قراءة في كتاب: ملاك الثورة وشياطينها 1 ||  عامان في شمال سورية

أحمد العربي

(. فداء عيتاني صحفي لبناني تابع ميدانيا أغلب ثورات الربيع العربي، وهو بهذا الكتاب يتابع الثورة السورية بعين الصحفي تارة، وواقع الانتماء النفسي والواقعي للثورة السورية تارة أخرى، وممارسا التسجيل الدقيق لكل لكل ما يمر معه وأمامه، بعين الناقد على كل المستويات.)

1. فداء ككل العرب واللبنانيين تلقوا ثورات الربيع العربي بحذر: فالعرب نائمون والقمع كبلهم، واستغراب أيضا: ما الجديد الذي حصل ليثور العرب رغم أن حياتهم على ما هي عليه منذ عقود ؟!، لكنهم ثاروا ولا بد من ملاحقة الحدث ومعرفته وفهمه وبعد ذلك تصنع المواقف.

2 .فداء كان يعمل في صحيفة الأخبار اللبنانية، والتي كانت قريبة من حزب الله وخطه الفكري السياسي، في بداية الثورة السورية حاولت أن تبدوا على الحياد نسبيا، ولكن مع الوقت اصطفت مع النظام السوري وحليفه حزب الله، وهذا دفعها لتطرد بعض كتابها الغير موافقين على سياسة النظام السوري أو ينسحبوا بانفسهم، وهذا ماحصل -بالضبط- مع فداء عيتاني الذي غادر صحيفة الأخبار وعمل مع  محطة lbc  اللبنانية، التي أرادت متابعة قضية المخطوفين اللبنانيين – في 2012 الذين كانوا في رحلة زيارات دينية في الشمال السوري- وكلفت فداء بذلك.

3 .فداء لم يكن غريبا عن إدراك النظام السوري، فهو يعرفه من واقع التواجد السوري في لبنان، هذا الوجود الممتد لعقود، والذي صنع لنفسه هيمنة وسطوة ومصالح قوى ونفوذ؛ جعل لبنان يتحرك وفق مصالح النظام السوري أو تحت هيمنته، ومدرك ايضا للتغلغل الاجتماعي والاقتصادي والقمع والمحسوبية وخلق الاتباع والأزلام في لبنان لحساب النظام السوري، بالمختصر كان فداء مدركا لسوء النظام وقمعه واستبداده واستغلاله وفساده من خلال ما عايشه في لبنان، فلم يكن عند فداء أي تساؤل حول مشروعية الثورة على النظام السوري، بل كان يتساءل عن هذه الثورة ومدى مصداقيتها من جانب السوريين أنفسهم، وهذا ما أراد التحقق منه بنفسه.

4. . توجه فداء إلى سورية في الوقت التي كانت الثورة السورية دخلت مرحلة العسكرة. انتقل من لبنان ليصل إلى حلب، حيث سيبحث عن مدخل ما ليتابع قضية المخطوفين اللبنانيين، تابع عن كثب ومن الحدود اللبنانية حتى حلب، تحول سورية ساحة حرب حقيقية فهنا بقايا دبابة أو عربة مدرعة، وهناك قرى وبلدات مهدمة ومدمر اغلبها، سيمر على حواجز النظام وحواجز الجيش الحر، وسيعمل على إخفاء هويته كصحفي، حيث أصبح الصحفيون مستهدفون،  النظام لا يريد لأي عين أن ترى الا ما يريد، وبدأت قائمة الشهداء والمخطوفين والمعتقلين من الصحفيين تطول.

5. . سيصل فداء إلى الشمال السوري على أطراف حلب، و يتصل ويتواصل مع الجيش الحر خاصة جماعة “الزنكي” عبر قائدها “توفيق شهاب الدين”، وسيطرح موضوع المخطوفين اللبنانيين وسيعرف تفاصيل مهمة، المخطوفين هم جماعة زوار شيعة لبعض المواقع الدينية. تم ايقافهم على حاجز للجيش الحر، يعتقدون أن الحاجز للنظام السوري، فيندفع أحدهم ويقدم نفسه على أنه من حزب الله، مما يدفع الحاجز أن يعتقل الرجال من الباصين وعددهم 11 ويترك النساء والأطفال يمرون، وليدخلوا في لعبة الخطف والاستخدام السياسي والبحث عن الفدية.

6. سيعمل فداء على أكثر من منحى، فهو يقوم بمهمته الصحفية ويريد متابعة قضية المخطوفين اللبنانيين، ويريد أن يفهم الثورة السورية عبر فهم ثوارها والتواصل معهم وإدراك واقع الثورة الحقيقي على الأرض .

.على مستوى قضية المخطوفين اللبنانيين سيصل عبر وسطاء للطرف الخاطف وهم لواء عاصفة الشمال بقيادة “عمار داديخي”، وسيلتقي بأحد المخطوفين وسيقدم له افادة عن معاملة جيدة، ويدرك هو أن هذا التصريح ليس بالضرورة أن يكون صحيحا فالرجل تحت الأسر وقد يقول ما قال خوفا وتقية وتزلف، سيسأل عن مبرر الاختطاف ؟، وسيعرف أن السبب كون بعضهم من حزب الله؛ وحزب الله بدأ ينخرط مع النظام السوري بحربه ضد الشعب السوري وثورته، وانهم يريدون استخدام الاختطاف للضغط على حزب الله ورئيسه حسن نصر الله ويعتذر للشعب السوري وينسحب من سوريا، ثم ليتحول الاختطاف بعد ذلك للاستثمار المالي كفدية للثوار، حيث طلب ملايين اليوروات للإفراج عنهم، يتابع فداء الملف ويجد أن الدولة اللبنانية تكتفي بالتصريح الإعلامي دون فعل حقيقي للإفراج عن المخطوفين، وكذلك حزب الله الذي يحاول أن يحصل على معلومات فقط دون أي عمل على الأرض، ويلقي المسؤولية على الدولة اللبنانية، الملف يتعقد ويظهر به اسم عقاب صقر النائب اللبناني من فريق سعد الحريري، وقطر تحاول حل الموضوع ولو بدفع الفدية، وتتعقد القضية و تستمر لأشهر دون تقدم يذكر.

7. على مستوى آخر ينخرط فداء بين الثوار كصحفي بداية، محاولا أن يجيب عبر الثوار عن مبررات ثورتهم، وتأتيه إجابات متعددة ومتنوعة تصل لنتيجة واحدة وهي أن الثورة كانت ضرورية وحتمية وطبيعية، فاغلب الثوار من الشباب وكل على حده له مبرره الخاص والشخصي ليكون من الثوار، الطالب الذي لا يضمن مستقبله العلمي والوظيفي، العامل الذي بالكاد يعمل وعمله لا يسد حاجاته الأساسية كإنسان، الفلاح الذي بارت أرضه وجفت ينابيع بلاده واهملت بلداته من قبل الدولة، وانتقل ليعيش على هامش المدن، حياة مزرية في قاع المجتمع ودون أي أمل بالمستقبل، السياسي المهمش والمهمل والمطارد والمعتقل الفاقد للأمل، المثقف الذي هاله وعيه -على محدوديته أو عمقه- لواقع حال البلاد وما وصلت اليه؛ من ظلم وقهر واستبداد وتخلف وفساد ومحسوبية وتفاوت اجتماعي واقتصادي، حيث أقلية تمتص خيرات البلاد والعباد، وباقي الشعب ضحية على كل المستويات. أدرك فداء لماذا ثار السوريون وتفهم مطالبهم بالحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وأعلن انتماءه للثورة واعتبر نفسه نصيرهم يعمل معهم وبينهم ويخدمهم بقدر إمكانياته الصحفية وغيرها .

8. صحيح أن فداء تفهم مبررات ثورة السوريين، ولكنه بدأ يبحث في تطوراتها وتحولاتها من السلمية إلى العسكرة، ومن ثم وجود داعش والنصرة، والتدخلات الإقليمية والدولية، وتحول الثورة لحرب أهلية “وفق التوصيف الدولي”، وتحول الاهتمام من العمل للانتصار للحق السوريين بإسقاط الاستبداد وبناء الدولة الديمقراطية، إلى أولوية “محاربة الإرهاب” وظهور الأجندات المتأسلمة أو الانفصالية؛ مثل ال ب ي د فرع حزب العمال الكردستاني التركي في سوريا.

9 .نعم كسر الشعب السوري وشبابه حاجز الخوف من النظام، ونزل للشارع مطالبا بالتغيير والإصلاح، متأثرا بما حدث بدول الربيع العربي التي سبقته تونس ومصر وليبيا، ورغم ادعاء النظام وأجهزته استحالة ذلك في سورية؛ لإدراك النظام لدرجة اختراقه للمجتمع السوري، لدرجة الخوف واليأس والاستسلام التي وصل إليها الشعب السوري، لكن الشعب قام بثورته عبر التظاهر السلمي، وسرعان ما بادر النظام لمواجهة الشعب بالعنف المسلح. النظام ومن اللحظة الاولى اخذ قراره بمواجهة ما يحصل ولو أدى ذلك لقتل كثير من الشعب السوري وتدمير سوريا، و شعار “الأسد أو نحرق البلد” الا تعبير دقيق عن ما حصل في سورية، النظام له خبرته السابقة منذ أواخر سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي حيث ضرب كل الحراك السياسي السوري، وواجه مدنا بالمجازر حماه وجسر الشغور وحلب وغيرها، ووضع سوريا كلها تحت النار، على اساس انه يواجه حركة الاخوان المسلمين “الارهابية”.
.إن النظام يدرك أن التنازل قليلا لن ينتهي إلا بسقوط نظامه كمنظومة سياسية أمنية مخابراتية وعسكرية لها امتداداتها الإقليمية والدولية، وسيؤدي لمحاسبته على عقود من ظلمه للشعب السوري، لذلك اختار من البداية مواجهة الشعب السوري بالقوة العسكرية العارية، ويعلم أن مواجهته هذه لها من يدعمها بالمباشر من حلفائه المباشرين إيران وروسيا وحزب الله اللبناني، وآخرين لا يقبلون بالربيع العربي وفكرة اسقاط الانظمة التابعة عبر الثورة الشعبية، سواء دول الاستبداد العربي أو الغرب أو (إسرائيل) التي ترى أن دولا عربية ديمقراطية بجوارها تواجهها إن لم تلغي وجودها؛ فهي وجدت وعاشت على خلفية وجود أنظمة استبدادية قمعية على شعبها تابعة للغرب ومنفذة لمصالحه. ان ادراك النظام السوري لذلك جعله يقرر انهاء الثورة السورية بالعنف دون خوف وبقبول من حلفائه وتواطؤ دولي .

10. اما على مستوى الشباب السوري المنخرط في النشاط السلمي، سيجد نفسه أمام امتحان خطير، هل يستسلم لعنف النظام ويعود إلى عهد العبودية والاستبداد بكل تبعاته أو يواجه النظام و بصدره العاري، ولو اضطر للتعامل معه بالعنف المضاد؛ كحماية للتظاهر بداية، ثم مواجهة له، ثم حربا عليه في كل المواقع، حصل ذلك لكنه ليس كما يجب، فالثورة دون أجندة سياسية معدة سلفا، وليس لها بنية تنظيمية سابقة على الثورة، حيث بدأت الثورة وبدأت تتبلور معها، بلورت شعارات الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والشعب السوري الواحد، وبدأت تصنع قياداتها الميدانية، ولم تستطع القوى السياسية المعارضة أن تكون في بنية الثورة مباشرة إلا بشكل فردي، والسبب ارتياب البعض وقلة وجودها وحضورها بين الشباب، والسبب ان النظام كان قد أفرغ سوريا من المعارضين عبر الاعتقال والقتل والتهجير لمنع توالد القوى السياسية عبر سنين طويلة، وعندما حدثت الثورة كان الشارع الشعبي يفتقد لسياسيين حاضرين عنه يمثلون ويعبرون بوعي وعقلانية وعلمية وامكانيات تنظيمية عن مصالحه وقيادته لثورته.

11. كان خيار النظام السوري قمع الشعب وثورته بالعنف العاري، واستجابة الشباب الثائر لمواجهة النظام بداية بالتسلح الفردي بأسلحة الصيد، وبانتظار تغيرات دولية تساعد الشعب السوري على الطريقة المصرية أو الليبية. لكن ما حصل أن النظام استمر بقسوته وأخذ يزداد ويأخذ منحى طائفيا، ويتحول للمجازر الجماعية وضرب المدن واستعمال الأسلحة الثقيلة: دبابات ومدافع وصواريخ وطائرات وقنابل وبراميل متفجرة، وثوار تدرجوا في التسليح والبحث عنه وعن داعمين لهم بكل السبل.
.النظام يزيد وتيرة العنف ويقرر قتل الثوار وتدمير مناطق حاضنتهم الشعبية وتهجير من لم يمت منهم، حيث هجر أكثر من نصف الشعب السوري، ودمرت أغلب بلدات ومدن الثوار التي خرجت عن سيطرة النظام.

30.8.2017…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى