النداء الأخير للحرية.. في دمشق

 أحمد مظهر سعدو

 هل هو النداء الأخير للحرية في أروقة الأمة؟ أم هو نداء يحتاج إلى نداءات أخرى وأخرى.. فحالة الحرية في وطننا مازالت في أتون توضعات ما قبل (قروسطية) والنداء الأخير للحرية هو كتاب جديد صدر مؤخراً عن منشورات (أوراب) للباحث السياسي بل الباحث عن الحرية حبيب عيسى.. يقع الكتاب ضمن (431) صفحة من القطع الكبير.. يجول فيه (أبو عصمت) حول ما أسماه (مغامرة هذا الكتاب) فقد كتبه في السجن لذلك، كان أوراقاً للسجن وللسجن نواميسه وللزنازين أيضاً كما قيل.

إنها حكايا الجدران حسب (عيسى) ونتف الضوء، التي تتسرب بين القضبان، والثقوب الصغيرة أحياناً، ويضيف: أن تعتقد أنت أنك حر في سجنك.. مطلوب أن تتحرك بمساحة محددة تقول: نصفها يكفيني فالحرية نسبية على أية حال. لا تتحدد بالمساحات، فهناك من يعيشون عبيداً في قارة، وهناك من يعيشون أحراراً في مغارة.

لعلها المعاناة.. لعله العشق للحرية والانطلاق.. العشق لكينونة الأمة، ما جعل الحبيب أبو عصمت يرسل هذه الأنشودة الحرياتية للناس كل الناس، من داخل الزنزانة، بل من داخل معطى الحرية المنبعثة من داخل الداخل في نفسه. (حبيب عيسى) الكاتب السياسي والمحامي بأوراقه هذه يطلق صيحة ديمقراطية، ويرمي حجراً في مياه راكدة، تنتظر من يحركها بين الفينة والأخرى. في منولوجه الداخلي الذي يسرق منه القارئ في كتابه إلى حجم المعاناة، ولكن حجم الأمل أيضاً.. فكل تلافيف الكتاب وكل منعرجاته تنز ألماً وأملاً بمستقبل سورية ومستقبل الأمة من خلالها، فرسائله داخل الكتاب إلى أسرته زوجته أبنائه وبناته.. وآخرين، ليست رسائل شخصية بل شخصنتها مفعمة بالوطن والأمة والمثل العليا، ووضع اللبنة على السكة والطريق الصحيح. والتأكيد على الحوار المفتوح على الملأ وهي مسألة يراها (أبو عصمت) بالغة الأهمية، وهي عنده فوق كل اعتبار، ذلك أن الكثير على ما يبدو، وكما يبين لا يروق لهم الحوار المفتوح، كما لا يروق لهم موضوع الحريات والتعددية السياسية، وهؤلاء يحاربون هذه الظاهرة بكل ما يملكون دفاعاً عن مواقفهم لإجهاضها والقضاء عليها.

هذا الكتاب محاولة جديدة ومتجددة لسيرة ذاتية وتجربة شخصية لكنها مرتبطة بكل الوطن وكل ناسه.. ويعكسها على المسألة الاجتماعية والسياسية بشكل مباشر ودون مواربة، ذلك أن للسجون نواميسها الخاصة التي لا يدركها إلا من يقبع وراء قضبانها لهذه التجربة المعيشة – كما يؤكد (حبيب) – تضيف ما لا يستطيع القلم أن يخطه على الورق.

ولم يفت الكاتب التطرق من خلال الكتاب إلى مسائل بحثية سياسية منها موضوع (الشرق الأوسط والشرق أوسطية) فهو يقول: إذا كانت (الشرق أوسطية) تجتاز اليوم عتبة التجسيد الواقعي لمؤسسات إقليمية ومحلية ذات طابع دولي وسياسي واقتصادي واجتماعي تتمحور كدول حول دولة إسرائيل فإن تلك الشرق أوسطية كانت قد اجتازت عتبة المخاض الحقيقي على أصوات المدافع التي حسمت الحرب العالمية الأولى.. ويتابع قائلاً: إن تلك الشرق أوسطية التي يسميها (بيريز) جديدة، هي لا جديدة ولا من يحزنون.

الكتاب الذي بين أيدينا صرخة حرياتية، وبوح عشقي للوطن، وانفلات صادق بمنحنيات الحالة المنتهكة للأمة عبر كل إشكالاتها وتوضعاتها المعاشة.

المصدر: الراية القطرية

 

تاريخ النشر 30/6/2004

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى