سيؤدي خروج قائد مجموعة “فاجنر” المسلحة الروسية يفغيني بريغوجين من المشهد إلى تقليل الانتقادات المحلية لطريقة تعامل الكرملين مع الحرب الروسية الأوكرانية، ولكن أيضا سيفتح الباب أمام مزيد من القمع الداخلي وتغييرات المسؤولين التي يمكن أن تؤثر على استراتيجية الحرب، بما يقود في النهاية إلى إحكام قبضة الرئيس فيلاديمير بوتين على روسيا.
ذلك ما استشرفه معهد “ستراتفور” (Strator) الأمريكي للأبحاث، في تحليل ترجمه “الخليج الجديد”، مشيرا إلى أنه احتجاجا على سوء إدارة الكرملين للحرب، حسب قول بريغوجين، احتلت قوات من فاجنر السبت مدينتين جنوبي روسيا على مسار زحفها نحو العاصمة موسكو، قبل أن يتراجع بريغوجين بعد 24 ساعة “حقنا للدماء”، وفقا لصفقة سياسية عسكرية توسط فيها رئيس بيلاروسيا ألكساندر لوكاشينكو.
وألقى بوتين خطابا متلفزا قال فيه إن مقاتلي فاجنر “يُجرون إلى مغامرة إجرامية” ويُدفعون نحو “تمرد مسلح”، وأشاد بمقاتلي المجموعة، واتهم المشاركين في مسيرة الزحف نحو موسكو بـ”الخيانة”.
وقال “ستراتفور” إن “بريغوجين أنهى حملته قبل أن تحدث أي اشتباكات كبيرة مع القوات الروسية، والتي كانت ستضعف التعاطف مع موقف فاجنر وبريغوجين التفاوضي”.
وأضاف أنه “من المحتمل أن يكون بريغوجين قد خفض خسائره لأن قواته لم يكن من المرجح أن تصل إلى موسكو بشكل جماعي أو تحقق أهدافها المتمثلة في إزاحة رئيس الأركان الجنرال فاليري جيراسيموف ووزير الدفاع سيرغي شويغو”.
وتابع المعهد أنه “بحسب ما ورد ستسقط الجهات الحكومية التهم الموجهة إلى بريغوجين، الذي سينتقل إلى بيلاروسيا. وقوات فاجنر التي يُعتقد أنها فتحت النار على قوات روسية وأسقطت مروحيات عسكرية ستقضي فترات سجن طويلة”.
وأردف: “ومع ذلك، لكي يتجنب الكرملين رد الفعل اليميني العنيف، ستحصل قوات فاجنر التي لم تطلق النار على عفو حتى يتمكنوا من مواصلة القتال في الحرب ضد أوكرانيا”.
وتبرر موسكو حربها المتواصلة في جارتها أوكرانيا منذ 24 فبراير/ شباط 2022 بأن خطط كييف للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بقيادة الولايات المتحدة، تهدد الأمن القومي الروسي.
تعديل وزاري
و”ستؤدي إزاحة بريغوجين إلى حل مجموعة فاجنر، وبالتالي تعزيز قوة الكرملين. لكن تمرد فاجنر سيجعل من الصعب على بوتين الاستمرار في ترديد مزاعم القيادة العسكرية بأن “العملية العسكرية الخاصة” الروسية في أوكرانيا تسير وفقا للخطة”، بحسب “ستراتفور”.
وأضاف أن هذا الوضع “سيوفر لبوتين أسبابا أقوى لإجراء تعديل وزاري على القادة العسكريين، ربما بينهم ربما شويغو و/ أو جيراسيموف، بالإضافة إلى مسؤولين آخرين رفيعي المستوى مسؤولين عن التعبئة الاقتصادية لدعم المجهود الحربي”.
واستدرك: “لكن لتجنب إرسال رسالة مفادها أن الكرملين استسلم لبريغوجين، فلن تكون هذه التغييرات فورية ولن تحدث زيادة فورية في إجراءات التعبئة أو اعتقالات لمعارضين، فتلك العوامل غير شعبية ومزعزعة للاستقرار السياسي”.
ومضى قائلا إنه “من المرجح أن يتلقى الكرملين دعما أكبر بكثير بين الشعب والنخبة في تطبيق تلك الإجراءات التي من شأنها في النهاية تعزيز قدرة روسيا على الاستمرار”.
وتابع المعهد أنه “من المرجح أيضا أن يستخدم الكرملين التمرد لتعزيز سيطرته على قنوات المعلومات في البلاد عبر إزاحة مجموعة فاجنر وبريغوجين، وبالتالي منع مجتمع اليمين المتطرف من الاقتراب من شويغو وجيراسيموف، وبالتالي، بوتين”.
قمع الليبراليين
ووفقا لـ”ستراتفور” فإنه “من شبه المؤكد أن الكرملين سيستخدم التمرد لتكثيف قمع الليبراليين الروس. وفي حين أن العديد من قادة حركة المعارضة لا يتعاطفون مع بريغوجين، غير بعضهم موقفهم بحماس لدعمه أثناء التمرد على أمل زعزعة استقرار نظام بوتين”.
وأردف: “مثلا، دعا صوت المعارضة المؤثر والسجين السياسي السابق ميخائيل خودوركوفسكي الروس إلى تسليح أنفسهم والاستعداد لدعم تحرك بريغوجين في موسكو”.
وبشأن الحرب في أوكرانيا، رأى “ستراتفور” أن “تلك الأحداث سيكون لها تأثير ضئيل على الحرب، إذ يمكن للقوات الأوكرانية أن تصَّعد هجماتها وتدفع الجدول الزمني لهجومها المضاد للاستفادة من الفوضى”.
وقال إن “تقارير تفيد بأن قوات فاجنر أطلقت النار وأسقطت طائرات هليكوبتر روسية اعتقدوا أنها ستهاجمهم. وتلك الخسائر وغيرها من المعدات الروسية والتدمير الكبير للبنية التحتية للطرق داخل روسيا بالقرب من الحدود الأوكرانية ستُضر بالقوات الروسية واللوجستيات، لكنها في النهاية غير ذات أهمية”.
وتابع أن “الغالبية العظمى من قوات فاجنر، على الأرجح ليست أكبر من حوالي 25 ألف عنصر، تم سحبها بالفعل من الخطوط الأمامية في أوكرانيا، مما يعني أن الفوضى داخل روسيا من المحتمل أن يكون لها تأثير ضئيل على الوحدات التي تقاتل في الجبهة”.
واستدرك: “ومع ذلك، تشير تقارير إلى أن القوات الأوكرانية يمكن أن تستفيد من الوضع السياسي المتوتر في روسيا من خلال تحريك المزيد من وحداتها الهجومية نحو الجبهة حول باخموت ومنطقتي دونيتسك الجنوبية وزابوريزهيا”.
المصدر | ستراتفور- ترجمة وتحرير الخليج الجديد