اعتادت تركيا منذ عام 2014 أن تسمح بذهاب اللاجئين السوريين إلى المناطق المحررة في بلدهم لقضاء إجازة عيد الفطر، لكنها قيّدت الإجازات هذا العام، مع استثناء من يريد حضور تشييع متوفى من عائلته أو الذهاب بلا عودة، ما خلق مخاوف لدى من ذهبوا أو من يريدون فعل ذلك من عدم السماح بعودتهم إلى تركيا.
يقول المتقاعد السوري حسين م. الذي يقيم في ولاية غازي عنتاب: “ألغيت زيارتي لسورية من أجل قضاء عطلة عيد الفطر فيها. لا أعلم قانونياً إذا كان من حقنا الذهاب إلى المناطق المحررة ورؤية أهلنا، رغم أن الناس اعتادوا الذهاب والعودة في السنوات الأخيرة. يبدو أن الوضع خطر هذا العام، ويرجح ألا تسمح السلطات التركية بعودة جميع اللاجئين السوريين لإرضاء الشارع المتشنج ضدهم قبل أشهر من الانتخابات العامة، فالسوريون فعلياً هم ورقة سياسية في هذه الانتخابات”. ويصف حسين الحياة في المناطق المحررة بسورية بأنها “صعبة وخطرة وسط ممارسات الابتزاز والتخويف للهيئات الحاكمة فيها، وانعدام فرص العمل، ما يخلق معاناة كبيرة لحوالى 5 ملايين شخص”.
ومن جرابلس في ريف حلب المحرر، يخبر إبراهيم ع. “العربي الجديد” بأنه حاول العودة إلى تركيا بعدما دخل المنطقة المحررة أخيراً لقضاء عطلة عيد الفطر، ثم قرر إلغاء إجازته، لكنه منع على المعبر من ذلك حتى انقضاء فترة هذه الإجازة، ويقول: “أتمنى أن أكون غير مخطئ لأن منعي من العودة يعني هدم العمل الذي أنشأته في تركيا ومستقبل أولادي، ما سيجعلني أندم كثيراً على الدخول”.
وتنقل مصادر سورية عن هيثم النجار أنه اعتاد قضاء عطلة عيد الفطر في منطقة مارع بريف حلب الشمالي، لكنه علم بعدما عبر الحدود في 19 إبريل/ نيسان الجاري، بأن قضية زيارة السوريين لبلدهم تثير جدلاً في تركيا، “لذا أتخوف ألا يسمح لي بالعودة، ما يعني أنني سأخسر دراستي كطالب في السنة الثانية بجامعة سيرت التركية”.
وفعلياً، أخذ ملف زيارة اللاجئين السوريين لمناطقهم خلال عطلة العيد أبعاداً إضافية بعد ربطه بتدابير “العودة الطوعية” التي تطبقها تركيا عليهم منذ عامين لتخفيف عددهم الذي يناهز 3.7 ملايين، بهدف امتصاص فائض الغضب الداخلي، وتخفيف خطاب العنصرية الذي تتصاعد لهجته مع اقتراب موعد الانتخابات العامة.
ونقلت وسائل إعلام تركية أخيراً معلومات عن وضع الحكومة خطة لإعادة مليون ونصف مليون سوري خلال 20 شهراً، بعد جعل المناطق المحررة مناسبة أمنياً واقتصادياً لعودتهم. ولمّح الإعلامي يلماز بيلغان إلى أن “أنقرة أنجزت كل الدراسات اللازمة لبناء 200 ألف منزل بتمويل قطري في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، وعرضتها على مناقصات”.
ونشرت صحيفة “حرييت” تحديداً ما وصفته بأنه “تفاصيل لخطة وضعتها أنقرة لضمان حياة مستقرة ومشجعة للعودة”. وأشارت الصحيفة إلى أنه “في مجال الحوكمة، أنشأت تركيا مجالس محلية وتشكيلات أمنية وقضائية في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، عبر تدريب 12 ألف عنصر أمن، ونظام للإدارة العمرانية في مناطق عفرين جنديرس ورأس العين وأعزاز والباب وتل أبيض، وأجرت دراسات للتطوير والتحسين، خاصة بأعزاز والباب، وجهزت مستشفيات ومنشآت بنى تحتية”. ويعني ذلك، بحسب مراقبين، أن “تركيا تنسق لعودة معظم اللاجئين السوريين على أراضيها، لكن من دون أن تجبر أياً منهم على ذلك، وهي لن تتساهل في تطبيق القوانين، ما يعني أن كل مخالف لمكان إقامته أو لتحديث بيانات اللجوء سيرحل إلى شمال غربي سورية”.
لكن مدير مركز الهجرة والدعم المعنوي في ريف غازي عنتاب جلال ديمير، يؤكد في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن “تركيا لا تنصب فخاً للسوريين، وتهدف عبر تسريع الإجراءات إلى سحب التوتر من الشارع، والرد على حجج أحزاب المعارضة بأن السوريين يتسببون في الفقر والبطالة في البلاد. وفي كل الأحوال، لن تستجيب أنقرة لأصوات المعارضة التي تطالب بعودة اللاجئين السوريين، ولن تخدع من وافقت على منحهم إجازات عيد الفطر. وإذا كانت لا تسمح حالياً بعودتهم، ستفعل ذلك بعد انقضاء العطلة. بالطبع تغيّرت ظروف المنطقة، لكن تركيا لا تزال تدعم اللاجئين، وتسهّل العودة الطوعية إلى مناطق شمال غربي سورية التي تهتم باحتياجاتها الأمنية والخدماتية، وتحاول تحويلها إلى بيئة جذابة، كما حال المدن التركية”.
وكان تصريح رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي خلال اجتماع عقده البرلمان بأن “لا داعي لعودة اللاجئين السوريين الذين يذهبون لقضاء إجازة عيد الفطر في سورية”، ثم إعلان وزارة الداخلية في 19 إبريل/ نيسان الجاري عن تقييد الزيارات خلال عيدي الفطر والأضحى، قد عززا مطالب المعارضة بعدم السماح بعودة السوريين، لكن يبقى السؤال الأهم حول قانونية هذه الإجازات، وامتلاك اللاجئين السوريين حق زيارة بلدهم وأهلهم، ثم العودة إلى بلد اللجوء.
يقول رئيس تجمع المحامين السوريين في تركيا غزوان قرنفل، لـ”العربي الجديد”: “ليست إجازات العيد حقاً قانونياً للاجئين في تركيا، فالقوانين الدولية الخاصة باللجوء لا تسمح للاجئ أو من يخضع لحماية بأن يذهب إلى البلد الذي فرّ منه لالتماس ملجأ آمن خوفاً على حياته، وتحرمه من حق اللجوء والحماية المؤقتة في حال فعل ذلك”. يضيف: “أرى أن السلطات التركية تحاول تشجيع السوريين على الاطلاع على أوضاع بلدهم عن كثب، والتي قد يتكيف البعض معها تمهيداً لعدم العودة، ولا تنصب بالتالي فخاً لهم، علماً أنني حذرت في السنوات الأخيرة من الذهاب لقضاء عطلة العيد في الشمال السوري، لأن هذا الأمر بات ورقة سياسية تستخدمها المعارضة التركية التي تتحدث عن أن بلادهم آمنة، وتتضمن موارد رزق، ولا تهدد حياتهم”.
المصدر: العربي الجديد