شكّل الصمت العربي – في مجمله – حيال الثورة السورية، و انعدام التحرك لنصرة الشعب السوري، مادةَ تفكير عند الباحثين للتفكير في هذه الظاهرة، و لا سيما أن الشعب السوري لم يدخر جهداً في الوقوف إلى جانب معظم الشعوب العربية، إن لم يكن كلها، في كل مفاصلها التاريخية و منعرجاتها، و آلامها و أزماتها.
يرى #خضر_زكريا، الباحث السوري و أستاذ علم الاجتماع في جامعات الدوحة، أن الشعوب العربية “أصيبت بالإحباط، نتيجة لما بدا أنه فشل ثورات الربيع العربي، حتى في تلك البلدان التي عرفت تقدماً واضحاً، من حيث طابع النظام السياسي (تونس مثلاً)، فإن الأوضاع المعيشية السيئة التي يعاني منها الشعب، سببت أنواعاً من اليأس و الإحباط”.
أضاف، في حديث لـ (جيرون)، أن “النظام العالمي السائد، و كذلك القوى الإقليمية ذات النفوذ الأقوى، لا تريد لثورة شعبية أن تنتصر.. و لذا تعمل، بكل الوسائل، على إفشال تلك الثورات، و لا تهتم بعمليات القتل و التدمير و التهجير التي تمارسها السلطات المستبدة الفاسدة، و على رأسها نظام آل أسد.. ناهيك عن غيره من الإرهابيين الذين دخلوا على خط الثورة باسم الإسلام، و ارتكبوا الفظائع التي نشرها و ضخمها كلُ من كان همهُ هزيمة الثوار الحقيقيين”.
تابع: “عليّ أن أقول أيضاً: إن الشعوب العربية، في ظروف النظام العالمي الحالي، و في ظروف سيطرة الإعلام و وسائل التواصل العالمية، صارت أقل حساسية تجاه القضايا المصيرية الكبرى بوجه عام.. لكنني واثق من أن شعوب العالم كله، بما فيها الشعوب العربية، ستنتفض، عاجلاً أو آجلاً، ضد هذا النظام العالمي، و ترفع راية الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية عالياً”.
في الموضوع ذاته، قالت #كفاح_كيال، رئيسة ملتقى العروبة في فلسطين: إن “الموقف العربي الرسمي أو الشعبي غير مبرر، فهو يصبّ في خانة التواطؤ مع النظام الأسدي، و العدوان الأجنبي، و يشكل حالة من الخذلان لشعبنا العربي السوري، و برأيي، إن الحالة العربية عمومًا متردية، بسبب عسف الأنظمة العربية من جهة، و غياب مشروع عربي ثوري، و انشغال الأحزاب العربية بالاصطفافات التي توفر لها نوعاً من الدعم و الاستمرارية، على حساب الموقف المبدئي”.
اعتبرت كفاح، خلال حديثها مع (جيرون)، أن “الثورة السورية كانت مفّرِزة لكل الساحات العربية، أماطت اللثام عن مكونات عربية شعبية، و على رأسها الأحزاب”، معقبة أن “الأمة أمام امتحان قاس و تاريخي، و يجب العمل على بناء رافعة عمل مركزية ثورية حقيقية، تعمل في الميدان بعيداً عن ديباجات المؤتمرات و فذلكات الفضائيات، تعلن موقفاً واضحاً ضد الاستبداد العربي بكافة نظمه، و ضد العدوانيات الأجنبية، و ضد الأحزاب التي اصطفت مع الاستبداد و العدوان، و محاكمة كل هؤلاء، و الانطلاق نحو تحرير وطننا العربي الكبير و كنس العدوان الأجنبي عنه، و إسقاط كل الأنظمة العربية، و لا أستثني منها #أحداً، ومحاسبة كل من خان الدم السوري، و كل من تواطأ مع النظام السوري العميل، أياً كان موقعه، و حيثما تواجد”.
الباحث السوري #عصام_المحاميد قال لـ (جيرون): “هناك خذلان، و هناك تقاعس، و هناك منطق اللامنطق، لأن ما جرى في سورية أدخل المنطقة في حيرة من أمرها: أهي ثورة على الظلم؟ أهي ثورة من أجل الحرية؟ أم أن هناك كثيرين صدقوا أن سورية هي محور مقاومة، و يجب مساندتها لتستمر في هذه المقاومة، و المتصدية للعدو الإسرائيلي؟؟، ثم بعد قليل نجح هذا النظام في أن يقول للعالم إن ما يجري على أرضه عبارة عن مجموعات إرهابية، تريد إقامة إمارات إسلامية”.
و أضاف: “كثيرٌ من الناس صدّقوا هذا الادعاء، و كثيرٌ من الناس أيضاً تمكنوا من القراءة الدقيقة لكذب هذا الادعاء، و هكذا جعلوا البلبلة تصل إلى (ليس فقط جيران سورية و أمتها العربية و الكثير من الدول الإسلامية) بل انتشر هذا الكلام لدى شعوب العالم، شعوب أوروبا الحية”.
تابع: “شعبٌ قام من أجل الحرية و الكرامة و محاربة الفساد و الاستبداد، حاولوا وصمه أنه عصابات إرهابية تريد إقامة دولة و إمارات إسلامية! و لن نخرج من هذا إلا عندما نلتقي على مقولة المواطنة و الدولة المدنية الحديثة لكل مواطنيها، بكل انتماءاتهم الدينية و الطائفية و الشعوبية و القومية و غير ذلك، دولة يتساوى فيها جميع مواطنيها في الحقوق و الواجبات، دولة مهمتها الأساسية حماية حرية الإنسان، نلتقي لنعمل على هذا الهدف، بعد ذلك يمكن أن يكون أمر آخر، ثم مسيرة التاريخ أمامنا، و أوروبا التي اقتتلت عقوداً طويلة وضحت بالعشرات، و قُتل منها عشرات الآلاف، و الناس تنتخب من يحكمها، و ليس الكنيسة التي تسمي الحكام للأمم، عندها انطلقت أوروبا و تخلصت من أوزارها، و وصلت إلى ما هي عليه اليوم، و هذا المخاض تخوضه الأمة العربية، و سُنة التاريخ تقول: سوف تصل إلى هذه المرحلة التي سبقتها إليها أوروبا”.
المصدر: جيرون – 19 كانون الثاني ، 2018