تعود قضية مخيم الهول في سورية، الذي يضم عائلات عناصر من تنظيم “داعش”، إلى الواجهة من جديد، مع تكرار التصريحات بشأن وجود نوايا لتفكيكه، بينما تشير المعطيات على الأرض إلى صعوبات عدة.
وأعلنت السلطات العراقية، أول من أمس الأحد، عن عقد الجلسة التأسيسية لمجموعتي العمل العراقية والدولية، المعنية بتنفيذ الإطار الدولي لإعادة العراقيين من شمال شرق سورية، وتفكيك مخيم الهول السوري.
ووفقاً للمكتب الإعلامي لمستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، فإن الجانب العراقي أكد، خلال الجلسة، أهمية العمل على إنهاء التهديد الذي يسببه مخيم الهول، وتحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه هذا الملف.
وأشار إلى أن “الحكومة العراقية اتخذت قراراً شجاعاً، باشرت بتنفيذه منذ مايو/ أيار عام 2021″، في إشارة إلى إعادة عائلات عراقية من مخيم الهول السوري إلى مخيم الجدعة في محافظة نينوى جنوب الموصل. مع العلم أن وزارة الهجرة والمهجرين العراقية كانت قد أعلنت أخيراً قرب عودة 150 أسرة عراقية نازحة موجودة في مخيم الهول السوري.
وهذه هي الدفعة الخامسة التي يستعد العراق إلى إعادتها منذ إطلاق برنامج العودة العام الماضي. نفي خطط لتفكيك مخيم الهول في المقابل، تنفي “الإدارة الذاتية” الكردية في شمال شرقي سورية وجود خطط لتفكيك مخيم الهول، وتتحدث عن تجاهل المجتمع الدولي لمعاناة هذه العائلات التي تضم آلاف الأطفال الذين يتعرضون لكل أنواع الاضطهاد بما فيها القتل.
وتدير “الإدارة الذاتية”، التابعة إلى “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، هذا المخيم الذي يقع إلى الجنوب الشرقي من محافظة الحسكة، بنحو 50 كيلومتراً، غير بعيد عن الحدود السورية العراقية. وتحول بدءاً من عام 2017 إلى ملاذ لعائلات مسلحي تنظيم “داعش” في ذروة الحملة عليه في سورية والعراق.
ونفى رئيس مكتب شؤون النازحين واللاجئين في “الإدارة الذاتية” شيخموس أحمد، في حديث مع “العربي الجديد”، وجود خطط لتفكيك مخيم الهول، مضيفاً أن الحكومة العراقية ليست مخوّلة بتفكيك المخيم أو الإبقاء عليه.
وأشار إلى أن “نصف المقيمين في المخيم مواطنون عراقيون”. وقال أحمد إن “الحكومة العراقية تستلم بين فترة وأخرى دفعة من هؤلاء، وتنقلها إلى مخيم الجدعة شمال العراق. لا يزال عدد العراقيين كبيراً في المخيم، وإذا استمرت هذه الوتيرة في استلامهم من الحكومة العراقية فلن ينتهي وجود العراقيين في المخيم قبل عام”.
وأشار إلى أن “مشكلة مخيم الهول ليست محصورة بالإدارة الذاتية في شمال شرقي سورية، بل هي تخص العديد من دول العالم”، موضحاً أن هناك مقيمين في المخيم من 60 جنسية. ولفت إلى أن هناك قسماً من العراقيين يرفضون العودة إلى بلادهم.
وقال إن الحكومة العراقية “لا تقدم أي خدمات للمواطنين العراقيين الموجودين في مخيم الهول”، موضحاً أن “لجنة من وزارة المهجرين العراقية تأتي إلى المخيم بين فترة وأخرى تسجل أسماء الراغبين بالعودة، ولكن تجاوب الحكومة العراقية مع هذا الملف بطيء جداً”.
وحول إمكانية تفكيك مخيم الهول، أوضح أحمد أن “الأمر يتطلب تدخلاً دولياً، لإعادة كل المقيمين في المخيم إلى بلدانهم، وإعادة السوريين من خارج مناطق الإدارة الذاتية إلى مناطق سيطرة النظام، وعددهم نحو 15 ألفاً”.
وقال: لم نصل إلى أي اتفاق مع المنظمات الدولية لضمان عدم تعرض هؤلاء للتهديد من قبل النظام، في حال إعادتهم إلى المناطق التي ينتمون إليها. وأمِل أن تقوم الدول بإعادة رعاياها من المخيم لتفكيكه، مضيفاً: حتى اللحظة ترفض الكثير من الدول عودة رعاياها إليها.
وبيّن أن “الإدارة الذاتية” تواجه العديد من الصعوبات في تعاملها مع ملف مخيم الهول، موضحاً أن إغلاق معبر اليعربية مع الجانب العراقي أمام تدفق المساعدات الدولية الإنسانية لتدخل الشمال الشرقي من سورية بشكل مباشر، من أهم هذه المعوقات.
تجاهل مأساة القاطنين في المخيم
وأشار أحمد إلى أن التجاهل الدولي لمأساة القاطنين في المخيم “معوّق آخر أمام الإدارة الذاتية، إضافة الى التهديدات الأمنية اليومية على القاطنين من قبل خلايا تنظيم داعش داخل المخيم”.
ولفت إلى أن هناك نقصاً كبيراً في المساعدات من قبل المنظمات الدولية للمقيمين في المخيم، ولمناطق “الإدارة الذاتية” بشكل عام. وأكد أن “الوضع الإنساني داخل المخيم كارثي، وتجاوب المجتمع الدولي خجول”، مضيفاً: يجب إعادة فتح معبر اليعربية من قبل مجلس الأمن الدولي، ودعم ومساندة المنظمات الإنسانية المحلية، وإيقاف التهديدات التركية. يجب أن يضغط المجتمع الدولي على الدول التي لها رعايا في المخيم لإعادتهم.
“قسد” تتحمّل المسؤولية
ولكن فضل عبد الغني، وهو مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وصف، في حديث مع “العربي الجديد”، مخيم الهول بأنه “مركز احتجاز”. ولفت إلى أن الدول التي تدعم “قوات سورية الديمقراطية” تتحمل مسؤولية ما يجري في هذا المركز.
واعتبر أن “إدارة هذه القوات لهذا المخيم كارثية، فهي غير مهتمة به، كونها مليشيا عسكرية تسعى لجمع الأموال والأسلحة فقط، لذا يجب أن تضغط عليها الدول الداعمة لها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا”. وأشار إلى أن هناك “نحو 60 ألف محتجز، فالقاطنون في المخيم ليسوا نازحين، و”قسد” تمنعهم من الخروج، ومن ثم تحوّل المخيم إلى مركز احتجاز”.
وبيّن أن “تفكيك المخيم ليس حلاً”، مضيفاً: “يجب أن تُجرى دراسات على القاطنين فيه، ومن يريد منهم الخروج فله كامل الحرية في ذلك. “قسد” تتحمل مسؤولية الجرائم والانتهاكات التي تجري بحق المقيمين في المخيم”.
وأُنشئ مخيم الهول في الأصل لإيواء اللاجئين العراقيين في أوائل عام 1991 خلال حرب الخليج الثانية، وأُعيد فتحه لاحقاً بعد تدفق المهاجرين العراقيين إلى سورية، عقب غزو العراق في 2003، وهو واحد من ثلاثة مخيمات على الحدود السورية العراقية.
وبحسب إحصائيات وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، يضم المخيم 29 ألف عراقي من أصل نحو 70 ألفاً يقيمون فيه، عدد منهم أجانب ترفض حكوماتهم استلامهم. ومن بين المقيمين في المخيم نحو 20 ألف سوري جلهم أطفال ونساء.
وكانت منظمات إنسانية دولية قد حذرت مراراً من مصير مجهول يواجه آلاف الأطفال الموجودين في المخيم، الذين تعرّض عدد منهم لعمليات تصفية على يد خلايا للتنظيم تنشط فيه.
وأكدت منظمة “سايف ذا تشيلدرن” (أنقذوا الأطفال)، في مارس/آذار الماضي، وفاة 74 طفلاً في مخيم الهول، بينهم ثمانية تعرضوا للقتل خلال العام الماضي. ومنذ مطلع العام الحالي سجلت إدارة المخيم 26 جريمة قتل، أودت بحياة 10 سوريين، من بينهم مُسعف في النقطة الطبية للهلال الأحمر الكردي، و14 شخصاً من العراقيين، وقتيلان مجهولا الهوية، عدا عن 15 محاولة قتل باءت بالفشل.
المصدر: العربي الجديد