران تتمسك بالأسد حتى الرمق الأخير، والتنازل عنه في هذه الآونة غير مطروح على الطاولة الإيرانية. على هذه الخلفية اتبعت إيران استراتيجيتين متزامنتين تجاه الصراع في سوريا، الأولى هي الدفاع الكامل عن نظام الأسد من خلال تزويده بالمعدات العسكرية والاقتصادية اللازمة، كما اعتمدت استراتيجية إيران الثانية على المسار الدبلوماسي لإنقاذ الأسد والحفاظ على النفوذ الإيراني في سوريا. من المرجح أن حاجة الأسد للدعم الاستخباراتي الإيراني كانت قد أصبحت أمراً أكثر إلحاحاً مع سعي النظام لقمع الاحتجاجات في جميع أنحاء سوريا في ربيع عام 2011.
وتشير سلسلة تسميات صادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية في ذلك الوقت إلى أن مجموعة من المنظمات الإيرانية قد شاركت في هذا الجهد، بما في ذلك قوات إنفاذ القانون، ووزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية، والشركة المتعهدة الكبيرة لصناعة الإلكترونيات الإيرانية (IEI) كما تسلط هذه التسميات بعض الضوء على العلاقة بين مؤسسات الدولة الأمنية السورية والإيرانية.
تغيير وجهة البوصلة
الخلاصة ما يجهله النظام السوري بسبب النظرة قصيرة المدى وغير الاستشرافية عن أطماع الإيرانيين في سوريا، على عدة صعد منها فرض المذهب الشيعي فيها، ولا أقصد بالنظام العلوي الذي خرج من رحم الحركة الشيعية، ولكن المقصود الأغلبية السنية هناك، بجانب زرع قواعد عسكرية متقدمة لتحويل أنظار العالم عن مشروعها النووي.
حتى هذه اللحظة استطاعت إيران أن تلهي العالم وتغيير وجهة البوصلة حيث توجهت أنظار إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية إلى سوريا وضرب البنية التحتية لإيران على الأراضي السورية ودليل ذلك حجم الضربات الإسرائيلية التي تتعرض لها سوريا في هذه الأيام، ولكن المشروع النووي الإيراني يسير على قدم وساق.
كاتب فلسطيني
المصدر: القدس العربي