بدأت الحكومة المصرية العمل على تنفيذ مشروع ضخم للربط الكهربائي، تم توقيع اتفاقية بشأنه قبل أيام قليلة، مع قبرص واليونان. وكانت الدول الثلاث أصدرت إعلاناً عقب قمة مشتركة، عقدت الثلاثاء، تحت عنوان “قمة آلية التعاون الثلاثي” تضمن العديد من البنود، وجاء في مقدمها ذلك المشروع الذي من المقرر أن يبدأ تشغيله في نهاية العام 2023.
هذه الخطوة الاقتصادية الكبيرة التي تعزز الشراكة القوية بين القاهرة ونيقوسيا وأثينا، وتمهد لتصدير الكهرباء إلى أوروبا، أثارت غضب أنقرة التي يعاني اقتصادها أزمة ملموسة، وتجلى ذلك في بيان أصدرته وزارة الخارجية التركية.
واعتبرت أنقرة في بيانها أن الإعلان الصادر عن القمة الثلاثية ينم عن “مظهر جديد من مظاهر العداء من قبل اليونان وقبرص ضد تركيا”، وأنه “يظهر عدم إدراك الإدارة المصرية للجهة الحقيقية التي يجب أن تتعاون معها شرق المتوسط”.
ويأتي هذا في ظل مؤشرات إيجابية على إمكان عودة العلاقات بين القاهرة وأنقرة إلى طبيعتها، بعد نحو ثمانية أعوام من التوتر الذي رأى محللون أنه كاد يصل في بعض مراحله إلى مواجهات عسكرية، وخصوصاً بعد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين الدول الثلاث، والاكتشافات الضخمة لحقول الغاز التي حققتها تلك الدول في شرق المتوسط.
وكان دبلوماسيون مصريون وأتراك أجروا اتصالات خلال الأشهر الأخيرة، وعقدوا جلستين استكشافيتين للحوار بين البلدين، بهدف تطبيع العلاقات التي تضررت كثيراً بعد إطاحة جماعة “الإخوان المسلمين” من السلطة في مصر في 30 حزيران (يونيو) 2013 إثر تظاهرات شعبية ضخمة ساندها الجيش المصري.
وفي أعقاب الجلسة الاستكشافية الأخيرة، التي عقدت في بدايات شهر تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، أعرب وزير الخارجية المصري سامح شكري عن أن “هناك قدراً من التقدم في العلاقات مع تركيا نأمل البناء عليه”. فهل يمكن أن يؤدي مشروع الربط الكهربائي بين البلدان الثلاث إلى إعادة العلاقات المصرية – التركية إلى النقطة صفر؟
فرصة للتعاون
يقول السفير جمال بيومي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق لـ”النهار العربي”: “مشروع الربط الكهربائي هو أحد أكبر مشاريع الطاقة في المناطق العربية والأوروبية والأفريقية. إذ يجري الربط من الشرق في بغداد والإمارات والسعودية مروراً بمصر حتى ليبيا وتونس والجزائر والمغرب”.
وتبلغ تكلفة المشروع 4 مليارات دولار، ويهدف للربط بين مصر وقبرص واليونان عبر جزيرة كريت، لتبادل الطاقة الكهربائية على الجهد العالي ذي التيار المستمر 2000 ميغاوات و 500 ± كيلو فولت.
ويضيف الدبلوماسي الذي قاد مفاوضات الشركة بين مصر والاتحاد الأوروبي قبل نحو 20 عاماً: “سوف يمتد الربط باتجاه الجنوب مع السدود في السودان والكونغو وتنزانيا، وهو ما يجعل مصر مركزاً لتجارة طاقة الكهرباء والغاز باتجاه أوروبا”.
ويقول بيومي: “إذا تحسنت الأحوال سيمتد الربط الحالي مع بيروت إلى سوريا ثم تركيا وصولاً إلى أوروبا”.
ويرى الدبلوماسي المصري أن “الكابل الجاري إنشاؤه مع كل من قبرص واليونان سيمتد إلى وسط أوروبا، ولا يجب أن يزعج تركيا، وخصوصاً إذا استجابت لرجاء الاتحاد الأوروبي ولحلف الأطلسي بأن تكف عن الشغب وتنضم إلى تحالفات شرق المتوسط”.
ربط تنموي
ومن جانبه، يقول الكاتب الصحافي التركي إبراهيم أقباب لـ”النهار العربي”: “الربط بين مصر وقبرص واليونان، هو مشروع اقتصادي وتنموي، ولا أظن أن له شأناً بالعلاقات السياسية، وخصوصاً ما تشهده الساحة من تطور في العلاقات الثنائية بين أنقرة والقاهرة”.
ويدلل أقباب على وجهة نظره بـ”عدم اهتمام أنقرة بهذا الحدث على أعلى المستويات السياسية، ولأنه إذا كان لهذا الأمر تأثير، لتكلم الجانب التركي بشأن الربط الشبيه بين مصر وليبيا”.
ويعرب الكاتب التركي عن اعتقاده بأنه “ربما يتحول هذا المشروع في المستقبل إلى إحدى أدوات التعاون المشترك بين الأطراف بما فيها تركيا”.
علاقات مجمدة
ويرى الباحث في العلاقات الدولية محمد حامد أن المشروع قد لا يحدث فرقاً كبيراً في العلاقات “المجمدة” بين البلدين.
ويقول الباحث لـ”النهار العربي”: “أنقرة ليست مهتمة بالكهرباء بقدر اهتمامها بالغاز، فهي لم تستطع إلى الآن التنقيب عن الغاز في منطقة شرق المتوسط، ولديها خلافات عميقة مع اليونان وقبرص، وليس لديها خيار سوى ترسيم الحدود البحرية مع مصر، وهو ما تسعى إليه حالياً من خلال محاولة التقارب مع مصر، وهناك مبادرات منذ أشهر لإحداث هذا التقارب”.
ويضيف: “المفاوضات المصرية – التركية لم يحدث فيها تقدم حقيقي، وتعتبر بالنسبة الى أنقرة مبادرات لالتقاط الصور، لعرضها أمام الرأي العام التركي الغاضب من إهدار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لعلاقات بلاده مع الدول العربية، وخصوصاً مصر التي تعد أكبر دولة عربية، وهناك ضغوط داخلية عليه لهذا السبب”.
ويشير الباحث في العلاقات الدولية إلى أن “المفاوضات المصرية – التركية لم تتطرق بعد إلى الأمور الإستراتيجية، مثل ترسيم الحدود البحرية مع مصر، وملف “الإخوان المسلمين”، وترتيبات المتوسط، والوجود التركي في ليبيا، ومساعي أنقرة للوجود في القرن الأفريقي”.
ويعتقد حامد أن “ما حدث إلى الآن من قبل أنقرة لتحسين علاقاتها مع القاهرة، لم يتجاوز إسكات القنوات التي تهاجم مصر، لذا لم يتم عقد جولة الحوار الثالثة كما كان مرتقباً، ولا تزال العلاقات مجمدة”.
المصدر: النهار العربي