إن الغزو الروسي لأوكرانيا ليس سوى المرحلة الأولى من التوسع الإقليمي الروسي في تلك الأراضي التي كانت في مجال نفوذها. لا يريد بوتين أن تخرج تلك الأراضي من حضانة روسيا، وفي المقام الأول، أوكرانيا باعتبارها إحدى أكبر الجمهوريات المنتجة في الاتحاد السوفيتي الذي وصف دكتاتور الكرملين انهياره “بأكبر كارثة جيوسياسية في القرن الحادي والعشرين”. وشملت منطقة نفوذ الاتحاد السوفيتي بولندا ورومانيا وبلغاريا وجمهورية التشيك، وهي البلدان الأوروبية حالياً، وروسيا تبدي اهتماماً كبيراً بها. ولذا لا تهدد حرب بوتين سيادة أوكرانيا فحسب، كما يجب أن يرى الغرب المتحضر أن هزيمة الجيش الروسي في أوكرانيا هي مهمته الجماعية لأن بوتين يستعد لمواجهة عسكرية طويلة قد تطال دول الاتحاد الأوروبي.
أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في كانون الثاني/ يناير 2023 عن إطلاق عملية الإصلاح غير المسبوق في الجيش الروسي التي تستتمر حتى عام 2026 مع تنفيذ عدة أهداف منها: زيادة عدد القوات المسلحة لكي يصل قوامها إلى 1.5 مليون جندي، وإنشاء منطقتين عسكريتين جديدتين قرب دول البلطيق وفنلندا، ورفع سن الخدمة العسكرية الإجبارية إلى 30 عاماً. بدوره، أكد دميتري ميدفيديف في 26 آذار/ مارس أن روسيا ستعزز جيشها على أساس التجنيد الإلزامي والتعاقد على حد سواء، مشدداً على عزمها تطوير الترسانة النووية. وبالتوازي مع ذلك، يتم تحويل الاقتصاد الروسي ليخدم الأغراض العسكرية، على سبيل المثال، يتم تجميع المروحيات الرباعية للجيش في مصانع الخبز ودفع الشركات الروسية الضريبة العسكرية. وهو ما يشير إلى أن بوتين يستعد لحرب مطولة ما لم تنفد موارد روسيا.
لقد وقع بوتين في فخ صنعه إذ باءت بالفشل خطته لاحتلال أوكرانيا في غضون ثلاثة أيام ما أعقب تكبد روسيا خسائر غير مسبوقة منذ عام 1945، ولا تزال أهداف العملية العسكرية الخاصة غامضة بالنسبة إلى المواطن الروسي. لا يمكن لبوتين أن يوقف هذه الحرب ويترك أوكرانيا ببساطة وإلا قد يثير احتجاجات في روسيا، وبالدرجة الأولى في دائرة بوتين المقربة. ولذلك يحاول إظهار احتلال الأراضي الأوكرانية كهدف مرحلي للحرب. يكمن الخطر في أن بوتين يحاول إشراك الدول الغربية في هذه الحرب مثلما حدث في عام 1938 باتفاقية ميونيخ حينئذ وافق رؤساء وزراء بريطانيا وفرنسا وإيطاليا على تسليم تشيكوسلوفاكيا إقليم سوديتنلاند إلى الرايخ الثالث، كما طالب بذلك هتلر، معتقدين أن إرضاء الطاغية الألماني كان طريقاً وحيداً ممكناً لتحييد خطر الحرب. لكن في الحقيقة، لم يوقف ذلك هتلر من بدء الحرب العالمية الثانية.
في الوقت الحاضر يحدث الواقع الجيوسياسي الشبيه وإذا نجح بوتين في إضفاء الشرعية على الأراضي الأوكرانية المحتلة على مستوى القانون الدولي سيعطي ذلك الضوء الأخضر للعديد من الدول المتنازعة التي ستحذو حذو موسكو. يسعى بوتين إلى إضعاف الغرب إلى قدر يجعله يتخلى عن دعم أوكرانيا في مواجهة تحديات وتهديدات جديدة كثيرة. إن دخول مليون وخمسمئة جندي روسي في دول أوروبا الشرقية مجرد مسألة وقت. إن بوتين على استعداد لتحمل أي نوع من الخسائر من أجل البقاء في السلطة والاستيلاء على مناطق جديدة.
وفي ظل العدوان الروسي يمكن أن تكون الأسلحة الغربية الحديثة عامل ردع إذا لم ترد أوروبا تكرار جرائم الاغتصاب والتعذيب والإعدام رمياً بالرصاص التي ارتكبها أفراد الجيش الأحمر في بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا والنمسا وألمانيا في عام 1945، إذ من المعروف أن ستالين شخصياً سمح لهم بذلك.
في بداية عام 2022 لم يستطع أحد أن يصدق الغزو الروسي لدولة ذات سيادة وتدمير مستوطناتها وارتكابها الإبادة الجماعية بحق شعبها. ولذا إمداد الأسلحة الغربية التي تفوق بشكل كبير نظيراتها الروسية هو المفتاح الرئيسي لهزيمة نظام بوتين وإحلال سلام مستقر ودائم في أوروبا.
Romaniainform.ro مصدر
