تونس- ما يكاد المتقاعد محمد البنزرتي ينزل بخطى متثاقلة درجَ مصحة الضمان الاجتماعي في حي الخضراء بالعاصمة تونس؛ حتى يهم بالجلوس لاهثا من التعب، بينما يمسك بيده سيجارة مشتعلة ليأخذ منها نفسا طويلا محدقا من وراء نظاراته في مفترق الطريق.
و”مفترق الطريق” صورة يرى البعض أنها تجسم الواقع التونسي الذي يعيش أزمة محتدة جراء تردي الأوضاع المعيشية من غلاء للأسعار وندرة المواد الأساسية والأدوية، في حين تتهيأ البلاد لإجراء انتخابات تشريعية في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ولم يكن من السهل إقناع البنزرتي للإدلاء بشهادته؛ فهو رجل سئم الحياة بعد مرضه في بلد يقول إنه “لا يحفظ الكرامة”، فبعد نحو 3 عقود أمضاها في العمل كسائق يجوب الطرقات، ها هو اليوم يجلس كحِمل ثقيل حائرا في الوضع.
أوضاع صعبة
ولم يعد هذا الرجل مكترثا بمضار التدخين -كما يقول- رغم إصابته منذ فترة بجلطة كادت تطوي حياته للأبد، فتدخين السجائر لا يقل مضرّة عن الانتظار قرابة نصف يوم في طابور طويل لمقابلة الطبيب ثم الخروج بموعد آخر بعد 3 أشهر، وفق قوله.
ويعاني محمد البنزرتي من مرض القلب الذي استفحل بسبب التوتر من ضيق الحال؛ فهو يتقاضى راتبا تقاعديا لا يكفي سوى لأيام معدودة، بينما أخذ التضخم يشق طريقه في جيوب التونسيين وسط أزمة غلاء ونقص حاد في المواد الأساسية.
حال هذا الرجل المتقاعد المريض الذي يتلاشى جهده ويضيق صدره من فرط الانتظار في المستشفيات ومعضلة قلة الأدوية والغلاء وضبابية الأوضاع، هو خبز يومي لدى معظم التونسيين، لدرجة تصل إلى أن هناك أشخاصا من التونسيين لا يعلمون أن البلاد على أبواب انتخابات تشريعية.
يقول البنزرتي للجزيرة نت بعد أن يغوص هائما في التفكير إن البلاد “ضاعت في الطريق”، وبينما يحمّل مسؤولية تدهور الأوضاع لما قبل فترة الرئيس قيس سعيد فإنه لا يرجح أن يقوم الأخير بفعل شيء لإنقاذ “ما تم تخريبه بسبب الفساد”.
وبعد الثورة في سنة 2011 علّق البنزرتي آمالا في بلده بأن يستقيم حالها بعد سقوط الاستبداد، لكن الانتخابات المتعاقبة التي شارك فيها “لم تقدم سوى طبقة سياسية تتنازع على السلطة ولم تكن احتياجات الشعب وكرامته ضمن تفكيرها”.
وربما ترسّخ الإحباط في نظرته للواقع، لكنه يصرّ على أن الانتخابات التشريعية القادمة لن تغير شيئا في معيشة التونسيين، معتبرا أن تجربة الانتخابات تكرّرت في عديد المحطات، لكن رغم الوعود الانتخابية وإعلان النوايا “بقيت الأوضاع للوراء تسير”.
خيبة أمل
ككل صباح يتهافت الزبائن على النادل مراد العفيفي الذي يعمل بإحدى المقاهي الشعبية وسط العاصمة، ولا حديث لهم يوميا سوى الاشتكاء من ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وفقدان مواد أساسية؛ خصوصا الحليب والسكر وبعض الأدوية.
وقد تغيرت حياة الرجل رأسا على عقب بعد ترحيله قسرا من مدينة ميلانو الإيطالية بعد سنوات طويلة هناك، وبعد رجوعه إلى تونس تزوج وأنجب ابنتين، ويحاول بكد تأمين حياتهم بمدخول شهري لا يتجاوز 300 دولار بدون حتى تغطية اجتماعية وصحية.
يقول للجزيرة نت إنه ينفق يوميا 30 دينارا (نحو 10 دولارات)، لكن ثلاجته “دائما فارغة”، وما ينغّص حياته أكثر أوجاعُ زوجته المعطلَّة عن العمل التي لا تقوى على الوقوف بسبب آلام حادة في عمودها الفقري، بدون أن يتسنى له إيجاد الدواء لعلاجها.
وعلى عكس الرجل السابق يحمّل مراد العفيفي تدهور الأوضاع إلى الرئيس قيس سعيد نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة التي يقول إنها خلقت أزمة إحباط عميقة دفعت قطاعا من الشباب لركوب الأمواج بحثا عن مصير مجهول في بلدان أوروبا.
ويؤكد للجزيرة نت أنه لن يشارك في الانتخابات التشريعية المقبلة وأنه لا يعلق آمالا في تغيير الأوضاع، معربا عن استيائه مما يعتبره انعداما لقيمة الإنسان في عيون السلطة جراء عدم مبالاتها بالصحة أو التعليم أو النقل أو التشغيل، وفق رأيه.
آمال قائمة
ورغم حالة الجفاف التي تصيب تونس نتيجة عدم هطول الأمطار؛ يتوقع حاتم الباجي المختص بإيجار وبيع العقارات أن تنتعش السياحة بفضل الطقس الدافئ، وهذا الطقس “سيساهم -إن استمر- في نجاح الانتخابات القادمة واستقطاب الناخبين”.
ويقول الباجي للجزيرة نت إن الأوضاع في تونس ليست بالقتامة التي يصفها البعض، مقرا بوجود بعض الغلاء بالأسعار، لكنه يصرّ على “انحياز الرئيس قيس سعيد لعامة الشعب ضد المفسدين” الذين يتهمهم بفبركة الأزمات لتشويه صورة الرئيس.
وبالنسبة إليه تمثل الانتخابات التشريعية المقبلة “آخر مسمار يدق في نعش المنظومة التي حكمت بعد ثورة 2011 طيلة عقد كامل”، معتبرا أن إقبال المرشحين على الانتخابات البرلمانية -التي ستجرى لأول مرة على نظام الاقتراع على الأفراد- “محترم”.
ويرى هذا المواطن التونسي أن الرئيس قيس سعيد سيفتح من خلال الانتخابات التشريعية القادمة صفحة جديدة من الشرعية الدستورية التي “ستخلق في فترة لاحقة بلا شك استقرارا في البلاد سيساعد على إصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية”.
اقتراع على الأفراد
وترشح للانتخابات التشريعية المقبلة -التي تجرى لأول مرّة وفق القانون الانتخابي الذي صاغه الرئيس قيس سعيد وفق نظام الاقتراع على الأفراد- 1058 مرشحا، منهم 936 رجلا و122 امرأة (12%)، وهو أول تراجع ملحوظ لدى النساء.
ويتشكل البرلمان التونسي القادم -الذي سيجري انتخاب نوابه في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل، لولاية من 5 سنوات- من 161 مقعدا.
وتجرى الانتخابات القادمة وسط مقاطعة جبهة الخلاص المعارضة التي تشكل حركة النهضة أبرز مكوناتها، فضلا عن الحزب الدستوري الحر والتيار الديمقراطي والحزب الجمهوري وحزب التكتل وحزب العمال اليساري وحزب آفاق تونس وأحزاب وتيارات أخرى.
المصدر: الجزيرة. نت