نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدته لارا جيكس قالت فيه إن الدبلوماسيين يخشون من استخدام روسيا الإغاثة لسوريا كورقة مقايضة في أوكرانيا. وأضافت أن دول الشرق الأوسط وأوروبا ستواجه موجة لجوء جديدة لو أغلقت روسيا آخر معبر إنساني إلى سوريا.
فلم يتبق سوى ممر إنساني واحد تمر من خلاله المياه الصحية والمواد الغذائية والأدوية إلى أكثر من مليون سوري محاصرين بسبب الحرب الأهلية.
ويحذر المسؤولون الآن من إغلاق روسيا المعبر واستخدامه كورقة مقايضة مع القوى العالمية وبعيدا عن أوكرانيا بألف ميل. ويقول الدبلوماسيون إن إغلاق معبر باب الهوى مع الحدود التركية سيجبر بالتأكيد آلاف السوريين على الهروب من سوريا، مما سيزيد أزمة اللاجئين في الشرق الأوسط وأوروبا سوءا، وهي الأزمة التي تعد الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية.
وسيكون موضوع المعبر الأخير محلا للنقاش في مجلس الأمن الذي تتمتع فيه روسيا بحق الفيتو الشهر المقبل وإن سيظل المعبر مفتوحا للمساعدات الإنسانية. ويبدو أن المعبر بات رهنا لتنافس المصالح الروسية والأمريكية والحرب التي شنتها موسكو في أوكرانيا.
ونقلت الصحيفة عن وزير خارجية الأردن، أيمن الصفدي قوله “تركت الحرب في أوكرانيا تداعيات واسعة على سوريا وبقية المنطقة والعالم”. وأضاف الصفدي الذي قابلته الصحيفة هذا الشهر في واشنطن أن الأردن يراقب بقلق الكيفية التي ستتعامل فيها روسيا مع التصويت.
وأشار إلى أن هناك أكثر من مليون لاجئ سوري يعيشون في مخيمات داخل الأردن وأي تسوية للحرب السورية التي مضى عليها 11 عاما “تحتاج بالتأكيد لاتفاق أمريكي- روسي”. واعتبر أنه “في ظل الدينامية الحالية” فـ”التداعيات قد تكون شديدة فيما يتعلق بظروف اللاجئين السوريين والمشردين”.
واستخدمت روسيا حق الفيتو في مجلس الأمن لإغلاق ثلاث ممرات إنسانية في عام 2020 ووافقت في العام الماضي على الاحتفاظ بواحد في باب الهوى وبعد مفاوضات حامية مع الولايات المتحدة. ودافعت عن إغلاق المعابر الأخرى بأنها ضرورية للحفاظ على السيادة السورية ودفعت نحو حصول المؤسسات الدولية على موافقة الحكومة السورية لتوزيع المساعدات الإنسانية بدلا من توزيعها عبر وكالات الأمم المتحدة.
وتعتبر روسيا من أهم داعمي الرئيس بشار الأسد في الحرب الأهلية التي بدأت عام 2011 وكان الدعم متركزا في معظمه على مناطق المعارضة.
ويقود معبر باب الهوى إلى محافظة إدلب في شمال- غرب سوريا، وهي آخر جيب لا يزال تحت سيطرة المعارضة السورية وأصبح ملجأ لجماعة متشددة على علاقة بتنظيم القاعدة. وتجري في الوقت الحالي حملة ضغط للحفاظ على المعبر بدون إغلاق.
وتترأس الولايات المتحدة مجلس الأمن هذا الشهر ودعت إلى سلسلة من الاجتماعات التي ناقشت فيها معاناة السوريين الذين أصبحوا بدون بيوت وبحاجة لمساعدات مستمرة للنجاة. وقال نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي إن موسكو لم تقرر بعد كيف ستستخدم صوتها، لكنه قال يوم الجمعة إن المساعدات ضمن النظام الحالي عرضة لاستفادة المتطرفين في إدلب. وتابع “لا أنكر أنها تذهب إلى اللاجئين ولكن الجماعات الإرهابية، تنتفع منها”، مضيفا أن المتطرفين هاجموا قوافل المساعدات. ورفض بوليانسكي مناقشة موضوع المعبر مكتفيا بالقول إن المحادثات الأمريكية- الروسية جامدة في “ضوء الظروف الجيوسياسية الحالية”. و”بصراحة لا توجد أشياء تدعونا للتفاؤل في هذه المرحلة”.
ونقلت الصحيفة عن ثلاثة دبلوماسيين قولهم إن روسيا أرسلت إشارات غامضة تقترح أنها قد تحاول استخدام التصويت للحصول على تنازلات في المواجهة الحالية بأوكرانيا. فقد فرضت واشنطن والدول الأوروبية عددا من العقوبات على روسيا لمعاقبتها على غزو أوكرانيا. ولم يناقش الدبلوماسيون الإشارات وقالوا إن موسكو لم تتحدث عن ربط مصير المعبر بالحرب في أوكرانيا، ولكنهم لا يستبعدون محاولة روسيا التأثير على الدول التي تتأثر مباشرة بموجات اللاجئين المساعدة في تجنيبها العقوبات.
وتكهن دبلوماسي رفض الاتهامات بأنها خرقت سيادة أوكرانيا عبر الغزو بالإشارة إلى خرق قوافل المساعدات الإنسانية لسيادة سوريا. وبشكل منفصل قال المسؤولون الأمريكيون والدول التي تتعامل معها إنها سترسل رسالة قوية لموسكو بعدم محاولة إغلاق المعبر، مع أنها ليست متأكدة بأنها ستستمع إليها.
وقالت شيرين تادروس، مديرة أمنستي انترناشونال في الأمم المتحدة “لم يكن هناك أبدا أي اعتراف من روسيا أن معبر باب الهوى يعتبر حيويا ونحن بحاجة للحفاظ عليه مفتوحا”. و”كان جزءا من استراتيجيتهم لقص وقص وكان هذا دائما موضوعا للصفقات الخلفية” و”هذا محزن جدا وكيف يتلاعبون بحياة الناس”.
وتعيش غالبية اللاجئين السوريين في تركيا، حيث حذر المسؤولون ولوقت طويل أن وجودهم يدفع البلاد نحو حافية الانهيار. وتنتظر تركيا ما ستفعله روسيا، بحسب شخصين على معرفة بالنقاشات، تحدثا شرط الكشف عن هويتهما. وتوقع كل منهما أن يكون المعبر جزءا من النقاشات مع موسكو حول أوكرانيا.
وتعتبر تركيا عضوا في الناتو وقدمت لأوكرانيا طائرات مسيرة ومنعت السفن العسكرية من عبور المضائق التي تسيطر عليها إلى البحر الأسود. ولكن الرئيس رجب طيب أردوغان أعلن عن معارضته لعضوية كل من السويد وفنلندا في الناتو. وطالما رفضت روسيا توسع الحلف قريبا من حدودها.
وفي هنغاريا، رفض رئيس الوزراء فيكتور أوربان وقف استيراد النفط من روسيا، وطردت هنغاريا عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين ودول الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية لكنها استقبلت أكثر من 600.000 لاجئ أوكراني منذ بداية الحرب.
وحاول الأردن الذي يقيم علاقات مع روسيا وأمريكا تجنب الانجرار إلى أوكرانيا وحث إدارة بايدن على إحياء التسوية في سوريا، وقال الصفدي إن الحرب الأوكرانية زادت من حالة الجمود في سوريا “فالوضع الراهن يظل من منظورنا خطيرا لأنه يزيد من معاناة الشعب السوري”. وكان الأردن واحدا من دول في الشرق الأوسط استأنفت علاقاتها مع سوريا رغم عدم موافقة واشنطن.
وأجبرت الحرب الأهلية السورية 5.7 مليون سوري على الفرار من بلادهم، أي ثلث عدد السكان. وبالمقابل فر حوالي 6.7 مليون أوكراني منذ بداية الغزو الروسي قبل ثلاثة أشهر تقريبا. وهناك أزمة غذاء تلوح بالأفق بسبب توقف الإمدادات الروسية والأوكرانية.
وفي واشنطن قال رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي للصحافيين: “افترضوا أننا سنواجه أزمة إنسانية بسبب نقص الطعام” و”عندها سيصبح الوضع صعبا ولا يمكن إدارته”.
وتعهدت روسيا بتخفيف الأزمة الاقتصادية لو تم تخفيف العقوبات عنها. ووصل مئات الآلاف من المهاجرين الذين فروا من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ذروة أزمة 2015، وقال دراغي إن إيطاليا استوعبت حوالي 120.000 من اللاجئين الأوكرانيين. ولكنه أضاف أن عدد السوريين الذي ظلوا في إيطاليا “ليس كبيرا”.
وفي مؤتمر للمانحين عقد ببروكسل هذا الشهر، تعهدت الولايات المتحدة بـ808 مليون دولار كدعم إنساني لسوريا، وهو أكبر مبلغ تساهم فيه أمريكا منذ الحرب. وجمعت الأمم المتحدة 6.7 مليار دولار لدعم سوريا وغيرها مع أنها سعت لـ10.5 مليار لعام 2022 فقط. وقالت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينلاند إن نقص الغذاء جعل من الوضع الإنساني في سوريا “مهم هذا العام” و”مسألة حياة أو موت”. واقترح بلويانسكي الدبلوماسي الروسي وغيره أن معابر غير رسمية ستظل مفتوحة لنقل المساعدات الإنسانية، فإغلاق باب الهوى لا يعني أن هذه ستظل هادئة.
المصدر: “القدس العربي”