القمة العربية الصينية: هل تعيد تموضع النظام الرسمي العربي؟

رأي الملتقى

لعل انعقاد القمة العربية/ الصينية يوم أمس بتاريخ 9 كانون أول/ ديسمبر  2022في الرياض، يعيد طرح الكثير من المسائل، وينتج بعض التساؤلات الضرورية التي يمكن أن تنبثق بالضرورة مع إطلاق هذه القمة الجديدة بين العرب والصينيين، خاصة أنها تأتي على وقع الخلافات العالمية الكبرى بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، والحديث عن أهمية إعادة رسم ملامح نظام عالمي جديد يقوم على ثنائية القطبية أو تعددها، على خلاف ماكان عليه العالم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي أوائل تسعينيات القرن المنصرم، وما أدى إثر ذلك إلى هيمنة أميركية ذات قطبية واحدة على العالم بأجمعه.

يأتي انعقاد هذه القمة المتجددة وبترتيب سعودي خليجي، بينما يعيش العالم أزمة طاقة كبيرة طالت كل شيء، وأدت إلى زيادة نسب التضخم العالمي بشكل لم يسبق إليه أي مثيل، ودفعت بالعديد من دول العالم النفطية إلى اتخاذ قرارات عبر أوبيك، زادت الضغط على أسواق العالم النفطية، ومن ثم أدت إلى مزيد من التوتر بين الإدارة الأميركية البايدينية والغرب من جهة المتأثر بالأزمة الأوكرانية والكورونية، وبين دول النفط التي لم ترضخ لكل الضغوط الأميركية عبر تجميد أسعار الطاقة، أو الاندراج كلية في السياسات الغربية في مواجهة العدوان الروسي على أوكرانيا والعالم الغاربي.

من هنا فإن انعقاد القمة ضمن هذه الأجواء يعطي مدلولات كثيرة ويؤشر إلى إمكانية انزياحات سياسية وجيوسياسية في المنطقة، من الممكن أن ترسم علامات، كما يشير إلى إعادة تموضع خليجي، خاصة مع محور الصين، دون المواجهة المباشرة مع الأميركان، والحقيقة فإن هذه العملية النسبية من إعادة التموضع، لم تأت لمجرد خلافات سياسية فقط، أومناكفات بينية مع الأميركان، لكنها بكل تأكيد أخذت مكانها الجديد بعد التخلي الأميركي المباشر عن دعم بعض دول الخليج عسكريًا في مواجهة التمدد الإيراني في اليمن وسواه، وأدت إلى سحب الباتريوت الأميركي من دول الخليج، وعملت على إعادة تقييم الموقف الأميركي مما يحصل في اليمن، وهو الذي يهدد أمن الخليج برمته، وليس أمن السعودية فحسب، لكن ذلك بالنتيجة لن يؤدي بأي حال من الأحوال إلى القيام بإنشاء حلف مع الصين في مواجهة الغرب، حيث ليس العرب الرسسميون بوارد ذلك، كما أنهم لن يستطيعوا تحقيقه كليًا، وهم مازالوا بحاجة ماسة إلى الحماية الأميركية، حتى لو كانت منقوصة، أو أنهم يراهنون على تغييرات في الإدارات الأميركية في قادم الأيام.

ويبدو أن الأمير محمد  بن سلمان ولي العهد السعودي، وفي قمة الرياض للتعاون والتنمية تنبه ونبه إلى ذلك عندما قال : “قمتنا تؤسس لانطلاق تاريخ جديد للعلاقة بين السعودية والصين تهدف لتعميق التعاون في جميع المجالات وتنسيق وجهات النظر حيال القضايا الإقليمية والدولية”. ولفت إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تعتبر الصين “شريكاً أساسياً مهماً لها، وتولي أهمية قصوى لرفع مستوى الشراكة الاستراتيجية معها”. ثم عاد أكثر من مسؤول سعودي ليقول أيضًا مامضمونه :” أن الاستقبال والإعلانات التي رافقت زيارة شي لا تعتبر تجاهلًا لأميركا. فالصين هي بلد مهم، وتعاملها المملكة بهذه الطريقة، ولكن فريق بايدن لديه علاقة شائكة مع السعودية، وتنظر أميركا للصين كمنافس رئيسي لها.”

وقد تحدث المتابعون للقمة من أن واشنطن لن ترضى عن طريقة استقبال شي الدافئة مقارنة مع استقبال بايدن الفاترة. وبالفعل فإن الرئيس شي لقي ترحيبًا حارًا مقارنة مع زيارة بايدن إلى السعودية في تموز/ يوليو الفائت، وسوف سيعود شي إلى الصين يحمل كيسًا كبيرًا من عقود الاستثمارات والإعلانات التجارية الأخرى.

من جهته فقد كان الرئيس الصيني منفرج الأسارير وممتنًا لهذا الانفتاح الخليجي والعربي الكبير على الصين حيث قال في كلمته، ” إن الصين ستواصل دعمها الثابت لدول مجلس التعاون الخليجي في الحفاظ على أمنها، وتدعم دول المنطقة لحلّ الخلافات عبر الحوار والتشاور”

وأكد أن “الصين ستواصل استيراد النفط الخام بشكل مستقر وبكمية كبيرة من دول مجلس التعاون الخليجي، وزيادة استيراد الغاز الطبيعي المسال منها.”

ومن الجدير ذكره أن الرئيس الصيني حمل معه الكثير من الاتفاقات الاستتثمارية والتجارية بعد أن التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، ووقعا، بحضور ولي العهد، “اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين المملكة والصين.

يرى سياسيون في الغرب أن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية، وحضوره القمة في السعودية، وإن كانت عن الطاقة والمال، إلا أنها رسالة إلى الولايات المتحدة مباشرة وذات أهمية.

ويعزو المراقبون في الغرب أن ماحصل من قمة مهمة يعود إلى” أن المزاج في شبه الجزيرة العربية كان متوترًا، فبعد ارتفاع مفاجئ، بدأت أسعار النفط بالتراجع وسط حالة من الكساد في الدول الغنية. وخشيت السعودية وسط النزاع الذي يتخمر بمنطقة الخليج، من تعرض منشآتها النفطية  لهجمات. ولهذا فهي راغبة بشكل كبير في شراء الصواريخ الباليستية لردع منافسيها. ولأن الولايات المتحدة رفضت بيعها تلك الصواريخ، فقد تحول ولي العهد السعودي نحو الصين، التي وقّعت مع المملكة اتفاقية سرية لتزويدها بالأسلحة التي تريدها.”.

إن واقع الأمر يقول كذلك أن السعوديين ظلوا يعاملون الصين كورقة لإحباط الولايات المتحدة التي أصبحت في السنوات الأخيرة حليفًا لم يعد يوثق به بالنسبة لهم. ويمكن القول أن استخدام الصين جاء كتحوطٍ إستراتيجي ضد أميريكا المتقلبة. فالصين ليست بديلًا سهلًا عن الولايات المتحدة، ومحاولة قادة الخليج لعب ورقة قوتين عظميين ضد بعضهما البعض، ربما تعجّل بتخلي أميركا عنهم وهو ما يخشونه كثيرًا، ولا يبدو أنه يمكن أن يحصل حيث إن العين الخليجية مابرحت متوجهة إلى الغرب وخاصة الأميركان.

ويشير المراقبون الى أن الولايات المتحدة “لا تخشى من علاقات اقتصادية كهذه مع الصين، لكن ما يخيف الإدارات هناك، هي العلاقات الإستراتيجية مع الصين، خاصة في مجال التكنولوجيا والأمن والدفاع.”. ومع ذلك تبقى مسألة إعادة تموضع النظام الرسمي العربي إلى جانب الصين في مواجهة الأميركان غير مكتملة، وغير قادرة على الإنجاز، لأسباب كثيرة منها أن الصين لن تستطيع حماية الخليج من أطماع إيران، والأميركان ليس في أذهانهم استدارة كاملة عن دول المنطقة، كما أن ذلك ليس  ضمن السياسات الاستراتيجية للدول العربية العاجزة أصلاً على أن يكون لها أي دور خارج إطار الهيمنة الأميركية والغربية عامة، أو إعادة تشكيل جديد لدول عدم الانخياز المتجددة  خارج عباءة الأميركان.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى