ابتسام تريسي، روائية سورية متميزة، تنتمي للثورة السورية، تتابع عبر عملها الروائي رصد واقع الثورة السورية وواقع النظام الاستبدادي والمجتمع السوري من زوايا مختلفة، قرأنا أغلب رواياتها وكتبنا عنها.
الرواية تتمحور حول بطلتها “بسمة” وماحولها عبر الزمن لخمسين عام، الشأن العام حاضر، بحيث تعتبر رواية سياسية بامتياز. تبدأ الرواية مع بسمة التي التحقت بالجامعة، والتي تفتح وعيها وعاطفتها باتجاه زميلها “شمس” ذي التوجهات الماركسيه، والذي قدم لها نموذجا عاطفيا ممتلئا، شكّل ركيزة نفسيّة لها، استمرت معها كحب عميق كل العمر، وتعرّفت في الجامعة على زميل آخر “مثنى” من الإخوان المسلمين، والذي احبها ايضا وعمل على أن يستحوذ عليها، عبر تصرفات اقرب للمراهقه والطيش واندفاع الشباب من تشكيك وكيد وتعنت والعجز عن البوح بما في نفسه. تخسر بسمة شمس حيث يتزوج و يفترقا وفي قلبها غصّة، وليعمل مثنى بكل امكانياته لكي يجعلها تحبه وتكون زوجته، لكن تطور الأمور السياسية في سورية ، أيام الصراع بين الإخوان المسلمين والنظام الاستبدادي السوري في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، يؤدي لاعتقال مثنى لأنه من الاخوان، واعتقالها هي لأنها على علاقة معه ، و تدخل المعتقل وتحصل على نصيبها منه؛ ذل وتعذيب واهانة واستباحة كرامة، ولتخرج بعد ذلك بواسطة من صديق والدها (أبو فراس رجل الأمن) الذي أرادها عشيقة، ثمّ رحّلها للسويد، لتبدأ مرحلة جديدة من عمرها في الغربة، عرفت من يكون والدها ؟!، انه احد المخبرين المعتمدين عند الأمن ومنذ زمن بعيد، الأب الذي كان ابن ملاحظ أعمال عند الإقطاعي في بلدتهم، والذي كان يريد من ابنه أن يتعلم ويكبر ليخدم مثله الباشا، وان يتزوج ابنته الوحيده ان امكن، الوالد الذي عاش طفولة قلقة بين اب طموح لمكتسبات كبيرة، وابن تبنى الموضوع كمكسب وانتهازية، تعلم في كتّاب القرية، ثم أنتقل لحلب ليصبح رجل دين مجاورا في مسجد، وليدخل في تخاريم وخفايا حلب، دروب الرذيلة عبر بعض اصدقائه، ثم ليعود للقرية و يرسله والده ليتعلم المحاماة، و يستدعى بعد سنه ليكون زوجا لفريدة ابنة الباشا، التي كان تزوجها ابن عمها الفرنسي لأيام وتركها وغادر دون عوده، وطلقها ايضا، كان هو الزوج المأمون على الإبنة والرزق الذي بقي بعد الحكم الجديد، حكم البعث الذي قضى على الإقطاع وغاب نجم الباشا وكل باشا، وكان الأب على موعد مع السجن لعلاقته مع الإخوان المسلمين أيام كان يدرس الدين في بداية الانقلاب الجديد في آذار 1963، سجن سنتين وخرج محملا باحساس الظلم .تواصل معه رجل الأمن ابو فراس وزين له امر العمل معهم، وانه يجب ان ينتقم لنفسه من الاخوان، ويؤمن مصلحته مع الأمن والسلطة، وأعاد الاعتبار له و ربطه بعاهرة تخدم مع الامن ايضا، وتجعله تحت السيطرة أكثر. عند الوالد عقدة الفقر والنقص تجاه زوجته التي تكبره بعشر سنوات والاغنى منه، ولم يتحرر منها، كان يتصرف معها دوما بقسوة، يهينها ويذلها، كان البيت جحيما، رزق قبل الاعتقال بابنه الأول حمزة، ثم وبعد سجنه جاءت نسمة، ثم التوأم ايمن واحمد، وتمر الايام عليه حتى أحداث السبعينات وما بعد بين النظام والإخوان المسلمون، ويعيد الأمن استخدامه في مداهمة قريته، التي يدخلها الجيش فيقتل من يقتل ويعتقل من يعتقل، ويكون اولاده من الضحايا، وعندها اعتقلت نسمة من الجامعة وعلمت بعلاقة والدها مع الامن، وان والدها وراء المصير الأسود لمثنى وهو الإعدام في تدمر. تعيش بسمة أجواء القمع والاعتقال والتعذيب ثم لترحّل الى السويد، غير متأسفة إلا على والدتها التي ستموت بحسرة أولادها، وخسارة بسمة حبها لشمس الذي فقدته في لحظة طيش. في غربتها ستلتقي بحسين العراقي، الفنان الهارب من العراق، والذي عاش مثلها أجواء القمع والارهاب في بلاده، ترك وراءه اهله ولا يعرف ما مصيرهم، كان عليها أن تتزوج ولو صوريا لكي تحصل على الاقامة هناك، كان حسين فرصتها. كما التقت هناك بمدرسها الجامعي سابقا، مشلولا على كرسي متحرك، وبعد اللقاء عرفت انه ضحيه اخرى للأمن رغم أنه من الطائفة الأخرى، من العلويين ؟!!!.فهو ماركسي معارض للنظام ، أعتقل ودخل السجن وعذّب ليكون مصيره في سجن تدمر مع الاخوان المسلمين، و يصف لها هول ما حصل هناك من قتل وتعذيب وهدر لانسانية الانسان، وكيف كان السجناء ضحية موت مجاني يومي حقير. أرادت بسمة ان تعوض عن خطأ والدها بالزواج منه وحصل، لكن ومع مضي الوقت لم يحرره من عقدة الاضطهاد، وهو دائم التوتر والإساءة ثم الندم وطلب الغفران، وأصبح يشك بها وانها على علاقة مع حسين العراقي، لذلك تركته، كان حسين قد تزوج، عاشت وحيدة لفترة من الزمن، ثم أعادها الشوق للحبيب شمس وللبلاد، وتحت الحاح ابيها المقعد، عادت لسورية لتجد أبا مشلولا تعيله خادمة، عرفت فيها “زهرة” حبيبته في بداية الشباب، التي تركها ليظفر بأمها فريدة ابنة الباشا، نعم زهرة التي تزوجت وأنجبت وبقي لها ولد وحيد، أنقذ بعد هجمة النظام على القرية أيام الصراع مع الاخوان، وأرسل إلى الكويت ليعمل، وليضع أثره بعد الاحتلال العراقي للكويت، ولتجد زهرة بوالد نسمة ملجأها الأخير رغم كونه مشلولا. لم تستطع بسمة أن تغفر لأبيها ابدا، دخلت على كمبيوتره وجدت شبكة أعماله مع الأمن، وتاريخا اسود عرفته اكثر، وعاشت لوعتها أكثر ، ولم يبقى لها الا شمس، بحثت عنه، وتواصلت معه، والتقيا مجددا وكانهما لم يفترقا، هو عنده زوجه وطفله، وهي عندها زوج عاد من الغربة وطالبها بحق الزوجية.
تنتهي الرواية بلقاء مع شمس لا ندري أهو وهم أم حقيقة، تحسّ به قربها ويحتويها، ولكنها تصحو و تعود لحياة عاشتها مريرة، ومستقبل لا حضور للشمس فيه.
في تحليل الرواية نقول:
إننا أمام رواية محبوكة بدقة تظهر الصنعة الادبية بها بشدة، من خلال تقاطع المصائر، و لتكتمل الرسالة المراد لها ان تصل عبر الرواية.
في الرواية نتعرف على ازمة الانسان عندما لا يمتلك الوعي ولا النضج، وابن البيئة الخطأ التي تعكس نفسها عليه طوال حياته ، الإنسان الذي يستسلم لدوافع الشر وغرائزه، ويكون شرا على أخيه الإنسان.
في الرواية صورة عن السلطة المستبدة في سورية، التي تملأ الفضاء الاجتماعي والسياسي والنفسي، تتحكم بالبشر وتحولهم لعبيد وضحايا وأدوات عند الحاكم، حسب الحاجة لأجل الفساد المقنن والمصنوع من النظام وازلامه، وتحقيق مصالحه ودوام تحققها.
الرواية مليئه، وهي مكتوبة قبل الربيع العربي، وتجيب ضمنا عن السؤال:
لماذا ثرنا ؟،وماهي ضرورات الثوره على النفس والمجتمع والنظام ؟.