دوافع المبادرة العربية للحل في سورية وأهدافها: خطة من مسارين وليبيا هي النموذج

عقيل حسين 

كشفت مصادر خاصة لأورينت نت بعض تفاصيل المبادرة العربية حول سوريا، مؤكدة أنه سيتم إجراء اتصالات عالية المستوى مع نظام ميليشيا أسد، على أمل تحقيق اختراقة في الاستعصاء الذي يعاني منه الملف السوري منذ سنوات.

وقالت المصادر “إن توافقاً عربياً تم التوصل إليه يقضي بعدم الاستمرار بترك سوريا ملعباً للقوى الإقليمية الأخرى، وتحديداً إيران وتركيا، إلا أن أحداً لا يمكنه أن يكون متأكداً من طبيعة استجابة النظام مع هذه المبادرة، رغم القناعة الكبيرة بعدم إمكانية فصل النظام عن إيران”.

التوقيت

مثّلت كارثة الزلزال فرصة ذهبية للدول العربية من أجل وضع المبادرة الخاصة بها موضع التنفيذ، كما تقول مصادر أورينت، حيث رفعت الحرج عن بعض الدول من أجل طرحها بشكل علني.

ولعل في مقدمة هذه الدول السعودية ومصر، وإذا كانت القاهرة أكثر حماساً للمبادرة وسبق أن طالبت بتبنيها وإطلاقها، فإن الرياض التي لطالما فضلت التريث، اعتبرت أن العودة إلى دمشق عبر بوابة المساعدات الإنسانية مناسبة معقولة جداً.

لكن هذه المبادرة ليست وليدة كارثة الزلزال أو نتيجة لها، بل تعود في الواقع إلى خمسة أشهر على الأقل، عندما حصل الأردن على موافقة مبدئية من المملكة العربية السعودية على إطلاقها، ليعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في أيلول/سبتمبر الماضي عنها بعد مشاورات مع الأمريكان.

وكان موقع أورينت قد كشف في نهاية أيلول عن ملامح هذه المبادرة، التي وعلى أساسها تم التوافق داخل جامعة الدول العربية لتأجيل عودة النظام إليها قبل انعقاد القمة العربية في تشرين الثاني/نوفمبر 2022.

المعلومات التي حصلت عليها أورينت في ذلك الوقت، أفادت بأن الخطة العربية من أجل الحل في سوريا أساسها تنفيذ القرار 2254.

أما عن التطبيقات، فإن المبادرة تطلب من النظام البدء أولاً بمكافحة عمليات تهريب المخدرات، وإظهار خطوات جدّية وملموسة لمعالجة الوجود العسكري الإيراني في سوريا، مقابل انخراط عربي محدود في البداية بتقديم المساعدات المالية والإنسانية وفق برنامج الإنعاش المبكر، على أن يبدأ بعد ذلك في تنفيذ خطوات بناء الثقة مع المعارضة، وعلى رأسها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والكشف عن مصير المفقودين، وتوفير ضمانات جدّية لعودة من يرغب من اللاجئين والنازحين إلى دياره، من أجل الشروع بمفاوضات جدّية مع المعارضة للوصول إلى حل سياسي شامل على أساس القرار الدولي 2254”.

الأهداف

وحول أهداف المبادرة يقول المصدر “إن هناك أهدافاً قريبة وبعيدة دفعت لهذا التحرك، كما إن هناك أهدافاً مختلفة بالنسبة لكل دولة، لكن بالمجمل يمكن القول إن الأردن لديه دوافع خاصة تتمايز عن دوافع بقية الدول وتحديداً السعودية ومصر”.

فبينما تريد عمّان وضع حد لعمليات تهريب المخدرات إلى أراضيها، وإبعاد الميليشيات الإيرانية عن حدودها، وعودة اللاجئين السوريين بأسرع وقت ممكن، ترى بقية الدول أن الاستمرار بترك سوريا، وكذلك العراق ميدان تنافس أو تقاسم إيراني تركي لم يعد مقبولاً.

كما إن الدول الخليجية التي بدأت تتخذ سياسات متمايزة عن الولايات المتحدة بشكل أوضح، أصبحت تنظر بقلق إلى الإستراتيجية الأمريكية في سوريا، والتي تقوم على إبقاء الوضع فيها كما هو عليه دون أي أفق، خاصة أن تركيا بدأت تتحرك بناء على نفس النظرة القلقة من الإستراتيجية الأمريكية (السلبية)، فبدأت عملية تطبيع مع نظام أسد، ما جعل الدول العربية تسارع لكي يكون لها الحضور الفاعل.

لكن نقطة التلاقي الأبرز بين هذه الدول وبين الأردن هو الرغبة في وقف تفريغ سوريا من سكانها، مع التصاعد المضطرد في أعداد الباحثين عن فرصة السفر، لينضموا إلى نحو عشرة ملايين سوري غادروا البلاد بالفعل، وأغلبيتهم الساحقة من العرب السنة، الأمر الذي بدأت الدول العربية تدرك جدياً مخاطره على المدى البعيد.

عُقد الواقع والحل

الكاتب والباحث السياسي السوري المعارض “عبد الناصر العايد” يرى أن هذا الدافع منطقي من حيث المبدأ، لكنه يعتقد أن الواقع معقد ويحتاج إلى خطة واضحة ومبادرة شاملة تأخذ كل النقاط الجدلية بعين الاعتبار.

ويضيف: نحن أمام حقيقة أن المكون العربي السني يعاني خطراً يكاد يكون وجودياً في سوريا، وإذا ما تركت الأمور على ما هي عليه، فقد نجد بعد سنوات أن التغيير الديموغرافي بات أمراً واقعاً، لذلك يجب التحرك فوراً من أجل حل المسألة السورية.

ويختم العايد: لكن هذا الحل يجب أن يكون حقيقياً ومستداماً وقابلاً للتطبيق، ولكي يكون كذلك يجب أن يشمل إقناع بشار الأسد بالخروج من المشهد إرضاء للمكون العربي السني، وأن يقدم ضمانات للعلويين وحاضنة النظام كي لا يكون هناك من يعرقل هذا الحل، ولذلك أقول إن الأمر معقد ولن يكون سهلاً ويحتاج لمبادرة متكاملة واضحة متفق عليها من الجميع.

خطة من خطين

لكن إلى أي حد يمكن أن يقبل نظام ميليشيا أسد بالتعاطي الإيجابي مع أي مبادرة تتضمن استقالة بشار من منصبه؟

سؤال تعتبر الإجابة عليه بديهية لدى الكثيرين، وهي أن النظام لا يمكن أن يقبل مجرد نقاش هذه الفكرة، بدليل أن إعلام هذا النظام يتعاطى مع التطورات الأخيرة من زاويتين متقاربتين، الأولى هي رضوخ العرب له، والثانية هي فتح صفحة جديدة بينه وبينهم مع تجاوز الماضي والإقرار بانتصار النظام.

أمر يمكن تلمسه بوضوح من خلال متابعة ما نشرته وسائل الإعلام في دمشق أو المقربة من نظام أسد، وكذلك العديد من المسؤولين فيه لدى حديثهم عن الزيارة التي سيقوم بها بشار إلى سلطنة عمان والإمارات.

لكن مصادر أورينت تكشف أن هذه الجولة ستكون من أجل مناقشة رأس النظام بمضمون المبادرة وأهدافها، مشيرة إلى أن الترتيبات تتم لتوجه وفد عربي من عدة دول إلى دمشق من أجل طرح الخطة العربية بشكل رسمي، وأنه في حال رفضها من قبل النظام أو عدم التعاطي الجدي معها، فإن الدول العربية ستتحرك بشكل فاعل هذه المرة لفرض إرادتها في سوريا على غرار ما حصل في ليبيا.

وحول الأسباب التي يمكن أن تدفع نظام أسد لعدم التجاوب مع الطرح العربي، تقول المصادر إن المبادرة ستتضمن تطبيق القرار 2254 بشكل كامل، بما في ذلك إجراء انتخابات عامة بعد تهيئة المناخ اللازم الذي يشمل إطلاق سراح المعتقلين وعودة من يرغب من اللاجئين والنازحين إلى ديارهم مع ضمان سلامتهم، إلى جانب وضع خطة زمنية واضحة لمغادرة كافة القوات الأجنبية البلاد، مقابل التعهد بإعادة إعمار سوريا وتنميتها.

من حيث الشكل، تبدو الدول العربية جادة وحازمة في البدء بإجراءات الوصول إلى حل ينهي الصراع في سوريا، أما من حيث المضمون فإن الأفكار والمقترحات ما تزال عامة، ورغم أنها تبدو أقرب للنظام منه إلى المعارضة، إلا أن مصادر أورينت تصر على أن الرؤية العربية متوازنة وتعي أهمية أن يكون الجميع مقتنعاً بالحل المقترح، لأن ذلك هو الشرط الوحيد الذي يمكن أن يضمن نجاح هذا الحل.. فهل يمكن تطبيقه بالفعل؟

المصدر:  أورينت نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى