في فن القصة القصيرة يبرز في سورية وجه من وجوه الأدب قل مثيله.. فهو من يكتب ويقص بطريقة غاية في الروعة والجمال، تكتبه القصة قبل أن يكتبها.. يختلف عن سواه من الكتّاب في أن القص يخرج من جوّانية الألم والأمل في دواخله.
مقلّ في إنتاج مجموعاته القصصية ولكنه وعندما يفر الحرف من بين أصابعه ليصوغ الجملة فإن ذلك يكون قد مر على الوجدان الثاوي في مخياله.. لينتج أدباً مبدعاً يفيد منه القارئ فيلتهمه دون توقف.
حول مجموعاته القصصية الأربع وحول رؤياه الأدبية والاجتماعية كان هذا الحوار:
ما قصتك مع الخلع أستاذ إبراهيم.. مرة تخلع القميص وأخرى تخلع اتحاد الكتّاب.. وثالثة لا نعرف ماذا ستخلع.. ما الحكاية؟
لم يبق أمام المرء إلا أن يخلع روحه! أو – إذا رحمه ربه – تنخلع روحه، وفي الحالين يرتاح من ورطة ولادته التي شاء القدر أن تكون عربية أشبه بالمستنقعات كلما مر الزمن عليها تزداد رائحة كريهةً ونتناً وتنفيراً!
وما من حكاية خاصة أرويها لك. يمكنك أن تسأل أي شخص عربي آخر، من أي حقل أو اهتمام أو ميدان، فإنه سيروي لك حكايات عجيبة لا تنتهي عن المستنقعات التي تخلع الأرواح من أصحابها، إذ ” إن أي فلاح عجوز / يروي لك ببيتين من العتابا / كل تاريخ الشرق / وهو يدرج لفافته أمام خيمته ” على حدّ تعبير شاعرنا محمد الماغوط.
أما زلت كما عرفتك مسكونا بالهم العام للناس.. الناس.. أم أن اليأس الذي تتحدث عنه قد أتى على كل ما لديك؟
أن أكون مسكونا بهمومي الخاصة يعني أن أكون مسكوناً بهموم الناس وأحلامهم وآمالهم وإحباطاتهم. أما اليأس فكما أتى عليهم أتى عليّ. هل من مفردة أخرى لديك غير: اليأس، لتسعفني بها وتسعف عباد الله العرب الصالحين؟!
نعرف أنك تشتغل بالقصة أشهراً بعض الأحيان.. ولا تنتج إلا من جوّانيتك.. فما السبب يا ترى؟ وهل ما زلت بطيء الإنتاج.. وضد الإسهال بالعمل والقص؟
لطالما قلت: إن الشغل الحثيث، والكد المضني، وبذل الجهد والطاقة كلها هو ما يتعبني – ويرعبني – في كتابة القصة القصيرة. لو كان الأمر يتعلق بالفكرة أو الموضوع لاستطعت كتابة قصة جديدة في كل يوم، ولاستطعت إصدار ما هبّ ودبّ من مجموعات قصصية، إذ ليس أسهل على من تمرّس في الكتابة من حيث حرفتها وفنها من أن ينتج وينتج وينتج. فلأنه كاتب سيكتب، ولأنه كاتب متمرّس فلن يكون ما يكتبه مبتذلا وهشاً وسخيفاً مهما أصاب صاحب الكتابة من ” الإسهال ” والاستسهال، بيد أن السؤال ما موقع ما يكتبه مما كتب؟! في الجواب سنرمي بأكوام من إصداراته دون أسف.
كذلك ومع انتشار الدراما بهذا الشكل الكبير.. هل فكرت بالكتابة للدراما التلفزيونية؟ ولماذا؟
حتى الآن لم أفكر. وذلك لأن طبيعة العلاقات وطريقة التعامل بين الأركان الثلاثة التي يقوم عليها العمل الدرامي التلفزيوني: الكاتب والمخرج والممثل لا تزال في الواقع الراهن بائسـة واسـتهلاكية وسطحية كما أراها. وصـحيح أنني لم أمت – كما يقال في الأمثال – لكنني رأيت من مات من معارفي كتّاب الدراما ولا أودّ أن أدفع بنفسي إلى عدادهم متوكّلا على الدارج السائد.
وهل أنت مع التخصص.. أي بالكتابة في جنس القصة القصيرة فقط؟
بالطبع، مع التخصص جداً ويمكن في جردة حساب بسيطة أن نتعرف على حال من جعلوا من كتاباتهم “سـوبر ماركت” تحوي القصة القصيرة، والرواية، والشعر، والكتابة للمسرح، وللسينما، وللتلفزيون.. علاوة على النقد الأدبي، والترجمة، وفي بعض الأحيان الرسم والموسيقى… إلخ. يمكن لنا أن نتعرف على حالهم التي باتت، كما يقول المثل، مثل شحمة الأذن لا هي من اللحم ولا هي من العظم!!
تشكو دائماً من عدم إعطاء الأديب حقه في سورية حكومة ومؤسسات.. فهل تعتقد أن الأمر في طريقه للتغيير؟
كثيرون من عباد الله لا ينالون حقوقهم… أبقيت المسألة على الأديب والكاتب!!! وربما كان الأمر في طريقه للتغيير كما تقول في سؤالك. ولكن أليس من الحق أن نسأل: في أي اتجاه؟! وإلى أين؟!
قلت مرة ((القصة هي جنس أدبي رفيع المستوى صعب ونبيل مثل طلقة نحو هدف لا تتحمل الخطأ إما أن تصيب أو تخيب)) فهل هو التعصب تجاه هذا الجنس الأدبي؟
نعم، طلقة واحدة أمام هدف وحيد. بضع كلمات لحبيبة تستقل قطاراً يهمّ بالسفر. نظرة متبادلة خاطفة وسط حشد من الناس. ابتسامة سرية مرسَلة تبوح بكل ما في الروح… بنية القصة القصيرة كذلك، نسيجها، نسغها، تكوينها، بل جيناتها، وحين لا تكون كذلك لا تكون. تخيب، وتفشل، وكأن شيئا لم يكن.
هذا عن إبداع القصة القصيرة في أرفع مواقعها وأعلى ذراها. أما حفنة من الجمل محفونة حفناً كحبات العدس على أنها قصة قصيرة (!!) فهذا ليس موضوع سؤالك كما أعتقد، ولا هو مضمون جواب بكل تأكيد.
المصدر: ديوان العرب
تاريخ النشر 25 آذار 2008